المحتوى الرئيسى

الإسلام كما أدين به
 - 45 - خير أمة - ب: كيف؟

01/12 21:51

عرفنا فى المقال السابق شروط وصول المسلمين إلى مرتبة خير أمة، تلك الشروط الثلاثة التى ذكرتها الآية القرآنية ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ))..1ــ الأمر بالمعروف 2ــ النهى عن المنكر 3ــ الإيمان بالله. وذكرنا أن هذه الشروط الثلاثة جاءت بترتيب إلهى فى القرآن.. واليوم نحاول استكمال الضوابط اللازمة لإنجاز هذه الشروط إنجازا عمليا وصحيحا.

«الأمر بالمعروفS يصدر من أب أو أم لولدهما، أو من أخ أكبر لأخيه، أو من أستاذ لتلاميذه، أو من مثقف مشهود له بالاعتدال، أو من الطبيب للمريض أو من عالم بشDء إلى من يجهله...إلخ. ولكن هل يمكن لـ«المريض» أن يأمر «الصحيح السليم» بـ«معروف طبى»؟! وهل يستطيع «كسيح مقعد» أن يعلم «سليم الجسد» أصول الجرى والركض والتنافس والسبق؟! وهل يستطيع المحتاج لشىء أن يعلم هذا الشىء لغيره؟! هذه صور مستحيلة من طرفيها.. فلا الناقص ولا الجاهل يجرؤ على تبوؤ مكانة التعليم والوعظ والإرشاد، ولا عامة الناس تستمع لهؤلاء، فخبرة الحياة علمتنا جميعا أن «فاقد الشىء لا يعطيه»، وهذه الحكمة البشرية تتوافق مع القول القرآنى الكريم: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)). فهذا القرآن يحذر من له أدنى خبرة أو مسحة من عقل أن يأمر الناس بما لم يفعل، أو يوجههم إلى شىء لم يستطع هو إنجازه.. فكيف إذا حاول المحتاج القعيد أن يعلم الغنى القادر بل يعلم أصول الكسب والتقدم؟! وكيف إذا تجرأ المريض الملازم للفراش أن يعظ السليم القادر على الحركة بل يعلم أصول الحركة والسباق؟! فلابد لمن أراد أن يأمر بالمعروف أن يبدأ بنفسه أولا كما قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول». لابد أن يأمر العاقل نفسه أولا، فإذا التزم وظهرت عليه النتائج الصحيحة استطاع إقناع غيره. أما الخطب والدعاية والثرثرة من الجاهل والقاصر فلا مكان لها فى دنيا الأمر بالمعروف ولا سند لها من الشرع الإسلامى. فنحن أمام آية محكمة تقول: ((أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ..)) تحذر من مخالفة الفطرة والشرع والعقل ((..أَفَلَا تَعْقِلُونَ)). وتولى رسولنا العظيم تفعيل هذه الآية بقوله الشريف: ««ابدأ بنفسك».

وقد تلقف الحكماء ــ وحكماء كل عصر هم كبار عقلائه ومثقفيه ــ هذا التحذير الإلهى والبيان النبوى فصنعوا عليه الشروح والهوامش، فمنهم من زاد الأمر إيضاحا لمن يحتاج إلى زيادة شرح، ومنهم من اختصر القول فى كلمات معدودات. ومن هؤلاء الذين شرحوا بإسهاب شاعر يقول:

يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ *** هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ 
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِى السِّقَامِ وَذِى الضَّنَى *** كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
وَنـَراكَ تُصْلِحُ بالرَّشادِ عُقـولَنا *** أبَدا وَأنتَ مِنَ الرَّشـادِ عَديمُ

بْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ 
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ 
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ

أرأيت هذا الشرح الواضح لهذا المبدأ الفطرى العقلى الدينى: مبدأ استقامة النفس قبل أن تأمر غيرها، والانتفاع بالدواء قبل وصفه، ووصولك إلى درجة السلامة يساعد ويقنع فى تقليدك والاستماع لك والتأثر بك والإقبال على مصاحبتك.

كما أن من الشعراء من اختصر القول واستعمل الرمز واعتمد على أبسط الأمثلة وهى حروف الهجاء الـ 28 فقال:

وهذه صورة بسيطة إذا تأملت حروف الكتابة 28 حرفا الألف وحده مستقيم معتدل، وسائر الحروف بين منحنى ومنقعر ومنكسر... إلخ.. فرأى الشاعر الحكيم أن حرف الألف قد تقدم على سائر الحروف بسبب استقامته.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل