المحتوى الرئيسى

مروان ياسين الدليمي يكتب: دور الدعاية والإعلام في تصنيع وخداع الرأي العام في العراق | ساسة بوست

01/10 14:00

منذ 1 دقيقة، 10 يناير,2017

ليس لدى الشعوب دافع فطري لخوض الحروب بقدر ما تتطلع بشكل دائم للعيش بشكل آمن ومريح، ولأجل أن تحقق الحكومات غايتها في دفعها إلى محرقة الاقتتال، يؤكد المفكر ناعوم تشومسكي بهذا الخصوص على أن «الحكومات ولغرض تحقيق أهدافها تجعلها تشعر بالخوف من شيء ما يهدد حياتها ووجودها»، بذلك يصبح المناخ مهيأً لدفعها إلى السقوط في هوة الإيمان بضرورة خوض الحرب، بعد أن تكون الرغبة بالانتقام قد استولت عليها بما يشبه الهستيريا.

هذا ما عملت عليه السلطة في العراق بعد العام 2003، فكانت شماعة الخطر الطائفي بمثابة الذريعة التي استندت عليها في محاولة منها لتجييش مشاعر الشيعة في العراق ومعهم الأقليات ضد العرب السنة على اعتبار أنهم قد فقدوا السلطة، فمن الطبيعي أن يلجأوا إلى العنف والإرهاب لزعزعة النظام الجديد وإضعافه بهدف عودتهم مرة أخرى إلى سدة الحكم.

لم تكن هذه الأجندة بعيدة عن مخططات الدوائر الاستخبارتية الأمريكية التي روجت لهذه الفكرة ما أن احتلت القوات الأمريكية العراق، إضافة إلى عديد من المنظمات الغربية التي نشطت في العراق ونظمت الكثير من المؤتمرات تحت عنوان برّاق (حماية وصيانة حقوق الأقليات) وضخت لأجل ذلك الكثير من الأموال ودعمت فيها شخصيات وزعامات مختلفة العناوين والهويات، وكذلك منظمات مجتمع مدني لأجل أن يكون دورها السياسي منخرطًا في إطار سياسة ممنهجة تتمحور في تعميق الهوة ما بين العرب السنة والعرب الشيعة من ناحية، ومابين العرب السنة وبقية المكونات من ناحية أخرى.

لم يكن وصول المالكي إلى سدة الحكم لمدة ثمانية أعوام (2006 – 2014) من قبيل الصدفة، بل جاء في إطار توظيف ما يمتلكه من مؤهلات شخصية يطغي عليها عنصر التخندق الطائفي في تنفيذ هذه الأجندة الدعائية، من هنا كان خيار صعوده إلى منصب رئاسة مجلس الوزراء منسجمًا مع حسابات أحزاب الإسلام السياسي (الشيعية) التي يتألف منها التحالف الوطني وفقا لما عرف عنه من تطرف مذهبي وانخراط عميق في تنفيذ المشروع الإيراني الهادف إلى التمدد الطائفي في المنطقة منذ أن كان يقاتل إلى جانب الجيش الإيراني ضد الجيش العراقي في الحرب العراقية الإيرانية (1980 – 1988 ) فكان المالكي أفضل من لديه الاستعداد على تهييج المشاعر الطائفية، ومن هنا كانت خطاباته مليئة باستحضار حكايات وشخوص من الماض البعيد الذي كان سببًا في الانقسام المذهبي الذي بات يعيشه المسلمون منذ 1400 عام، ولم يبخل طيلة فترة حكمه من تحفيز الرأي العام الشيعي لتأييد قسوته في التعامل مع العرب السنة.

سيكون من المنطقي جدًا أن هذه البروباغندا تحتاج إلى أن يجند لها أسماء وأقلام معروفة في الوسط الثقافي والصحفي، هذا إضافة إلى توظيف أكثر من خمسة آلاف شخص كانوا يمارسون دورهم في عمليات تزييف وتزوير الحقائق على صفحات التواصل الاجتماعي،حسب ما أعلن ذلك حيدر العبادي نفسه في نهاية العام 2014 في أول خطاب له بعد استلامه منصب رئاسة مجلس الوزراء خلفا للمالكي.

ولأن المهمة الدعائية لدى التحالف الوطني كانت على درجة كبيرة من الأهمية وتستدعي منه أن يمد أذرعه ممثلة في كتاب وصحفيين ومثقفين داخل مفاصل كثيرة من الحياة فإنه لم يبخل أبدًا في ضخ المال لتنفيذ هذا المشروع الدعائي الذي يشيطن العرب السنة أمام الشيعة أولًا وأمام الأقليات ثانيًا، وليجعلهم بالتالي مصدرًا لكل ما تشهده البلاد من عنف وإرهاب، وقد نجح في مهمته هذه بشكل كبير إلى الحد الذي لم يعد يحظى العرب السنة بموقف متعاطف معهم داخل البلاد رغم ما جرى ويجري عليهم من انتهاكات اعتادت أن ترتكبها أجهزة السلطة الأمنية والميليشيات الطائفية، بل على العكس من ذلك ساد شعور جمعي قوامه التشفي والرضا بما يقع عليهم من مصائب، وكأن الجميع يقول لهم «ذوقوا نتيجة أفعالكم»، وهذا ما تكشف عنه بشكل سافر التعليقات التي تزدحم بها مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك وتويتر).

النتيجة التي وصل إليها الرأي العام على هذه الصورة المرعبة تعني أن الدعاية الطائفية التي رعتها أحزاب الإسلام السياسي المتحكمة بالسلطة قد تمكنت من صناعة رأي عام وفق أجندتها الطائفية بعد أن نجحت في إحداث انقسام حاد بين مكونات المجتمع العراقي وتشتّيتهم إلى جماعات إثنية وطائفية، بذلك سقطت فكرة الاحتجاج من حسابات معظم القوى المجتمعية بكافة مسمياتها رغم ما يجري أمامهم من مناظر تنسف فكرة العدالة والديموقراطية المزعومة عندما يتم الاستهانة بحقوق الإنسان وكرامته حيث يتم اقتياد العرب السنة من بيوتهم إلى المعتقلات دون مذكرات اعتقال ودون أوامر قضائية، وتطال أبناءهم المعتقلين في السجون الحكومية حملات الإعدامات الجماعية التي تتولاها وزارة العدل العراقية، وتستباح مدنهم ويتم تدميرها بحجة محاربة قوى الإرهاب، ويختفي المئات من شبابهم ورجالهم بعد أن يتم اختطافهم في وضح النهار من قبل ميليشيات محسوبة على الحشد الشعبي، كما حصل في مدن الأنبار حيث تم اختطاف أكثر من 3000 شخص أثناء عملية تحريرها من سلطة داعش مطلع العام 2015، ومازالت الأصوات تتعالى مطالبة بمعرفة مصيرهم ولكن دون جدوى، وهناك أيضا أكثر من 1200 شخص تم توقيفهم عند نقطة سيطرة الرزازة (50 كم جنوب الفلوجة) من قبل عناصر تابعة لحزب الله العراقي وتم اقتيادهم فيما بعد إلى جهة مجهولة، وبعد مفاوضات صعبة امتدت لعدة أشهر قامت بها أوساط سياسية وعشائرية تم إطلاق سراح 80 مختطفًا من ضمنهم وذلك في شهر كانون الثاني (يناير) من العام 2016 ولم يعرف حتى الآن مصير البقية.

كان نجاح الإعلام الطائفي ودعايته في تمرير أجندته التحريضية يحتاج في مقدمة أولويات عمله إلى أن يمارس لعبة تزييف الوقائع والأحداث سواء تلك التي وقعت في الماضي البعيد أو التي يشهدها الحاضر، وقد لعب هذا التزييف دورًا كبيرًا في إزالة مخاوف الجمهور الطائفي الذي يتوجه بخطابه إليه وكذلك لدى الأقليات بالشكل الذي بدت فيه عمليات القتل الممنهج والتصفيات التي بات يتعرض لها العرب السنة طيلة الأعوام الثلاثة عشرة الماضية والتي تناولتها تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وكأنها أمر لا بد منه لتحقيق الحماية للوطن والدفاع عن النفس ضد مكون بعينه طالما قد تورط في أن يكون بيئة حاضنة لقوى الإرهاب.

من هنا يمكننا الاستدلال على الأسباب التي جعلت الشارع العراقي لم يشهد أية فعالية احتجاج من قبل بقية القوى المجتمعية إزاء ما يقع من ظلم ترتكبه أجهزة السلطة الأمنية ضد العرب السنة، حتى أن حدث سقوط مدينة الموصل في 10 من شهر حزيران (يونيو) 2014 تحت سلطة داعش وهروب الجيش منها لم ينتج عنه أية مظاهر احتجاجية تتناسب مع خطورة وتداعيات الحدث، ربما لأن المدينة يسكنها غالبية عربية سنية، وكأن هذا الموقف المريب بما يحمله السكوت المطبق من دلالات تعكس مدى خضوع الرأي العام إلى دعاية السلطة بالشكل الذي حيّده إزاء كارثة سقوط الموصل.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل