المحتوى الرئيسى

مكتوب على الجبين | المصري اليوم

01/14 01:20

«مكتوب على الجبين».. الكتاب الثالث فى سلسلة السيرة الذاتية للكاتب المبدع والإنسان الجميل (جلال أمين). لا عجب أن حياة فكرية واجتماعية عريضة عاشها مفكرنا الكبير تستحق أكثر من الكتب الثلاثة. فى الكتاب الأول (ماذا علمتنى الحياة؟) وضع الخطوط العريضة لتجربة حياته المكتظة بالتجارب والشخصيات. ثم راح فى كتابه الثانى (رحيق العمر) يعتصر ثمرات التوت المفعمة بالرحيق، متخيرا المواقف المهمة لنرتشفها فى كلمات.

واليوم، موعدنا مع الكتاب الثالث الملىء بالحزن والشجون.

الكتاب يلخصه عنوانه (مكتوب على الجبين). حينما شرع يتأمل حياته والشخصيات التى عرفها، فإنه لاحظ ملحوظة عجيبة جدا: وكأنما الإنسان يحمل قدره على جبينه، مكتوبا بخط خفى، لا يستطيع قراءته أبدا. هذه المفارقة العجيبة بين البدايات والنهايات تملأ الكتاب. ولقد احتار الكاتب فى تصنيفها، فتارة يقترب من النَّفَس اليسارى حين يعتقد أنها كانت حتمية الحدوث. بمعنى أن ما نُولد به من ميول نفسية لا حيلة لنا فيه، حددها موروثنا من الجينات، أدى إلى المصير النهائى الذى يحدث فى اتجاه واحد. وتارة أخرى يقترب من النَّفَس الصوفى الشعبى المرصع بالأمثلة الشعبية (اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين).

وسواء هذا أو ذاك، فإن هذا الكتاب يُعتبر ثروة من الحكمة والذكريات الحميمة. وبقدر ما أصابنى الكتاب بشجن هادئ شفيف، فإنه- فى الوقت نفسه- جعلنى أدرك أن هذه الدنيا التى تتحرق قلوبنا إليها هى- فى الحقيقة- قبض الريح ومحض تراب. وبقدر ما تبدو الفروق بين الناس كبيرة فى البدايات، فإنهم يتقاربون كثيرا فى النهايات. ذلك أنه تتدخل عوامل أخرى مثل الزهد والألفة- التى تولد الازدراء كما يقول الإنجليز- وتعوّد النعمة والهموم التى تصيب البشر جميعا دون أن تفرق بين غنى وفقير، لتجد الجميع فى النهاية شبه متساوين.

فى ذلك الكتاب سوف ترصد البدايات المشرقة والنهايات الفاجعة: خذ عندك مثلا أخوه عبدالحميد. شعلة الذكاء، الحاصل على دكتوراه من لندن وأخرى من ألمانيا. والذى انتدبته الدولة- من فرط نبوغه العقلى- ليشارك مع أستاذ روسى شهير فى معهد البحوث بالدقى، إذا به ينقطع فجأة عن الذهاب لمركز البحوث، حين وجد أن أجهزته العلمية قد نُقلت دون علمه، ثم يخالطه الشك فى تعقب أجهزة المخابرات له، بعدها يتم نقله من مركز البحوث لتحقيق مصالح شخصية لضابط كبير مقرب من حكومة الثورة، فإذا به ينهار تماما، ويدخل فى دوامة الاكتئاب. المؤسف أن يحدث هذا الانهيار النفسى قبل أن يبلغ الأربعين لينقطع عن العمل إلى الأبد، وتخسر بلاده ذلك العقل المتوهج، دون أن يفهم أحد بالضبط أسرار هذا الانهيار!

وفريال ابنة الملك فاروق الجميلة، التى من أجلها كان ينشد تلاميذ المدارس: (فريال يا فريال.. يا معقد الآمال). فريال التى أطلقوا اسمها على سينما (سان استيفانو) ابتهاجا بمولدها، ما كان أغرب أن يقرأ- فى الصحف- بعد أكثر من خمسين عاما خبر وفاتها بعد إصابتها بالسرطان.

وهذه الصورة التى رسمها لنا حين كانت عائلته تتجمع بفروعها وثمارها فى أحد النوادى، ويدققون فى قوائم الطعام، بينما النادل يرمقهم فى تسامح، واليوم، يتعجب من هذا التدقيق فى الفروق الطفيفة بين مكونات وجبة ووجبة، وكأنما لها تلك الأهمية.

ألم أقل لكم إنها قبض الريح؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل