المحتوى الرئيسى

هذا ليس الدين

01/16 22:39

كثيراً ما أردّ الفهم الخاطئ للدين ونفور الكثيرين منه إلى التربية الأسرية الأولى، وحصص الديانة الإسلامية التي تدخلها المعلمة عابسة الوجه، مقطبة الحاجبين، وكأن الطلاب كفارُ قريش الذين تسعى لهدايتهم وإبعادهم عن الضلال بأغلظ السبل.

علمونا في المدارس أن الآيات القرآنية كلامٌ تلقيني وجِب حفظه غيباً، وحولونا إلى ببغاواتٍ ناطقة حفظت ما تم ترديده على مسامعها عن كثب، دون أن يعلمونا جمالية كل كلمة فيها، والبعد العميق الذي يمس النفس، فابتعدوا عن الجوهر، وحوَّلوا الآيات إلى ذاكرة مؤقتة تُنسى بعد إفراغها على ورق الامتحان.

علمونا أن الحوار مع الكبار قلة أدب وشأنٌ لا يخصنا، وجدالهم على أمرٍ لم نقتنع به ضربٌ من الانحطاط الأخلاقي، ولم يعلموا أن الله حاور أنبياءه ورسله بأسلوب يقدس الذات الإلهية، ولا ينقص من كرامة النفس الإنسانية، فذاك إبراهيم -عليه السلام- يحاور ربه كي يقتنع بفكرة الحياة والموت، فلم يخسف الله به الأرض على سؤاله، بل أعطاه البرهان واليقين عندما قال: "ربِّ أرني كيف تحيي الموتى قال أَوَلم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي".

علَّمونا أن الدين محصورٌ ضمن فروضه الخمسة، ووضعوا جلّ تركيزهم عليها، ولم يعلمونا أن أداء الفروض دون الأخلاق والمعاملة الحسنة كالذي يعبئ إناء ماءٍ ثم يضخ فيه القاذرات فيذهب عمله هباءً منثوراً.

علمونا في صغرنا أن مرتكب الذنوب مأواه النار، وزرعوا في عقولنا عقب كل خطيئة بريئة جملة أن: "الله سيرميك في النار"، ولم يعلمونا أن الله محبةٌ ورحمة، ومغفرته جاوزت عقابه، فبدل إغراء الصغير بالثواب وغرس صورة الإله العادل، جعلوا ذكر الله ملازماً للخوف والنار.

كل الأفكار المغلوطة عن الدين والمغروسة منذ الصغر، والبعيدة عن المنطق والعقلانية والسلام، تدفع المسلم إلى التخبط في حياته اليومية، ووصوله إلى مرحلة يصبح فيها الارتباط بالدين كالممسك بالجمر لا يعرف سبيلاً للخلاص منه.

ما يجب تدريسه للناشئة حقاً أن الدين وُجد لراحة الإنسان واستقراره النفسي، وما كان عبئاً يثقل كاهل المرء في أيامه، وكل ما يعلق به من أفكارٍ مشوهةٍ وممارسات متطرفة، إنما هي نتيجة تياراتٍ أساءت للدين أكثر من إحسانها إليه بدءاً من العائلة والمدرسة، وانتهاءً بجماعاتٍ سوداء رفعوا اسم "الله" على أعلامهم، وغيّبوه في نفوسهم وتصرفاتهم.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل