المحتوى الرئيسى

وفاء هلال تكتب: لورنس.. يد بريطانيا في الشرق‏ | ساسة بوست

01/13 12:39

منذ 1 دقيقة، 13 يناير,2017

بعد عامين من نشوب الحرب العالمية الأولى ظهرت حركة تحررية ‏جديدة في الجزيرة العربية، تنظر للعثمانيين بصفة المحتل الواجب ‏طرده لنيل العرب حريتهم يتزعمها الشريف حسين شريف مكة وأبناؤه الأمراء الأربعة وأبرزهم الأميران عبد الله وفيصل‎ .‎

توماس إدوارد لورنس، ضابط مخابرات إنجليزي، وعالم آثار ‏ورسام خرائط، المثقف «بشدة» والكاسر «كثيرًا» للقواعد والمحترم ‏«قليلًا» لرؤسائه كان يشكل خيارًا جيدًا لتحويل مسار الثورة الوليدة ‏‏-التي تعاني صعوبة في الاستمرار- والتي يقوم بها بدو ‏عشوائيون متصارعون، وتحويلهم لجيش منظم متحد يستطيع مجابهة ‏الجيش التركي في الجزيرة العربية‎.‎‏

حسب الوعد البريطاني الذي تضمنته مراسلات «حسين – مكماهون» السرية والتي شملت عرضًا من الحكومة بلندن مفاده مساعدة ‏العرب وإمدادهم بالدعم اللوجستي والعسكري وضمان حكم عربي ‏ذاتي لأنفسهم في مقابل مساعدتها في حربها ضد الأتراك وتقليص ‏رقعة حكمهم، وموافقة العرب على العرض ذهب لورنس وقدم ‏نفسه للشريف وأبنائه بصفته التنفيذ الفعلي لهذا الوعد واندمج ‏الضابط ذو العينين الزرقاوين في حرب الصحراء بين البدو؛ ‏وحَدَهُم وقادهم بل زاد على ذلك أن ارتدى عباءة وعقالًا عربيين ‏فتحا له أبواب العرب الموصدة‎ .‎

صورة لورنس مع الأمير فيصل

‎ ‎الحرب التي خاضها لورنس مع العرب لم تكن هينة أبدًا، وكانت ‏تمثل بشدة صدق بريطانيا تجاه العرب بأنها فقط تحتاج مساعدتهم ‏ثم تتركهم بعد الحرب في حكم ذاتي، ولم يعلم أحد بأن ما ستعطيه ‏لندن باليمين ستأخذه أضعافـًا باليسار‎.‎

في كتابه أعمدة الحكمة السبعة تحدث لورنس بتفصيل شديد عن ‏حرب العرب التي قادهم فيها ضد الدولة العثمانية وآلاف الأميال ‏التي قطعوها من أجل السيطرة على النقاط العسكرية الحساسة ‏الخاصة بهم، مرورًا بتفجيرات خط «سكة حديد الحجاز» الذي كان ‏الوسيلة العثمانية الأقوى في نقل الإمدادات والمعدات والجنود، ‏وانتهاء بالسيطرة على العقبة ومن بعدها مباشرة دمشق‎ .‎

تلك الحرب -رغم صعوبتها- خاضها العرب؛ أملًا في الاستقلال ‏النهائي عن حكم الأتراك الذين كان الشريف حسين على اختلاف ‏معهم، وخاصة بعد نفي الخليفة عبد الحميد الثاني، سيطرة حزب ‏الاتحاد والترقي على دفة الأمور، وظهور النزعة العنصرية ضد ‏العرب في تركيا «كانت‎ ‎لأول مرة تظهر عبارة بيس عرب ومعاناها ‏عربي قذر».

على الطرف الآخر كانت بريطانيا ترغب وبشدة في القضاء نهائيًا ‏على الدولة العثمانية خصوصًا بعد الهزيمة الكبرى التي مني بها ‏الإنجليز في معركة جاليبولي الشهيرة، مخافة تأليب المسلمين في ‏الحاميات البريطانية على لندن والحلفاء واستعمال النزعة الدينية في ‏هذا الأمر، في الوقت نفسه الذي وضعت بريطانيا عينها على بقايا ‏أملاك الرجل المريض من شام وعراق وحجاز و«فلسطين» .‎

إذن تعهدت بريطانيا للعرب بحكم ذاتي، وبذات الوقت على حين ‏جهل من محاربي الصحراء وُقعت اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة بين ‏لندن وباريس التي بمقتضاها قسمت أملاك الدولة العثمانية «ما بعد ‏الحرب» في الجزيرة العربية وشمالها، وتم الاتفاق مع الأثرياء ‏اليهود على ضمان وطن قومي لهم في فلسطين بعد طرد الأتراك ‏منها مباشرة‎.

لورانس علم بشأن الاتفاقات المتضاربة التي أبرمتها حكومته «وعدها للشريف حسين ووعدها للجنة العربية ووعدها للحلفاء ‏ووعدها لليهود»، ومع ذلك لم يوضح الأمر للأمير فيصل بشأن ‏مآلات تلك الحرب التي غالبًا لن تعطي العرب ما يريدون‎ .‎

قال نصًا في كتابه قائلًا: «الشريف حسين لم يأخذ منا أي عهود ‏واضحة أو وعود ثابتة محددة المفاهيم والمعاني» .‎

ظل لورانس جنديًا إنجليزيًا تمامًا، حتى بعد نيله ثقة العرب تمامًا ‏وانضمام رجال العشائر له وأبرزهم عودة أبو تايه وغيره، وبالرغم ‏من ارتدائه العقال المذهب وركوبه الجمل؛ فقد كان أحد جنود ‏‏«اللنبي» القائد الإنجليزي الشهير الذي بعث  للندن إبان دك مدافعه ‏فلسطين: «اقتحمنا بئر السبع وستكون القدس هدية عيد الميلاد»‏، وكان لورنس شاهدًا على تلك الوقائع.‏

تزامن ذلك  تمامًا مع رفض الشريف حسين لأي سيطرة عربية ‏على أراضٍ لا تشمل فلسطين.‏

مباشرة وبعد سقوط القدس طوق الجيش الإنجليزي بمعاونة الجيش ‏العربي دمشق وفر الأتراك هاربين من آخر نقطة لهم، استعملت ‏إنجلترا العرب لطرد الأتراك ثم انتهت صلاحية «وعد الاستقلال».‏

اعترف لورنس بالخيانة قائلًا: «كان من الأفضل أن ننتصر ونخلف ‏وعدنا على أن ننهزم» .‎‎

أثناء الاحتفالات باحتلال البريطانيين للقدس يظهر في تسجيلات ‏الأرشيف البريطاني لورنس مرتديًا زيًا عسكريًا إنجليزيًا كاملًا ‏ويقف بين الجنود كبريطاني منتصر‎ .‎

بالنسبة للعرب اعتبر  فيصل فاتحًا، لكن بعد الاجتماع الذي جمع ‏الحلفاء بالعرب اكتشف فيصل «سايكس بيكو» وأنه قد تم خداعهم، ‏اعترض ومن ثم غادر.‏

تمت دعوة الأمير فيصل لباريس من أجل عرض طلبات العرب ‏بشأن الوعد القديم والحكم الذاتي، تم ذلك بمحاولات من لورنس ‏نفسه- بعد ما رفض تكريم الملك بقصر باكينجهام- إبان تجاهل ‏الإنجليز للأمير العربي في لندن؛ مؤتمر باريس كان رهانًا ضعيفًا ‏بالنسبة للعرب؛ فالفرنسيون أنفسهم يطمعون في دمشق ولا يرغبون ‏بفيصل بل إنهم عرقلوا وصوله أصلًا للعاصمة، لكنه وصل‎ .‎

في مؤتمر باريس حاول لورنس جعل مطالب العرب على جدول ‏المهام، لكن عُقد المؤتمر ووقعت اتفاقية فرساي وعرضت النقاط ‏الأربعة عشر للرئيس ويلسون وتمت الموافقة عليها، واستثني ‏العرب من تطبيق أي من القرارات‎ .‎

لكن وقعت في المؤتمر إحدى أهم الاتفاقيات التي ساهمت بشكل كبير ‏في الوضع الحالي لفلسطين وهي اتفاقية «فيصل- وايزمان»، كان ‏مهندسها لورانس نفسه، والتي خُدع فيها الأمير فيصل من قبل ‏وايزمان وبمساعدة لورانس من أجل توقيعها دون الأخذ في ‏الاعتبار باعتراضات فيصل ولا مساعدته بالترجمة الصحيحة‎.‎

وبحسب الموسوعة الفلسطينية؛ فإن نصوص هذه المعاهدة تلخص ‏مطالب الصهيونية بشأن الهجرة والأراضي، وتجعل المادة الثالثة ‏وعد بلفور أساسًا لدستور فلسطين ونظام حكومتها دون ذكر للعرب ‏فيها، وأما استفادة الدولة العربية منها فمقصورة على «المساعدة ‏الفنية».‎

اجتمع الحلفاء ورُسمت خرائط ما بعد الحرب العاملة الأولى، ‏ووزعت الغنائم على المنتصرين، أخذت فرنسا دمشق وفازت إنجلترا بالجهة الغربية مشتملة على بلاد ما بين النهرين وتحت حكم ‏الانتداب البريطاني بدأت فعليًا مراسم إنشاء «الوطن القومي لليهود»‎ ‎‎.‎‎

من المهم هنا ذكر أن العرب ولوا فيصل ملكـًا على دمشق، لكن ‏بعد مدة وجيزة دخلت القوات الفرنسية وخُلع فيصل وهددت فرنسا ‏إن قاومها العرب فستقصفهم بالطائرات؛ وقد كان.

ضمن محاولات لورنس تصحيح الأمور بعد مؤتمر القاهرة مباشرة ‏عرض أن ينال العرب شيئًا من الوعد السابق؛ فعين عبد الله ملكـًا ‏لإمارة شرق الأردن، وتولى فيصل العراق وظل حكم الأشراف ‏عليها حتى العام 1958 وإعدام ابنه وعائلته بالكامل في  الثورة‏‎ .‎

لورنس لم يكن طفرة فريدة بذاتها، بل كان عاملًا من عدة عوامل ‏استخدمتها بريطانيا من أجل مد سيطرتها ونفوذها ومضاعفة ‏مستعمراتها‎ .‎

Comments

عاجل