المحتوى الرئيسى

عصام الدين الزهيري يكتب:عن الصفقة المتوقعة بين الإرهاب وأجهزة الأمن | الفيومية

01/14 14:37

الرئيسيه » رأي » عصام الدين الزهيري يكتب:عن الصفقة المتوقعة بين الإرهاب وأجهزة الأمن

في ظاهر الأمر انقسمت جماعة الإخوان المسلمين إلى قسمين: قسم يرفع شعار التصعيد العسكري والعمليات المسلحة، ويتبنى تنظيم الجماعة عبر اللجان النوعية التي تمارس العنف ضد الشرطة والجيش مثل “العقاب الثوري” و”الذئاب المنفردة” و”كتائب حلوان” و”كتائب الفيوم”، وغيرها من لجان الإرهاب التي اندمجت مؤخرا تحت مسمى واحد لعملياتها هو “حسم”.

والقسم الآخر يرفع شعارات السلمية والتهدئة والمراجعات والنقد الذاتي ويسعى لإجراء صفقة مع الدولة عمادها التوقف عن مناوئة النظام السياسي والبعد عن ممارسة السياسة لعدة سنوات مقابل أن توقف الأجهزة الأمنية ملاحقة كوادرها، وعودة أعضاء الجماعة إلى حياتهم الطبيعية وممارسة نشاطهم اليومي في الدعوة لها عبر المساجد، ومواقع الخدمات كما اعتادوا.

وفي ظاهر الأمر أيضا أن هناك صراعا قويا بين الرؤيتين داخل الجماعة، صراع أفرز اتهامات متبادلة وحرب فتاوى بين القسمين المتنازعين لم تفلح محاولات الكثيرين من داخل الجماعة وخارجها في تهدئته أو الوصول به إلى حلول وسط.

هذا الانقسام الطافي على السطح في صفوف جماعة اشتهرت بحديدية التنظيم وتماسك القوام والترابط والولاء والسمع والطاعة الأعميين لابد أن يحسب باعتباره إنجازا أمنيا ونتاجا لكفاءة أجهزة الأمن ونجاحها في التصدي لتحركات الجماعة واستراتيجياتها في إغراق الأجهزة في الفشل والأزمات وصولا إلى إنهاكها وتفكيكها وتوجيه الضربات المميتة لها.

كل ما سبق – وكما نؤكد – لا يتجاوز أن يكون “ظاهر الأمر” لأن هناك حقائق وخلفيات أخرى يعرفها الجميع ولا ينكرها احد تدور من وراء هذا الظاهر الذي يعرفه الجميع ولا ينكره أيضا أحد.

أول هذه الحقائق الفاعلة والتي تشكل إطارا يدور فيه المشهد، طبيعة جماعة الإخوان المعروفة بالانتهازية الشديدة والقدرة على التلون والمقامرة بكل شيء، وفي مقدمتها مبادئها وعقائدها التي تتجر بها وتوظفها دائما وأبدا لوجه الشيء وعكسه طالما كان فيه مصلحة الجماعة.

هذا يعني أن عضو الجماعة الذي يرفع شعار السلمية لا يفعل ذلك عن قناعة برفض العنف ولا عن كراهية للإرهاب، وليس انطلاقا من مبدأ يعف عن إراقة دماء المصريين، وإنما يرفع شعاراته منطلقا من مبدأ واحد ووحيد هو مصلحة الجماعة وأعضائها.

فإذا أملت هذه المصلحة على السلميين من أعضاء الجماعة الذين يبدون أنفسهم للناس في هيئة حمائم السلام الوديعة أن يريقوا الدماء فسيكونوا أول من يسابق إلى الولغ فيها دون رادع من دين أو مبدأ أو عقيدة.

كذلك الفئة الأخرى من صقور الدم والإرهاب الذين يرفعون شعارات العنف الثوري والقصاص الشرعي والعقاب والثأر، لا يفعلون ذلك عن قناعة عقيدية أو مبدأ ديني أو سياسي وإنما فقط بدافع اليأس من تحقيق مصلحتهم من غير هذا الطريق، وأيضا بدعم من جهات التمويل التي يعتمد استمرار تدفق ما تمنحه من دعم مالي على استمرار عمليات العنف التي يقومون بها.

فإذا رأى هذا الصقر الإخواني المتحمس للجهاد والاستشهاد في سبيل الله أن صفقة مع الأجهزة الأمنية سوف تكون مفيدة له ولجماعته فلن يتردد في إلقاء كل قناعاته الثورية والجهادية التي يصبغها بقداسة آيات القرآن ونصوص الفقه والأحاديث إلى سلة المهملات!.

إزاء هذا الطابع الانتهازي الجذري الذي يصبغ مواقف وممارسات وعقائد جماعة الإخوان لا يعد من قبيل التشدد القول بضرورة الإصرار على تفكيكها والمضي للنهاية في رفض عودة التعايش مع وجودها بشكل طبيعي، فهي جماعة غير طبيعية بحكم العقيدة والتكوين والتنظيم، جماعة لا يمكنها أن تكون جزءا من المجتمع، لكنها تعمل طيلة الوقت على تدمير نسيجه الوطني، وهي جماعة ليس بوسعها أن تخضع لدستور الدولة وتتعامل مع المصريين انطلاقا من أرضية مدنية دستورية موحدة، باعتبار الكل مواطنين لهم امتيازات المواطنة بما تعنيه من تساوي الحقوق والواجبات.

ولن تتخلى الجماعة أبدا عن رؤاها العنصرية ضد الآخرين باعتبار نفسها الإسلام، ولن يرى أعضاؤها أنفسهم في غير هيئة نواب الله وحاملي أختام الشريعة، ولن ينظروا لأفكارهم أبدا باعتبارها اجتهادات بشرية محدودة بحدود الزمان والمكان، ولن يروا برامجهم برامج دنيوية نسبية خاضعة لمتطلبات الواقع، وإنما سيعتبرون أنفسهم دائما ممثلي الإسلام، ليس الإسلام فقط ولكن “الإسلام الشامل” كما صرح نائب المرشد الهارب “محمود عزت” مؤخرا.  لذلك يظل كل شيء بما فيه العنف والدم والقتل أو إظهار السلمية والموادعة أدوات مباحة للجماعة في نظر أعضاء الجماعة، مباحة بشكل متساو بلا فارق بين يد تصافح أو يد تطعن بالخنجر وتلوث بالدم، أدوات ليست مباحة فقط وإنما أدوات ربانية طالما استخدمتها الجماعة الربانية!.

وليست هذه كل الحقائق التي تشكل خلفية المشهد وحقيقته التي تجرى عليه الظواهر. فهناك حقيقة أخرى مهمة هي ولوغ أجهزة الأمن بدورها في ممارسة السياسة وليس في حراسة القانون، هذه الأجهزة التي تنظر لنفسها ليس بوصفها أجهزة تعمل في حماية الدولة وتثبيت ركائز دستورها ومبادئها، وإنما هي تعمل في حماية النظام السياسي وتلبية متطلباته المتغيرة، وعلى رأسها القضاء على معارضيه أيا كانت هويتهم، لذلك لا تحجم هذه الأجهزة عن التدخل في شئون السياسة أبدا، ولا تكف عن الهيمنة على الكبيرة والصغيرة من شئون المجتمع المدني أبدا، رغبة في تصفية السياسة والسياسيين وملاحقة معارضي النظام مهما بلغ إخلاصهم لمبادئ المواطنة وأسس العمل السياسي، ومهما بلغ احترامهم لدستور الدولة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل