المحتوى الرئيسى

بعد 6 سنوات على ثورة تونس: هل شُفي غليل من خرج هاتفًا «بن علي هرب»؟ - ساسة بوست

01/16 09:31

منذ 1 دقيقة، 16 يناير,2017

في الذكرى السادسة للثورة التونسية اكتظّت الأصوات وتعدّدت الآراء حول مدى استكمال تونس لاستحقاقات ثورتها في ظل ما يراه البعض من تباطؤ الجهات المسؤولة عن كشف القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة من جهة، وتفاقم الاحتجاجات الاجتماعية في مختلف جهات البلاد من جهة أخرى.

منذ عام 2011 إلى الآن، هل حققت الثورة مطالبها؟ وهل شفي غليل من خرج دامعًا ضائعا هاتفًا «بن علي هرب»؟ وهل ضمدت كمادات هيئة الحقيقة والكرامة الجرح الغائر لضحايا جلادي النظام البائد.

موجات احتجاجية واسعة تزامنت مع العيد السادس للثورة التونسية، وشملت مناطق عدة أهمها محافظة سيدي بوزيد مهد الثورة،  وغموض يشوب ملف شهداء وجرحى الثورة، وتراجع ملحوظ لنسب النمو وارتفاع في نسب الفقر والبطالة، كل هذه عوامل تجعل الكثيرين يتساءلون حول مصير الثورة.

لم تكن الثورة كمثيلاتها السابقات، بل خلقت ارتباكًا لدى الرأي العام الوطني والدولي. لم تنتظر قائدًا لينفذها أو برنامجًا لتتقيد به، بل كانت نتاج وجع لم يعد حامله قادرًا على الصمت.

تعددت الآراء حول ماحدث ويحدث في تونس، وهل هو بداية الربيع أم بداية الخريف العربي، وتعددت الرؤى والتحليلات.

قبل ست سنوات من اليوم كان هذا البلد محط أنظار العالم، فتوجهت نحوه مختلف وسائل الإعلام التي طال حديثها عن ذلك اليوم الذي كان نقطة فصل بين نهاية عهد وبداية آخر، وتفجير لاحتمالات نشوء دولة ديمقراطية في الشمال الإفريقي.

يومها، نسي التونسيون في ذلك أنهم مكبّلون بأساور من نار، لا هم قادرون على فتحها، ولاهم صامدون على ألمها، حيث اتجهوا جماعات وفرادى نحو وزارة الداخلية، تلك البناية الرمادية التي كانت في رأيهم منبت بؤس حياتهم.

غموض يلف ملف شهداء وجرحى الثورة التونسية

ما يربك الرأي العام التونسي الآن، هو هذا التباطؤ والغموض الذي يشهده ملف شهداء وجرحى الثورة، وترى العديد من الشخصيات السياسية والوطنية أن الثورة ستستمر ما دامت العدالة لم تستطع أن تغلق هذا الملف، باعتباره الملف الأكثر حساسية وأهمية في ملفات الثورة.

وما يلفت الانتباه أنه لم يتم إلى حد اليوم، وبعد انقضاء ست سنوات من عمر الثورة، إقرار إجراءت تعويضية لأهالي ضحايا الثورة وجرحاها، كما لم يتم الكشف عن وجوه القتلة الذين أودوا بحياة نحو 350 شهيدًا تونسيًا.

وبحسب رئيس لجنة شهداء الثورة ومصابيها «توفيق بودربالة»، فإن لجنته قامت باستكمال ضبط قائمة الجرحى والشهداء منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2015 ثم سلمتها للرؤساء الثلاثة مرفقة بتقرير مفصل، ولم يتم نشرها إلى الآن من دون وجود أسباب معلومة، مشيرًا إلى أن الوحيد المخول له نشر قائمة شهداء الثورة في الرائد الرسمي هو رئيس الحكومة.

ووفق اللجنة نفسها فإن العدد الإجمالي للملفات التي تم جمعها بلغ 7749 ملفًا، من بينهم 386 ملفًا يتعلق بالأشخاص الذين لقوا حتفهم، وتم تشكيل لجنة (شهداء وجرحى الثورة) بمقتضى المرسوم عدد 97 لسنة 2011، وهي تعود بالنظر إلى الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وهي هيئة استشارية تحت إشراف رئاسة الجمهورية مكلفة بضبط القائمة النهائية للجنة شهداء وجرحى الثورة.

جلسات استماع حية لضحايا النظام

ويحل ملف العدالة الانتقالية مباشرة في المرتبة التالية؛ إذ أدت جلسات الاستماع لضحايا «نظام بن علي» إلى بروز ردّات فعلٍ مختلفة، منها المتعاطف مع هذه الفئة المضطهدة، ومنها من استهزأ بشأنها، وانطلقت جلسات الاستماع العلنية لهيئة الحقيقة والكرامة لأول مرة بثت فيها على الهواء مباشرة منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) المنقضي، حيث تم تقديم عدة شهادات من قبل بعض عائلات شهداء وجرحى الثورة، ومن قبل عائلات ضحايا نظام المخلوع «زين العابدين بن علي»، الذين توفوا جراء التعذيب أو اختفوا قسريًا، وآخرين ممن تعرضوا للتضييق والتعذيب في فترة الاستقلال وما بعدها، خاصًة منهم اليوسفيين.

وحصلت هيئة الحقيقة والكرامة على نحو 65 ألف ملف تم تقديمهم من طرف مواطنين تونسيين وشخصيات سياسية ونقابية ووطنية وأحزاب وحركات سياسية ومنظمات تنتمي إلى كافة الإيديولوجيات والتوجهات السياسية والاجتماعية، نذكر منها: اليوسفيين والقوميين والإسلاميين واليساريين، إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية، كاليهود والأمازيغ.

و«هيئة الحقيقة والكرامة»، هي هيئة حكومية تونسية مستقلة، أدى أعضاؤها اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية التونسية السابق «محمد المنصف المرزوقي» يوم السادس من يونيو (حزيران) 2014 بقصر قرطاج، وتتمثل مهمتها الرئيسة في السهر على إتمام مسار العدالة الانتقالية، كما عليها أن تتولى كشف الحقيقة عن مختلف الانتهاكات، ومساءلة المسؤولين ومحاسبتهم عنها، وجبر ضرر الضحايا، ورد الاعتبار لهم؛ وذلك بهدف تحقيق المصالحة الوطنية، وذلك في الفترة الممتدة بين الأول من يوليو (حزيران) 1955 إلى يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) 2013، وتترأسها الحقوقية «سهام بن سدرين».

سهام بن سدرين التي اعتبرت أن جلسات الاستماع لضحايا النظام السابق تعد حدثًا تاريخيًّا، مشيرًة إلى أنها حركة قادرة على تحسين صورة تونس في عيون العالم، ويمكن تدريسها للأجيال المقبلة، في حين وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها «فرصة تاريخية لوضع حد للإفلات من العقاب عن الجرائم الماضية، وانتهاكات الحقوق الإنسانية».

وفي المقابل لم يعتبر «حمة الهمامي» الناطق باسم الجبهة الشعبية (التكتل اليساري الأكبر في تونس مابعد الثورة) نفسه ضحية للانتهاكات في العهد السابق قائلًا «أنا لست ضحية باعتباري قد اخترت طريق النضال السياسي وانتصرت في الأخير مع باقي التونسيين على نظام بن علي».

وبحسب القيادي بحزب التيار الديمقراطي «محمد عبو»، فقد أعطى تغيب الرؤساء الثلاثة عن الجلسة الافتتاحية لجلسات الاستماع العلنية صورة سيئة لتونس، ولتفاعل السلطة والدولة مع مسار العدالة الانتقالية، وفي السياق ذاته، قال «راشد الغنوشي» رئيس حركة النهضة التونسية «إن هذه الجلسات قادرة على جمع شتات الوطن، وأن تجعل من تونس سفينة تحمل كل أبنائها بعيدًا عن كل نزعات الإقصاء والانتقام».

احتجاجات واسعة في عدّة مناطق..فهل حققت الثورة أهدافها؟

ساهمت الثورة في إعطاء المساحة للمقهورين والمضطهدين من سجناء الرأي لاسترداد البعض من حقوقهم المعنوية والمادية، لكنها على الجانب الآخر، في نظر الكثيرين، عجزت بحسب البعض عن تغيير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسجناء الفقر والتهميش، وهو ما جعل الكثير ممن خرج يوم 14 يناير(كانون الثاني) 2011 يعود بعد ست سنوات إلى نفس المكان، ومن حيث انطلقت هتافاته لإسقاط النظام السابق، ليطلقه مجددًا ويقول «الجهات تشتعل والحكومة تحتفل»، وهو الشعار الأبرز في مسيرة 14 يناير (كانون الثاني) في العيد السادس للثورة.

هذا الشعار يحيلنا إلى أن الجهات التي عانت من التفقير والتهميش لعشرات السنين بقيت إلى اليوم على ما كانت عليه، وتجدر الإشارة إلى أن «محمد البوعزيزي» أصيل محافظة سيدي بوزيد التي تقع في مركز خارطة البلاد التونسية.

البوعزيزي هو الشاب التونسي الذي انتحر حرقًا بعد أن أغلقت كل الأبواب أمامه، ولم يجد له مهربًا من أنياب الفقر والتهميش، سوى ألسنة النار التي لم تخمد حتى أشعلت أول فتيل للثورة التونسية.

فلم تكن صدفة لتصبح محافظة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، والتي منها اشتعلت نيران الاحتجاجات، وصارت المحافظة ينظر إليها بعد ذلك على أنها قلب ثورة تونس، على الرغم من كونها منطقة فلاحية، وتشتهر المحافظة بإنتاج الخضر وزيت الزيتون.

وباعتبار استقرار ورضاء سكان المحافظة أحد أبرز مقاييس نجاح الثورة التونسية وقدرتها على تحقيق أهدافها من عدمه، فإن الأوضاع المضطربة في سيدي بوزيد تفتح الباب واسعًا أمام العديد من الأطراف المحلية والعالمية ليؤكدوا أن الثورة التونسية  لم تنجح إلى اليوم في تحقيق أهداف انطلقت لأجلها، وخصوصًا الأهداف الاجتماعية والاقتصادية.

وعلى غرار محافظة سيدي بوزيد يشهد عدد من المحافظات الداخلية موجات احتجاجات، وغضب، ويرفع المتظاهرون نفس شعارات الثورة، ومن بين هذه المناطق نذكر بن قردان من محافظة مدنين ومحافظة القصرين وقفصة.

الحرية في مقابل المطالب الاقتصادية

في مطلع سنة 2011، خرجت الحشود  من الناس لتطالب بالشغل والحرية والكرامة الوطنية، لكنها لم تضع في حسبانها أنه في سبيل تحقيق هذه الأهداف على تونس أن تدفع ثمنًا ربما يكون باهظًا، وكان أولها التنكيل بجنودها من قبل التنظيمات الإرهابية، وبعدها موجة الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد، على غرار اغتيال القيادي اليساري «شكري بلعيد»، والنائب في المجلس الوطني التأسيسي «محمد البراهمي» سنة 2013.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل