المحتوى الرئيسى

مهاجرون مغاربيون ـ تخشاهم أوروبا وتتجاهلهم بلدانهم

01/09 21:21

على سواحل ايطاليا وإسبانيا، ورغم سوء أحوال الطقس والتدابير الأمنية المشددة التي تتخذها الدول الأوروبية، ما تزال تصل أخبار عن مغامرات الهجرة غير القانونية من البلدان المغاربية والإفريقية الى أوروبا. وفي مواقع التواصل الإجتماعي وبعضها بلغات مزدوجة عربية وأوروبية مثل الألمانية، تنتشر قصص المهاجرين المغاربيين الذين تقطعت بهم السبل بسبب الثلوج وهم في طريق البلقان نحو ألمانيا.

والمثير في بعض صفحات فيسبوك أنها تحولت إلى منابر لسرد قصص مأساوية أو طلب مساعدات ومعلومات حول أنجع السبل أوحتى "الحيل" للحصول على وثائق إقامة لمهاجرين مهددين بالترحيل. وذلك على غرار صفحة بفيسبوك يطلق عليها "لاجئ مغربي في أوروبا" ويلفت نظر متصفحها، أنّ الصورة الرئيسية بها وضع فيها العلم المغربي وعليه شعار"لا أحبك يا وطني".

وفيما يتصاعد الجدل في أوروبا وألمانيا بالخصوص، حول الإجراءات الأفضل في مواجهة ما يعتبره الساسة وقطاعات واسعة من الرأي العام معضلة ترحيل مهاجرين مغاربيين تٌرفض طلبات لجوئهم، فقد بقي هذا الموضوع على هامش النقاش العام في البلدان المغاربية.

المتتبع لما تتداوله وسائل الإعلام الألمانية وتصريحات الساسة الألمان، يرصد مؤشرين يثيران قلقا متزايدا بألمانيا، أولهما تزايد أعداد المهاجرين المغاربيين غير الشرعيين في وقت تراجع فيه العدد الإجمالي للاجئين الوافدين إلى ألمانيا، وثانيهما ارتفاع معدلات الجريمة في أوساط الشباب المغاربي، حيث ذكرت تقارير سنوية نشرت في نهاية السنة المنقضية أن نسب المغاربيين تصل إلى حوالي 20 في المائة من مجموع الأجانب المدانين من قبل القضاء في جرائم مختلفة، رغم أن نسبة المهاجرين المغاربيين عموما لا تتجاوز 2 في المائة من مجموع المهاجرين في البلاد.

وتدفع الحكومة الألمانية باتجاه مزيد من الضغط على الحكومات المغاربية لإيجاد حلول عبر ترحيل آلاف المغاربيين الذين ترفض طلبات لجوئهم، وذلك عبر منح الدول المغاربية صفة "دول آمنة" ومنحها المزيد من مساعدات التنمية إن هي تعاونت في ملف الترحيل. لكن المعارضة ومنها حزب الخضر يعترض على تصنيف "دول آمنة" بسبب استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في الدول المغاربية، كما اقترح رئيس الحزب، جيم أوزدمير، بالمقابل تسهيل حصول المواطنين المغاربيين على تأشيرات السفر وفرص الهجرة الشرعية إلى ألمانيا، عبر فرص الدراسة والتجارة، بغرض حث هذه الدول على إستعادة مهاجريها غير القانونيين.

وفيما يتوقع أن يحتدم الجدل في ألمانيا حول هذه المسألة لعلاقتها بقضايا الأمن واللاجئين، في أفق الانتخابات العامة التي تشهدها البلاد هذا العام، فان النقاشات العامة في الدول المغاربية لا تضع هذا الموضوع ضمن أولوياتها. ويعتقد خبراء أن من أسباب الصمت أو التجاهل إزاء هذا الملف وجود مشاكل عديدة تثقل كاهل الدول المغاربية من ناحية، ومن ناحية اخرى قد لا ترى حكوماتها مصلحة في فتح ملف الهجرة غير الشرعية.  موضوع ترحيل آلاف المهاجرين من ألمانيا، يشبه شجرة تخفي غابة كثيفة من المشاكل التي يواجهها الشباب الذي تصل نسبته إلى 70 في المائة من مجموع سكان البلدان المغاربية الثلاث: المغرب والجزائر وتونس، والتي تناهز حاليا 90 مليون نسمة.

انسداد الآفاق أمام الشباب المغاربي

ففي الجزائر البلد الغني بالنفط والغاز، تنشغل الطبقة السياسية بحالة الغموض حول مستقبل البلاد في ظل حكم الرئيس المريض عبد العزيز بوتفليقة وتراجع عائدات الطاقة، ويواجه الشباب مزيدا من التحديات وارتفاع معدلات البطالة والفقر. وحسب أحدث تصنيف للبنك الدولي فان حوالي 50 في المائة من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 سنة ليس لديهم آفاق. ففي ظل تراجع عائدات النفط بحوالي 30 في المائة الذي يٌفقد خزينة الدولة ما يناهز 35 مليار يورو، يتعرض مئات آلاف الشبان لمزيد من المتاعب، حيث تعجز الحكومة عن الاستمرار في سياسة شراء السلم الاجتماعي عبر تمويل مشاريع صغيرة للشباب من خلال "الريع النفطي".

في إطار تداعيات اعتداء برلين، هددت الحكومة الألمانية بإلغاء مساعدتها التنموية للبلدان التي ترفض استعادة مواطنيها ممن ترفض طلبات لجوئهم. جاء ذلك على لسان نائب ميركل، .يغمار غابرييل، ولقيت الفكرة تأييد وزير داخليتها. (08.01.2017)

تعيش في ألمانيا مجموعة كبيرة من الشباب التونسيين بطريقة غير نظامية بعد أن تمكنوا من عبور البحر والوصول إلى هنا، لكن الهجوم الذي قام بها مواطنهم أنيس العامري في برلين ضاعف من معاناتهم ومخاوفهم. DW استمعت لقصص بعض منهم. (07.01.2017)

وفي المغرب، البلد الأكثر استقرارا في المنطقة المغاربية، والذي تجاوز احتجاجات الربيع العربي بإصلاحات دستورية واجتماعية "محسوبة"، ما تزال ثمار التنمية المدعومة من أوروبا ودول الخليج، لا تؤتي أكلها لفئات واسعة من الشباب المهمش في الأحياء الفقيرة والبلدات النائية، وتصل معدلات بطالة الشباب في المدن، وخصوصا بين خريجي الجامعات، إلى حوالي 39 في المائة.

أما في تونس، فبعد ست سنوات من الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، تبدو الديمقراطية الناشئة في هذا البلد المغاربي الصغير، وهي تختنق بثقل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، اذ يناهز معدل البطالة 15 في المائة، ويوجد معظم الشباب العاطل والفقير في مناطق مهمشة في غرب البلاد وجنوبها، وهي المناطق التي خرجت منها الانتفاضة ضد الدكتاتورية.

ويبدو الاهتمام الرئيسي لوسائل الإعلام المحلية منصبا حول قضية عودة "الجهاديين" التونسيين من جبهات القتال بسوريا والعراق. وحتى الحديث في وسائل الإعلام التونسية، عن قصة أنيس العامري التونسي المتهم بتنفيذ اعتداء برلين، غالبا ما يتم وضعه في سياق المخاوف من عودة الإرهابيين، الذين تشكل تونس مصدرا رئيسيا لهم ويصل عددهم إلى حوالي 5000 شخص.

رفع متظاهرون يوم الأحد الماضي في شوارع تونس العاصمة لافتة كتب عليها"تونس ليست مكب قمامة لألمانيا"!

لا بل إنّ الجدل في تونس حول هذا الموضوع امتد لمهاجمة سياسة المستشارة ميركل، حيث رفع متظاهرون يوم الأحد الماضي ( الثامن من كانون الثاني/ ديسمبر 2017) في شوارع تونس العاصمة لافتة كتب عليها "تونس ليست مكب قمامة لألمانيا"! وقد أثارت اللافتة استغرابا في صحف ومواقع التواصل الاجتماعي في ألمانيا، اذ تساءل معلقون "كيف يصف تونسيون مواطنيهم بالقمامة !".

وفي ظل انسداد الآفاق أمام الشباب في البلدان المغاربية، فان الخيارات أمامه محدودة، وغالبا ما تنحصر بين الاحتجاجات في الشوارع أو البحث عن طرق الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.

هجرة الشبان المغاربيين إلى أوروبا، والتي كانت بالأمس القريب تشكل ملاذا لهم من البطالة والتهميش، تحولت إلى كابوس، بفعل تسلل آلاف ممن كانوا يعيشون على هامش مجتمعاتهم المغاربية أو بلدان أوروبية تعيش أزمات اقتصادية مثل ايطاليا أو اسبانيا، وبعضهم كان من ذوي السوابق.

وفي ظل رفض بقائهم في ألمانيا، بحكم القانون الأوروبي، حيث لا تتجاوز نسبة قبول طلبات اللجوء للمغاربيين 1 إلى 2.5 في المائة، ومخاطر استقطابهم من قبل شبكات الجريمة المنظمة أو الجماعات المتطرفة، فان المتاعب ستتضاعف على كاهل البلد المضيّف ألمانيا، وستتزايد التداعيات السلبية على صورة البلدان المغاربية وخصوصا منها التي تعتمد على السياحة مثل المغرب وتونس، كما أن مساعدات التنمية التي تحصل عليها تلك البلدان مرشحة بأن تُكبح، تحت وطأة التجاذبات الانتخابية وضغط الرأي العام المحلي في ألمانيا.

عبرت جهات رسمية في المغرب عن استعدادها للتعاون مع ألمانيا واستقبال مواطنيها المرحلين، في حين انتقدت منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ذلك، .وزير الداخلية الألمانية توماس دي ميزير قال الاثنين (29 شباط/فبراير 2016) إن نظيره المغربي محمد حصاد تعهد بالنظر في طلبات إعادة اللاجئين المغاربة من ألمانيا في غضون 45 يوما.

طالبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال أثناء زيارته لبرلين في يناير/كانون الثاني 2016 بتعاون السلطات الجزائرية في عملية ترحيل الجزائريين الذي رفضت ألمانيا منحهم حق اللجوء. وقال سلال حينها إن بلاده مستعدة للتعاون بخصوص ذلك، لكن قبل إبعاد أي شخص إلى الجزائر "يجب بالطبع التأكد من أنه جزائري".

تونس هي الأخرى، أبدت استعدادها لاستقبال مواطنيها المرفوضة طلبات لجوئهم في ألمانيا، كما أعلن ذلك وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي خلال مؤتمر صحافي مع مضيفه الألماني فرانك ـ فالتر شتاينماير مطلع العام الجاري.

إدراج تركيا ضمن "الدول الأمنة" حسب قانون اللجوء الألماني أثار مخاوف الأكراد من رفض طلبات لجوئهم. وتتهم منظمة العفو الدولية تركيا بفرض "عقاب جماعي" على الأكراد بسبب الإجراءات الأمنية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في جنوب شرقي البلاد. بيد أن نائب المستشارة الألمانية زيغمار غابرييل أوضح أن بلاده ستستمر في منح اللجوء للأكراد متى استدعى الأمر ذلك.

إدراج دول غرب البلقان في قائمة "الدول الآمنة" يعني احتمال ترحيل الآف من طالبي اللجوء من هذه المنطقة إلى بلدانهم. أغلب هؤلاء اللاجئين هم من أقلية الروما ويدعون تعرضهم للاضطهاد ولانتهاك حقوقهم في البلدان التي يعيشون فيها.

ما ينطبق على الدول التي صنفتها ألمانيا باعتبارها "آمنة" ينطبق أيضا على اللاجئين القادمين من كوسوفو. فقد سبق لوزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير أن شدد على أن غير الملاحقين سياسيا في كوسوفو لن يحصلوا على إقامة دائمة في ألمانيا وسيعودون إلى بلدهم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل