المحتوى الرئيسى

أظن أنني أحبه أكثر

01/16 22:39

في اختلاجات صديق لصديق، أسرد صديقي الأستاذ حسين، سيرة حياته كطيف زمني يتضمن الهروب للأمام، وحسب سرده عن قصة حياته من خلال نظارة سوداء، قال: تارة عاش خوفاً من عصى أبيه، ثم تارة عاش خوفاً من الفشل الدراسي، وتارة عاش بترهيب رجال الدين من عذاب القبر والآخرة والنار، وتارة عاش زمناً خوفاً من الرقابة الاجتماعية ورقابة بعض أجهزة الدولة، وعاش ردحاً من الزمن ولا يزال يعيش خوفاً من رئيسه بالعمل الذي يبتز الموظفين بأدوات الحسم والإنذارات من طرف، أو خوفاً من الفقر وانحسار الدخل وضعف القوة الشرائية لعملة بلده الوطنية من طرف آخر، يصرح الأستاذ حسين في سرده القصصي المعبر عن خلجات قلقه من مراحل طفولته، وشبابه، ورشده وحتى قرب بلوغه سن التقاعد الوظيفي، وهو تحت ضغوط جمَّة في محيطه الصغير، ويتساءل كيف لظروف كهذه أن تنتج مبدعين أو مفكرين أو قادة؟!

علَّقت على سرده بالقول: يبدو لي همّك على قدك يا أبو علي، القلق ببعض الناس من حولك وصل إلى كل شيء، نعم إلى كل شيء، حتى إن البعض تطعن عقائدهم على المنابر، وأبناؤهم يتعرضون للأذى، ونساؤهم يتعرضن للقذف في أعراضهن، وعلى مسامع الجهات المختصة والمسؤولة عن الأمن الاجتماعي، والبعض تم الاستهداف لدور العبادة لهم، والتهديدات المبطنة لإطلاق مارد الاقتتال ضدهم والإقصاء لهم بأقنعة مختلفة، بدءاً من الطائفية والقبلية، ومرورا بالمناطقية، وليس انتهاء باستغلال المناصب والكل يتفرج، فضلاً عن هذا وذاك مما ذُكر يضاف إليه القلق على مستقبل أبنائهم ومصير بلدانهم، ولو وسعت أفق عينيك لرأيت الفقر والانهيارات الاقتصادية والحروب والصراعات على السلطة، وضياع الأمن وانتشار القلق، وتزايد عدد حالات الأمراض النفسية والانتحار، وتعدد ألوان الجريمة، وانتشار البطالة وتنوع السرقات، واستبداد الظلم.. إلخ.

ثم همست في أذن الأستاذ حسين قائلاً: أنت تخاف الله أم تحبه؟! واسترسلت قائلاً: لا أريد منك جواباً سريعاً، أريد منك الاختلاء بفكرك وقلبك ومشاعرك، ثم جاوب نفسك بنفسك، نعم كل إنسان على هذه الأرض مبتلى: "لقد خلقنا الإنسان في كبد" (سورة البلد: آية ٣)، وهذه سُنة الحياة، ولك أن تتحقق بالنظر فيمن هم حولك، وفِي أحوال البشر على وجه البسيطة.

اتصل الأستاذ حسين بعد بضع ساعات، وهو في حالة انتعاش ويبدو لي من نبرة صوته أنه يعلو محياهُ ابتسامة لطيفة، وقال: أظن أنني أحب الله أكثر من أنني أخافه.

فالحب لله يشعرني بالثقة، واللجوء لركن حصين، وأرمي بثقلي وهمي لمن يكفيني أمور الشدة، ويمهد لي طريق السعادة، ويتكفل بي في الحياة الدنيا والآخرة أنا وجميع أفراد أسرتي وأبناء قومي، وأبث إليه همي في أي وقت من الأوقات، وأكون في قناعات تضبط سلوكي وتطلعاتي وتزيح قلقي، ثم استرسل حسين قائلاً: كل ما عليَّ هو أن أحرص وأبذل الجهد بالحد المرجو معه إنجاز المهمة المبتغى إنجازها، فإن تم ذلك فنعم بها، وإن لم يتم، فالجهود توكل للآخرين بعد استنفاد الأسباب وتوظيف المعطيات المتوافرة حينذاك.

شكرني الأستاذ حسين لسعة صدري وتحملي لزفير صدره وشخير فكره وسواد رؤيته حينذاك وجميل المعالجة بتأمل الحال، وتسخير الطاقات إيجابياً، والجهد بقدر الحاجة وانجلاء الصورة القاتمة من خلجات قلبه وضيق صدره.

توقف بنا الحديث ها هنا، ثم انطلقنا نفكر معاً كيف نحث المحيط الاجتماعي بنا على أن يفكر بشكل أكثر إيجابياً، وأكثر انفتاحاً واقتناصاً للفرص الجميلة لخلق ظروف أفضل.

فاتفقت مع الأستاذ حسين على أنني سأنقل ما دار بيننا نشراً في أكثر من منتدى ونادٍ ومدونة، لعل فعلاً كهذا قد يُسهم ولو بأقل القليل في زراعة الأمل والحب والثقة بالذات، وحسن التوكل على الله.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل