المحتوى الرئيسى

عقول للإيجار فى بورسعيد

01/09 22:00

لا يحتاج الأمر لمقدمات فلدينا فى مشاهد كثيرة متماثلة، العديد من الافتتاحيات التى تبدو مبشرة بداية، لكنها سرعان ما تأخذنا إلى مقامات النشاز وتنويعات من الإحباط، «أوبرا بورسعيد» هذا الصرح الثقافى الذى افتتحه الرئيس السيسى منذ أسابيع، بدا أنه كانت هناك خطة لمحافظة بورسعيد من أجل طرح المبنى للإيجار. ما تناولته المواقع الإخبارية وبعض من الشخصيات البورسعيدية المهمومة بالعمل الثقافى أن هناك مزاداً عُقد من أجل هذا الغرض لكن إتمام الإيجار لم ينفذ، بسبب قلة المبلغ المطروح على منشأة بهذه المساحة والتجهيزات، فضلاً عن موقعها المتميز، أتبع ذلك مساحة من الهمس أرجعت التراجع عن المزاد للرغبة فى إرساء العطاء على مستثمر سعودى، يبدو أن هناك أحد الوكلاء نسج بينه وبين المحافظة خط اتصال حول هذا الموضوع.

فى قصص وأحداث مصرية من هذا النوع، لن تسمع أبداً رواية واحدة، ولن يكون طريق الحقيقة مفروشاً بأى نوع من الصدق، فالمكتوب عاليه ربما سيخرج عليه عشرات من الردود بالتنقيح والتعديل، وربما بالنفى التام أو بالبحث عن تخريجات وتفصيلات تدفع بالأمر بعيداً عن جوهره، لذلك فللقصة ووقائعها هناك من يمكنه التحقق رقابياً وسياسياً فيما يخص مكوناتها، ويضع مجموعة من الوقائع والتواريخ والأشخاص بجوار بعضهم البعض، حينها سيقترب بقدر الإمكان من حواف الحقيقة الصادمة. لذلك ما هو الأهم فى الرواية، أن هناك مبنى تكلف إنشاؤه 200 مليون جنيه، وتسمى «أوبرا بورسعيد» لما يحويه من قاعة رئيسية للمسرح ودارين للسينما وقاعات للندوات وحديقة وجراج، مبنى متكامل ومجهز بأحدث التقنيات الخاصة بالنشاطات الثقافية المتنوعة، وفى إحدى زوايا الرواية فصول من رحلة طويلة للتعثر شابت إتمام العمل فيه حتى تم افتتاحه مؤخراً، بعد دور إيجابى لعبه محافظ بورسعيد الحالى فى إقالة المشروع من عثرته، لكنه سرعان ما دخل إلى نفق من التعثر الجديد، عبر الارتباك والخلط الشديد فى استراتيجية إدارته ووضع أهداف وأولويات الاستفادة المثلى منه.

المتصور المنطقى لمنشأة من هذا النوع، أن يتم إلحاقها على الفور بدار الأوبرا الموجودة بالقاهرة كفرع مهم فى منطقة أهم هى بورسعيد والقناة، وأن نكون اليوم نتابع فيها جدولاً مزدحماً وثرياً بكافة أنشطة الثقافة، التى تديرها الدولة عبر وزارتها للثقافة، لتشكل رئة صحية من الإبداع والفنون والوعى الحضارى بمفهومه الشامل، هذا ما أظنه، وانتظره أيضاً أبناء محافظة بورسعيد، المهمومون بتربية الوجدان والفطرة السليمة ويفتشون دأباً عن درع لحماية مجتمعاتنا من غول التطرف، وقفوا أيضاً فى صفوف القلق، واعتبروا مشروعاً ثقافياً كهذا يمثل أحد أسلحة الدولة الفعالة فى مجابهة الانحراف الفكرى والإرهاب. وربما يطول صف المنتظرين ليزاحمهم أيضاً من ينظر إلى الفقر الثقافى بالمحافظات «كنشاط وفعاليات»، وما عانته على مدار سنوات، مراهناً أن تكون «دار الأوبرا» فى هذا الموقع المحورى، المرتبط بمحافظات الإسماعيلية والسويس وشمال سيناء ودمياط والدقهلية والشرقية، قاطرة جديدة تعوض ترهل الخدمة الثقافية المقدمة من الدولة للمواطنين. للطموح والانتظار أيضاً جانب مهم بالنظر إلى منشأة بهذه الإمكانات، وفى مدينة كبورسعيد مؤهلة لاستضافة مهرجانات إقليمية وعالمية، تحقق لشباب المبدعين مساحة ثرية من التواصل المعرفى والإبداعى مع نظرائهم حول العالم، وتضمن للدولة تواصلاً ودعاية راقية، من خلال المقبلين للموقع الفريد لبورسعيد وبورفؤاد وقناة السويس، فالدولة المصرية الآن تحتاج بشدة أن تكون هذه الأسماء والأعلام مما يجوب العالم كل يوم، وليس بأفضل من عنوان لمهرجان سينمائى متخصص أو ملتقى مسرحى أو معارض لمختلف أشكال الفنون، ليكون سفيراً لنا عبر التغطيات الإعلامية المتوقعة لفعاليات لها هذا الطابع المشار إليه.

الأفكار كثيرة ومتنوعة، والمسارات المتعددة والمتوازية للاستفادة المثلى يمكن أن يشملها ورشة عمل عاجلة تعقد بالمجلس الأعلى للثقافة، فالمستهدف الوطنى الحقيقى أن تشهد 365 يوماً فى العام خلايا من النحل تسكن مكاناً كهذا، إن كنا جادين فى محاربة التطرف والإرهاب، ومعنيين بتربية وتنمية الوعى الوطنى والحضارى للمواطن المصرى وهو «الموضوع الأول» لهذا الجهد. هذا ليس خيالاً ولا بعيداً وغير قابل للسقوط فى إحباط من أى نوع، فإمكانيات الكوادر الثقافية لبورسعيد والقناة، فضلاً عن دار الأوبرا بالقاهرة وصندوق التنمية الثقافية وأكاديمية الفنون بأساتذتها والهيئة العامة للكتاب، هذه الجهات بإمكانياتها الحالية قادرة على بعث حياة ثقافية فى حال صدقت النوايا والإرادة، وإن تم دعمهم ببعض الأفكار الخلاقة الإضافية يمكن للمشهد أن يخرج بما يقارب طموحنا وانتظارنا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل