المحتوى الرئيسى

رحلة النزوح من إفريقيا إلى مصر.. كيف تُكلف أصحابها المال والعِرض والأعضاء البشرية؟

01/15 21:57

بعيدًا عن انشغال المصريين بأخبار المنتخب المصري في بطولة الأمم الإفريقية الدائرة رحاها الآن على ملاعب الجابون، يقف آلاف اللاجئين الأفارق أمام عتبات الفموضية السامية للأمم المتحدة بحثًا عن سُبل آمنة تعوضهم عما لاقوه من معاناة سواء في بلادهم أو خلال رحلة نزوحهم إلى القاهرة.

و بالرغم من سوء الوضع المعيشي، وغلاء الأسعار، والسخرية من لون بشرتهم أحيانًا، وصعوبة فرص العمل أن الحية بمصر إلا أنهم يرون أكل ذلك أهون بكثير مما لاقونه من تردي معيشي وخطر أمني أزهق الكثير من  أرواح ذويهم في بلادهم، وهو ما يبرر تزايد أعداد اللاجئين من ذوي الجنسيات الإفريقية المختلفة، أمام مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الكائن بمدينة السادس من أكتوبر، فالمسجلين رسميًا بالمكتب تتراوح أعدادهم إلى ما  يزيد عن 35000 لاجيء من شمال السودان وجنوبها، وحوالي 7500 صومالي، و 11000 إثيوبي، و 6000 إريتيري، وذلك حسب ما ذكره تقرير المفوضية لعام 2016.

الرحلة إلى مصر تتسم بالكثير من الصعوبات والمخاطر، بعضهم قد تودي المشقة بحياته، وهو ما حدث مع إبرام، ذلك الشاب الإثيوبي الذي هرب مع صديقه ــ الذي لم يفصح عن اسمه ــ من السجن بأديس أبابا قاصدًا مصر، إلا أن المرض الذي أصيب به في السجن لم يمهله لإكمال الرحلة مع صديقه فمات على أطراف مدينة «متما» على حدود السودان، ليكمل من بعدها الصديق الرحلة مع أكثر من عشرين شخصًا تنوعت جنسياتهم بين السوداني والصومالي والإثيوبي والإريتري، واثنين من الدلالين الذين يضطلعون بمهمة الحماية من قطاع الطريق.

«كالمستجير من الرمضاء بالنار».. هكذا وصف فؤاد التاج رحلة هجرته أو بالأحرى هروبه من إثيوبيا إلى مصر، حيث التعرض لجميع أنواع التعذيب المادي والمعنوي، من قبل الدلالين وهم مجموعة من الرجال مهمتهم تسهيل عملية هروب اللاجيء نظير مبلغ مادي متفق عليه يزيد غالبًا أثناء الرحلة والتنقل من بلد لآخر، ومن يعترض يكون جزاؤه مماثل لما تعرض له فؤاد من تعذيب وتهديد بالقتل.

يحكي فؤاد البالغ من العمر 23 عامًا: «الحكاية بدأت عندما سُجنت أنا وأخي لامتناعنا عن إبلاغ شرطة أديس أبابا عن مكان اختفاء أبينا الناشط بإحدى حركات المعارضة الأورومية المناهضة لبطش النظام التيقريني الذي يحكم البلاد بالحديد والنار، وفي أحد الأيام قررنا أنا وأخي الهرب من السجن عن طريق أحد الدلالين وهم فئة معروفة في أثيوبيا يحتاج إليهم الكثير من المواطنين هنا من كلا الفرقتين الأورومية والتقرينية لأنهم أيضًا يعانون بسبب تجنيدهم الإجباري بالجيش بمجرد البلوغ، ناهيك عن الفقر الذي لا يفرق بين فئة حاكمة وأخرى معارضة».

صعوبة الرحلة إلى مصر يتفق عليها كل المهاجرين على اختلاف جنسياتهم، فـ «هابون . ع» صومالية الجنسية أكدت ما قاله فؤاد عن بطش الدلالين وتابعيهم أثناء السير، فتحكي هابون البالغة من العمر 44 عامًا قائلة: «كنا نعيش في مدينة هرجيسا وهي إحدى المدن الصومالية الواقعة على الحدود الفاصلة بين الصومال وإثيوبيا، وفي عام 1991 كانت تحيا هرجيسا أسوء أيامها على الإطلاق حيث شن الحاكم العسكري حينها محمد سياد بري الحرب بالطائرات على المدينة بعد أن نما إلى علمه أن سكانها يريدون أن يعيدوا حلمهم القديم بالاستقلال عن الصومال وعاصمتها مقديشو، وإنشاء دولة صوماليلاند، كنت حينها أبلغ من العمر تسعة عشر عامًا، لكن ما أذكره أن جدي وهو الرجل المسن الذي لا يقوى على برد الشتاء بعد موت أبي في تلك الحرب المستعرة أخذني وأخي جبريل، في جنح الليل ، وسرنا في اتجاه أثيوبيا عن طريق بلدة اسمها وشالي وهي أقرب البلدان التي تفصل الصومال عن إثيوبيا، وفي طريقنا الذي كان سيرًا على الأقدام لمدة أربعة ليال، وجدنا عربة تأتي من خلفنا محملة ببعض الصوماليين سائرة في اتجاه إثيوبيا، مما اضطر جدي لإيقاف العربة، لكن السائق أصر على أخذ مبلغ من المال قبل استقلالنا السيارة، وقد كان، كنا حوالي خمسة عشر شخصًا من رجال ونساء متكدسين فوق بعضنا لمدة تزيد على العشر ساعات، حتى وصلنا إحدى المدن بأثيوبيا الواقعة على حدود السودان».

الوضع يختلف كثيرًا بالوصول للسودان، ويزداد سوءًا بمجرد أن تطأ أقدام اللاجئين مدينة «القضاريف» حيث تبدأ المرحلة الأصعب في تلك الرحلة، وقتها يضطر المهاجرون إلى الذهاب سيرًا على الأقدام إلى الخرطوم، ومن بعدها تبدأ مرحلة الخطر حيث المكوث بها لأكثر من عشرين يومًا، وهو ما أوضحته هابون، حيث قالت: «عشرون يومًا أشبه بالدهر عانيت فيهم ما لم أعانِه بقية عمري، حيث طلب الدلالين منا زيادة في المبلغ كى يوافقوا على نقلنا إلى مدينة تدعى ׂ«مراوي» شمال السودان، فلم يكن مع جدي ما يكفي، فشرعوا في ضرب أخي جبريل، وأنا أيضًأ تعرضت للتعذيب والتهديد باغتصابي، وهو ما رفضه جدي باكيًأ، يبدوا أنهم أشفقوا علينا، لكن بمجرد وصولنا إلى مدينة أبو سمبل رأيت أيشع حدث في حياتي، حيث جاء بعض الرجال المصريين المساعدين للدلالين، وطلبوا مزيدًا من المال كى يتم نقلنا إلى القاهرة، وقتها كان أغلبنا قد نفد ما معه من مال، فرأيت بعيني العديد من الفتيات تُغتصب لا لشيء إلا لإجبار ذويهم على الانصياع لرغباتهم في دفع المال، كان جدي يعاني من بعض الأمراض فوقع مني على الأرض أثناء محاولته الدفاع عني، بعدها أخذه رجلين في إحدى السيارات ولم يعودا إلا في الليلة التالية بدونه، وأخبرانا بوفاته، لكن أحد مرافقينا السودانيين أخبرنا أنهم قد سرقوا كليته وهو ما تسبب في موته غالبًأ، خاصة وأنه رجل كبير السن، لأنه هو الآخر قد سرقت كليته في مشهد مماثل لذلك، ومن نفس الرجلين اللَذين أخذا جدي، لكنه كان بإرادته، وليس رغما عنه».

نرشح لك

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل