المحتوى الرئيسى

ذكريات الجنيه المصري: من 7 غرامات من الذهب إلى 7 غرامات من التراب

01/15 11:43

تقف فتاة عشرينية حائرة أمام أحد متاجر الأجهزة الكهربائية، وفي حقيبتها 5 آلاف جنيه، لا تعرف ماذا تفعل بها، بعدما ارتفع سعر الثلاجة التي كانت تريد شراءها من 5000 إلى 8000 جنيه، خلال شهر واحد.

كان والدها يقف إلى جوارها متذكراً منزل عائلته الواسع، ذا الحديقة، الذي اشتراه والده بالمبلغ نفسه، في عشرينات القرن الماضي، في واحدة من أرقى مناطق القاهرة.

موقف عابر أثار داخل الوالد السيد عمر (70 عاماً)، حنيناً وشجوناً تجاه الوقت الذي كانت فيه قيمة الجنيه المصري والعملات المصرية القديمة، توازي قيمة العملات الأجنبية.

لكنه الآن يتحسر، فلم تشهد قيمة الجنيه المصري انخفاضاً منذ أول صدور له عام 1834، كالذي شهدته عام 2016، إذ بات الدولار الواحد يساوي 18 جنيهاً مصرياً، كما تضاعفت أسعار كل السلع الأساسية في الأسواق المصرية، وأصبحت العملات القديمة، التي يقتني عدد كبير منها، مجرد ذكريات، لزمن يعرف أنه مضى ولن يعود قريباً.

فحين أصدر محمد علي باشا أول جنيه مصري عام 1834، كان يساوي 7 غرامات ونصف الغرام من الذهب، وحين صدر أول سند ورقي له، كان يتيح لحامله استبداله من البنك الأهلي المصري، بجنيه واحد من الذهب.

لكن خلال 182 عاماً شهد الاقتصاد المصري العديد من الأحداث عصفت بقيمته، إلى أن وصل لوضعه الحالي الذي أصبح فيه غرام الذهب الواحد يعادل نحو 500 جنيه.

"الأمر كله بدأ عام 1914، مع بداية الحرب العالمية الأولى"، يقول الدكتور محمد عفيفي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، واصفاً تلك الحرب بالصفعة الأولى، التي تلقاها الجنيه المصري، وأثرت على قيمته بشكل مباشر.

ليس فقط لأن مصر كانت مسرحاً للعمليات في تلك الحرب، بل لأن مصر ودولاً أخرى مثل الهند، كانت حينها بمثابة خزينة لبريطانيا، تنفق منها على توفير السلاح. فكانت تسحب سبائك الذهب من البنوك المصرية، لتتمكن من شراء الأسلحة اللازمة للحرب، حتى وصلت ديونها لـ280 مليار جنيه، وربطت الجنيه المصري بالجنيه الاسترليني.

وتحت ضغط الحرب ورغبة بريطانيا في شراء الأسلحة، لجأت إلى طبع عملات نقدية دون غطاء، فأدى ذلك إلى ارتفاع مستوى التضخم وبداية انهيار الجنيه الاسترليني، وكل العملات المرتبطة به.

وفي الناحية الأخرى من الكوكب، استطاعت أمريكا البعيدة عن الحروب وويلاتها ودمارها، أن تجذب المستثمرين والعلماء والأثرياء الفارين من الحرب، عدا أنها كانت بمثابة ملاذ آمن للدول، لتهريب ذهبها، خوفاً من خسارته في الحرب، حتى حوت خزائنها 75% من الذهب في العالم.

شارك غردقبل 182 عاماً، كان أول جنيه مصري يساوي 7.5 غرامات من الذهب، أما اليوم فيعادل غرام الذهب نحو 500 جنيه

شارك غردكان الجنيه المصري قبل العام 1952 يساوي 4 دولارات... حال مصر من حال عملتها

وعام 1944، دعت أمريكا لمؤتمر "بريتون وودز"، الذي استطاعت فيه أن تنهي سيطرة الجنيه الاسترليني، وتبدأ عصر سيطرة الدولار الأمريكي، بحسب ما تروي الدكتورة لطيفة محمد سالم في كتابها "مصر في الحرب العالمية الأولى" عام 2009.

وفي مصر، وحتى قيام ثورة 1952، كان الجنيه المصري يساوي 4 دولارات، أي أن قيمة الدولار الواحد كانت تساوي 25 قرشاً.

وحتى عام 1961، كانت الجهة المنوط بها إصدار الجنيهات هي البنك الأهلي المصري من خارج مصر. لكن في ذلك العام، أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قراراً بإنشاء البنك المركزي المصري، وصك وطبع الجنيه المصري داخل مصر. وعام 1962، أصدر قراراً آخر بفك ارتباط الجنيه المصري بالجنيه الاسترليني، وربطه بالدولار الأمريكي. من هنا، بدأت المعادلة تتغير لمصلحة الدولار الأمريكي.

يتذكر السيد عمر، الذي تقاعد بعد 40 عاماً من العمل في القطاع الحكومي، تلك الفترة. يقول: "كلنا فرحنا بثورة يوليو. في نهاية الستينات تخرجت وعملت بالحكومة، وكان مرتبي 12 جنيهاً، 2 للإيجار و10 مصروفات بقية الشهر، وبعد عملي بعام واحد استطعت الزواج".

وتقول الحاجة ناني (62 عاماً): "كانت الحياة رخيصة وبسيطة والنقود لها قيمة، الخمسة قروش (الجنيه 100 قرش)، كانت تكفي لعشاء عائلة بأكملها لمدة يومين، لكن الزمن الآن تغير، العشرة جنيهات التي كنا نعيش بها لمدة شهر كامل، باتت لا تكفي ثمن وجبة إفطار لعائلتي، كنا نشتري الملابس والأحذية قبل بداية موسم الدراسة كل عام، ولم يكن ذلك يكلف والدي أكثر من ثلاثة جنيهات".

ويضيف عفيفي: "تعتبر نكسة يونيو عام 1967 أبرز الأحداث التي أدت لتدهور قيمة العملة المصرية والاقتصاد المصري إجمالاً، فالجنيه في نهاية حكم عبد الناصر كان يساوي دولارين ونصف الدولار، بعدما كان يساوي أربعة. ورغم الطفرة الاقتصادية التي حققها عبد الناصر، من خلال الاعتماد بشكل أساسي على الصناعات الوطنية، ما حقق معدل تنمية بلغ 8%، بلغت ديون مصر الخارجية بين 1.3 مليار و1.7 مليار دولار، توزعت بين تسليح الجيش، ومعونة غذائية أميركية بدأت منذ عام 1967، لمدة 10 سنوات بفائدة 4%".

"مع بداية عهد السادات بدأت الأمور بالتغير، فعرف الموظفون طريق الاستدانة والاستلاف إلى آخر الشهر"، يتذكر الموظف الحكومي، الذي شارك حينها في انتفاضة الخبز عام 1977، التي قامت ضد القرارات الاقتصادية للرئيس الراحل محمد أنور السادات، والتي كانت تختص برفع الدعم عن السلع الغذائية الأساسية، ثم تراجعت عنها الحكومة بعد تظاهرات الشعب.

يقول عمر: "كان القرار جنونياً، لم يكن من الممكن الموافقة عليه أو تمريره، رفضنا أن ندفع فاتورة انفتاح الرئيس السادات غير المحسوبة على النظام الرأسمالي، حتى أتى مبارك ودفعنا كل شيء عنوة".

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل