المحتوى الرئيسى

رئيس ورزاء تونس لـ"دير شبيغل" الألمانية: الإرهاب ظاهرة عابرة للدول والجنسيات ولا تخصُّ بلادنا فقط.. وهذه رؤيتي للفترة المقبلة

01/11 02:01

ينحدر أنيس العامري المتهم في الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له برلين في كانون الأول/ديسمبر الماضي، والذي أودى بحياة 12 ضحية، إلى أصول تونسية. وقد تحدثت صحيفة دير شبيغل الألمانية مع رئيس وزراء تونس يوسف الشاهد، البالغ من العمر 41 سنة، حول ظاهرة الإرهاب في هذا البلد والمشاكل التي تعترض الديمقراطية الناشئة في تونس.

شبيغل: السيد رئيس الوزراء، كيف كانت ردة فعلك عندما علمت أن المتهم في هجوم برلين تونسي؟

الشاهد: لقد شعرت بالصدمة إزاء ما تعرض له الشعب الألماني، واتجه تفكيري أولاً نحو عائلات هؤلاء الضحايا. ولكن يجب التأكيد على أن مرتكب هذا الهجوم أنيس العامري لا يمثل تونس ولا الشعب التونسي، والألمان يعرفون ذلك جيداً.

كما لن تؤثر هذه العملية البربرية على العلاقات بين البلدين، فالإرهاب اليوم لم تعد له جنسية محددة، حيث أصبح يمثّل معضلة عالمية. كما أن هذه الهجمات يتم التخطيط لها من قبل مجموعات تتحرك على مستوى العالم وتعتمد على شبكة الإنترنت، لذلك يجب علينا أن نحارب هذه الظاهرة مع بعضنا البعض، ونكثف من نسق هذا التعاون أكثر من ذي قبل.

شبيغل: أحد الدبلوماسيين التونسيين قال إنه يجب على ألمانيا عدم تناسي أن تونس هي الدولة الوحيدة التي حققت نجاحاً في الثورات العربية، بمعنى أنها الدولة الوحيدة التي نجحت في الاستمرار على طريق بناء الديمقراطية بعد ست سنوات من الثورة.

الشاهد: على الرغم من أن بعض الإرهابيين يأتون من تونس إلا أن تونس ليست بلد إرهاب وتخريب، خاصة وأنها هي بدورها تمثل هدفاً لهؤلاء المتشددين. ففي سنة 2015 فقط، تعرضت بلادنا لثلاث هجمات إرهابية ضخمة، وبالتالي أعتقد أن المتشددين الإسلاميين يكرهوننا لأننا بصدد إثبات أن الديمقراطية العلمانية يمكنها النجاح في العالم العربي. وفي الحقيقة، بعد 23 سنة من الدكتاتورية، أصبح لدينا اليوم دستور جديد، وقوانين جديدة، وانتخابات حرة وشفافة، ومحكمة دستورية وحرية الصحافة والتعبير.

شبيغل: أنت تنحدر من عائلة تُعرف بأنها عصرية، حيث أن جدتك كانت ناشطة نسوية وإحدى أولى العضوات في البرلمان التونسي خلال سنوات الخمسينيات.

الشاهد: نعم والآن أيضاً حقوق النساء والمساواة بين المرأة والرجل مضمّنة في دستور هذا البلد الإسلامي الذي نعيش فيه. للأسف هذا الأمر لا يسير دائماً بالشكل الذي نريده في الحياة اليومية، أنا أعترف بذلك ولكننا نبذل جهداً مستمراً لتحسين الأمور. لقد عيّنت ثماني وزيرات ضمن فريقي الحكومي من بينهن وزيرة المالية التي تقلّدت أهم الوزارات في الحكومة وأنا فخور بهذه الخيارات.

شبيغل: تعاني تونس من مشكلة البطالة التي تزيد عن 15% ، خاصة بين فئة الشباب حيث تجاوزت 30% . ومن جهة أخرى، يعد هذا الشباب المحبط واليائس هدفاً مفضلاً للمجموعات الإرهابية التي تقوم بتجنيده.

الشاهد: ربما تكون هذه مشكلتنا الأكبر في تونس، فنحن في حاجة ماسة وعاجلة لتأمين المكتسبات والنجاحات الديمقراطية التي حققناها، حيث يتم هذا التأمين من خلال تحقيق بقية الأهداف الاقتصادية. في المقابل، لم تنجح الحكومات السابقة في القيام بما يكفي للتعامل مع هذا المشكل، والعديد من الناس هنا يشعرون بخيبة الأمل بسبب ما قدمته الثورة لهم كأفراد.

نحن نحتاج لتسريع نسق النمو الاقتصادي، فقد كان هذا النسق يناهز 1.5 بالمائة من سنة 2010 إلى سنة 2015، ولكن هذا ليس كافياً لخلق فرص عمل جديدة. وفي نفس الوقت تتمتع تونس بمؤهلات كبيرة، ونحن نحتاج الآن لإطلاق إصلاحات اقتصادية هامة، حيث أننا نقوم بإعادة هيكلة قطاع البنوك وقطاع التعليم، وسوف نعمل على جعل التعاون الدولي أسهل، من خلال التخلي عن كل البيروقراطية والعراقيل الإدارية. كما أننا نعمل على محاربة الفساد الذي يمثل تحدياً صعبا في تونس. ولكن يجب أيضاً أن نتذكر حقيقة أن تونس هي دولة لها أكثر من 3000 سنة من الحضارة، ولذلك فإن السنوات الست التي مرت منذ الثورة لا تعتبر مدة طويلة، ولكن رغم ذلك فقد نجحنا خلالها في قطع أشواط كبيرة.

شبيغل: كيف تنوي خلق فرص عمل جديدة، خاصة بالنسبة لفئة الشباب؟.

الشاهد: تمتلك تونس موارد محدودة من النفط والغاز، ونمتلك في المقابل عدداً كبيراً من الشباب والمواطنين القادرين على الفعل والعطاء، ولكن يجب أن يكون المناخ مناسباً لذلك، والأولوية الأساسية الآن هي توفير الأمن. نحن بصدد استثمار مبالغ كبيرة لتطوير مؤسساتنا الأمنية لمواجهة بعض التحديات، مثل تأمين الشريط الحدودي الفاصل بيننا وبين ليبيا والذي يمتد لمسافة 460 كيلومتراً، ونحن في حاجة لحماية أنفسنا من التقلبات السياسية وانعدام الاستقرار في هذا البلد المجاور.

ولذلك، فإنه كان لزاماً علينا أن نضاعف ميزانية الدفاع مقارنة بما كانت عليه في سنة 2012. كما أن أجهزتنا الاستخباراتية تقوم بمراقبة لصيقة لكل المشتبه بهم في التورط مع المجموعات الإرهابية، وأؤكد أن الحياة هنا في تونس، آمنة بنفس القدر الذي هي عليه في البلدان الأوروبية. ولكن كما تعلمون ليس هناك شيء اسمه الأمن المطلق، وتذكروا جيداً ما حصل في برلين وفرنسا وإسطنبول.

شبيغل: ولكن الحلول الأمنية بمفردها لا تخلق مواطن الشغل.

الشاهد: لهذا السبب قمنا بسن قوانين جديدة لتسهيل الاستثمار. كما أن هناك تعاوناً بين القطاعين العام والخاص من أجل تشجيع المستثمرين وتسريع إجراءات الموافقة على المشاريع. وفي الوقت الراهن، لدينا في تونس حوالي 3000 شركة أجنبية، إذ أن حضور هذه الشركات يؤكد ثقة المستثمرين الأجانب في بلادنا.

شبيغل: قامت الحكومة الألمانية بدعم تونس بمبلغ 290 مليون يورو كمساعدات تنموية في سنة 2016، هل ترى أن هذا الدعم كاف؟

الشاهد: لا يجب على الحكومات الأوروبية أن تفكر فقط في الأرقام عندما يتعلق الأمر بمساعدة تونس. نحن ديمقراطية ناشئة ويمكن أن نصبح شريكاً استراتيجياً لأوروبا. من جهة أخرى، لا توجد دولة أخرى في المنطقة بإمكانها تقديم نموذج إيجابي لبقية الدول النامية، كما أن تونس تقوم بدور فعال في حماية الحدود الأوروبية من خلال مراقبة الحدود مع ليبيا.

وفي حال انتشرت الفوضى وامتدت إلى هنا، فإن ذلك سيشكل خطراً على أمن أوروبا، خاصة في ظل النشاط المكثف والخطير الذي يقوم به تنظيم الدولة، مع تعدد المجموعات الإرهابية الأخرى الناشطة في المنطقة، ووجود آلاف المقاتلين وأطنان من الأسلحة. وتجدر الإشارة إلى أن الإحصاءات تفيد بأن 95 بالمائة من اللاجئين الوافدين إلى إيطاليا ينطلقون من ليبيا. وفي المقابل، فإن نسبة ضئيلة منهم فقط تنطلق من تونس، ويجب على أوروبا أخذ ذلك بعين الاعتبار.

شبيغل: ما الذي تقصده بذلك؟

الشاهد: على سبيل المثال، لم تمتلك تونس في يوم ما جيشاً قوياً على الرغم من المخاطر التي تحيط بها بسبب موقعها الجغرافي. ولكن على الرغم من ذلك، فإننا مجبرون على دفع المال لشراء المعدات لجيشنا من السوق الدولية وبأسعار مرتفعة، نظراً لأنه لا توجد حكومات توفر لنا تخفيضات أو مساعدات.

وتبعاً لذلك، نحن مجبرون على تبرير هذه النفقات أمام صندوق النقد الدولي نظراً لأن لها تأثيراً على عجز الميزان التجاري الذي نعاني منه، وهو ما من شأنه أن يؤدي أيضاً لنقص الأموال المخصصة للتنمية في عدة قطاعات على غرار البنية التحتية.

شبيغل: أنت تسلمت منصبك في أغسطس/آب الماضي وحكومتك تسمي نفسها حكومة وحدة وطنية لأنها تحظى بدعم عديد الأحزاب والأطراف في المجتمع التونسي، هل يجعل ذلك من عملكم أكثر صعوبة؟.

الشاهد: لا أريد أن أقول إن عملنا سهل، ولكن كل هذه الأطراف أمضت على وثيقة قرطاج، ومن خلال ذلك ألزمت نفسها بالانخراط في الإصلاحات الاقتصادية بشكل خاص. إن أمامنا تكليفاً واضحاً نريد القيام به، وفي السنوات الأخيرة نجحنا نحن التونسيين في تطوير نوع من "الاتفاق الخاص"؛ المتمثل في عقد الحوارات بين النقابات العمالية والأحزاب ومختلف منظمات المجتمع المدني. ولولا هذا الحوار لما كنا قطعنا هذه الأشواط وتجاوزنا كل الأزمات التي مررنا بها في السنوات الأخيرة، واليوم هناك إجماع على أن الإصلاحات المطروحة هي مصيرية بالنسبة لمستقبلنا وللحرب على الإرهاب.

شبيغل: في منتصف شباط/فبراير كان هناك لقاء مبرمج بينك وبين المستشارة أنغيلا ميركل في برلين، وكان منتظراً أن يتناول هذا اللقاء مسألة المتهم أنيس العامري. في المقابل، هناك اليوم امتعاض في ألمانيا حول حقيقة أن هذا الإرهابي كان يمكن ترحيله إلى تونس لولا أن بلدكم لم يبد تعاوناً في هذا الصدد وامتنع عن إصدار الوثائق اللازمة.

الشاهد: لم نكن بطيئين في معالجة هذا الملف، بل التزمنا بالإجراءات العادية وقمنا بعملنا على أكمل وجه.

شبيغل: هل يمكن أن تكونوا بصدد التعرض لضغوط داخلية لإثنائكم عن قبول عودة هؤلاء العناصر؟ فقبل أيام قليلة انتظمت مظاهرة في العاصمة تونس لرفض عودة المتهمين بالإرهاب.

الشاهد: لا يجب الخلط بين الأمور، فهناك مهاجرون غير شرعيين خرجوا من تونس ويعيشون اليوم في ألمانيا رغم أن القانون لا يجيز لهم ذلك. وبالنسبة لنا، ينطبق على أنيس العامري هذا الوصف، نظراً لأنه يعتبر، في تونس، مجرماً ولكنه ليس إرهابياً. ومثله مثل كثيرين آخرين، فقد أصبح متطرفاً أثناء وجوده في أوروبا وبالتحديد في إيطاليا. أما فيما يخص قضايا الإرهابيين الذين يقاتلون في بؤر التوتر أو ينفذون هجمات إرهابية، فإن المسألة مختلفة. فالكثيرون في تونس يعترضون على عودة هؤلاء المتشددين.

بيد أن إجابتي حول هذه المسألة واضحة. فمنذ سنة 2015، أصدرنا قوانين لمكافحة الإرهاب بهدف سجن هؤلاء المتشددين العائدين إلى تونس. كما أن كل متشدد شارك في القتال في صفوف تنظيم الدولة في سوريا والعراق سوف يتم إلقاء القبض عليه فوراً عند عودته، فضلاً عن أن هناك العديد من الدول الأوروبية التي تخشى من عودة هؤلاء المقاتلين الذين خضعوا لتدريب متطور وأصبحوا يشكلون خطراً من خلال قدرتهم على تقويض أمن هذه الدول.

شبيغل: ولكن عليكم أولاً القبض على هؤلاء الإرهابيين ثم إثبات الجرائم التي ارتكبوها.

الشاهد: نمتلك كل المعلومات اللازمة حول هؤلاء التونسيين، نحن نعرف هوياتهم ونقوم بتحديث بياناتهم وبصماتهم بشكل مستمر، من خلال تعاوننا مع سلطات دول أخرى. للأسف، نحن لدينا خبرة كبيرة في محاربة الإرهاب والتطرف، هذه ليست ظاهرة جديدة أو اكتشفناها للتو.

شبيغل: تبدو هذه الثقة التي أبديتها في هذا الصدد، مفاجئة حيث أن خبراء الإرهاب لم يتفقوا إلى حد الآن حول عدد التونسيين الذين التحقوا بتنظيم الدولة، فالتقديرات تشير إلى أن عددهم يتراوح ما بين 2000 و7000 شخص.

الشاهد: العدد الدقيق هو 2929 شخصاً، إذ أن العديد منهم تعرضوا للقتل هناك.

الشاهد: تونس هي بلد صغير، نحن لدينا 11 مليون ساكن فقط، وعندما يختفي شخص ما لفترة زمنية فإن ذلك يتضح مباشرة، ويقوم بعد ذلك رجال الأمن بالبحث والتقصي في الدوائر المحيطة بهذا الشخص المختفي من أجل معرفة وجهته. لدينا طرق واضحة للقيام بذلك.

شبيغل: في ألمانيا هناك جدل دائر حول اعتبار تونس بلداً آمناً يمكن إعادة اللاجئين المنحدرين منه. هل تعتبر أن الأقليات والمعارضين آمنون في بلدكم؟

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل