المحتوى الرئيسى

الرهانات الخاسرة في معادلة الثورات

01/09 20:23

مع كل "25 يناير" يتذكر المصريون ثورتهم على نظام مبارك، وكيف تحولت إلى ذكرى يحن البعض إلى استكمال مسيرتها، فيما يراهن آخرون على طيّ هذه الصفحة من حياتهم؛ لأنها لم تفعل سوى المزيد من الدماء والقمع وتصعيب حياة الناس وتغوُّل الأنظمة وتكالب كل الخصوم عليها في الداخل والخارج، فلماذا وجع الرأس في الحديث عن ثورة لم تبقَ إلا في رؤوس بعض الحالمين من النخب والبعض الآخر من المستفيدين من ورائها؟

الثورات كما الأحلام مشاهد مؤقتة، وليست حالة دائمة، غالباً ما تنتهي بالإفاقة على واقع أكبر من أحلام التوَّاقين إلى العدالة والحرية، هذه الإفاقة مهمة لمن يقودون التغيير والثورات؛ لأنها تجعلهم يعيدون الحسابات ويقيمون الرهانات والأدوات التي راهنوا عليها في إنجاز التغيير وقطف ثمار الثورات، والتي هي بطبيعتها أكبر من الحسابات السريعة والتقديرات المتعجلة والنظرات الآنية والأنانية، والأدوات الضعيفة والخطابات الحماسية والشعارات الطموحة دون أدوات أو حواضن، والسقوف العالية والمفتوحة دون أفق محسوب بدقة.

لعل من المراجعات المهمة والدروس المستفادة والأسئلة المؤجلة وغير المحسومة بعد مرور خمس سنوات على أغلب ثورات الربيع العربي سؤال الرهانات، فعلى ماذا وعلى من يراهن المهتمون بقضية التغيير والثورات؟ وهل رهاناتهم سليمة أم وهمية وغير واقعية؟ وما البديل لكل رهانات كهذه؟ هل عليهم الاستمرار في حالة الإنكار الدائمة لكل الداعين إلى ضرورة المراجعة وتقدير الخطوات القادمة بناء على الواقع بكل تحدياته والأدوات بكل تواضعها وضعفها، والخطابات بكل مثاليتها وتطرفها وانفعاليتها؟

لكي تنجح الثورات عليها أن تحدد بوصلتها وتعرف جمهورها الحقيقي وحواضنها الداعمة وبرامجها المستقبلية، ومن جملة ما يجب أن تحدده بدقة عدوها الحقيقي لا الوهمي، وحلفاؤها الدائمون والمؤقتون، ومتى تناور؟ ومتى تقدم؟ ومتى تتراجع؟ ومتى تفاوض؟ ومتى تفرض شروطها؟ ومتى تتجرع السم بقبول الذي هو أدنى ريثما تكون أكثر قدرة على فرض شروطها وإملاء مطالبها وتطبيق مشروعها؟

من المهم في الثورات معرفة الرهانات الخاسرة التي تطيل أمد الصراع دون حسم، وتزيد من التضحيات والتكلفة؛ لأنه ليس مطلوباً أن تزيد من حجم التضحية طالما كنت قادراً على تقليلها بأكبر قدر ممكن.

خبرة السنوات الخمس الماضية تقول إن أغلب النخب والقيادات الثورية والإصلاحية كانت رهاناتهم في غير موضعها، أو خاسرة بالمعنى الدقيق والمباشر، ومن تلك الرهانات الخاسرة -في تقديري- والقابلة للتصويب في كل الأحوال ما يلي:

1- الرهان على القائد الفرد: في نظر البعض وربما الكثيرين أن ما ينقصنا هو القائد الفرد الذي يجمع شتات القوى، ويثير حماس الجماهير، وبكلمة منه يستطيع توجيه هذه الجماهير حيث يريد.

وخبرة السنوات الخمس تقول إن الواقع أكبر من القائد الفرد بكل كاريزمته وعبقريته وجماهيريته، فالواقع الذي تريد الثورات تغييره تسيطر عليه شبكات وأجهزة ولوبيات تستطيع أن تبتلع أي قائد، ما لم يكن لديه ظهير شعبي وأدوات صلبة وناعمة.

الأمر المهم في هذا الخصوص أن الثورات قامت على حكم الفرد، فلن يكون هذا الفرد هو المنقذ في كل الأحوال، آن لدعاة التغيير وقادة الثورات أن يتحرروا من وهم القائد المنتظر والزعيم العائد على صهوة جواده.

كل ما سبق لا يلغي أهمية أن يكون للتغيير والثورات قادة وزعامات وأيقونات، لكنهم في النهاية جزء من كتلة كبيرة لها مهمة محددة من بين مهمات أخرى لا تقل أهمية عن القيادة والتصدر.

2- الرهان على التنظيم الفرد: كما القائد الفرد لن يستطيع تنظيم أو فصيل أو حزب أو تيار مهما كانت جماهيريته وشعبيته أن يتحمل وحدة تكلفة التغيير وثمن الثورات، وخبرة السنوات الخمس تقول ذلك، فرغم صلابة وقوة وشعبية تنظيم الإخوان المسلمين التي أفرزتها الاستحقاقات الانتخابية، فإن واقع الدولة العميقة وأذرعها وأجهزتها كان أكبر منها، والبديل هو التعويل على تنظيم الجماهير السائبة في تنظيمات ونقابات ولوبيات وجمعيات كل منها يقوم بوظيفة في تكتيل الناس وعدم تركهم فرادى لأجهزة القمع.

تعدد التنظيمات وتنوعها في مجالات العمل السياسي والثوري والاجتماعي والتربوي والإعلامي من شأنه زيادة فرص النجاح في التغيير وتقليل التضحيات، وهذا يستدعي التوعية بضرورة التنظيمات لا حلها، ولا الدعوة لتفكيكها أو تفجيرها من الداخل، بفعل خصومها أو بفعل أصحابها.

3- الدعم الإقليمي والدولي: خبرة السنوات الخمس تقول بما لا يدع مجالاً للشك إن كل دعم إقليمي أو دولي في أحسن الظروف تحركه مصالحه وله شروطه واشتراطاته التي تجعل الفعل الثوري مرتهناً لأجندة هؤلاء الداعمين التي لا تتوافق في أغلبها مع أجندة الشعوب.

الرهان الأكبر يجب أن يكون على الشعوب صاحبة المصلحة العليا في التغيير والداخل وليس الخارج.

من مصلحة الداعمين أو الموظفين لحراك الشعوب استمرار أمد الصراع والمواجهات دون دفع أي فاتورة، وخصوصاً فاتورة الدم، وهي مصلحة تتناقض مع مصالح الشعوب، فعلى قادة التغيير ومتصدري الثورات ألا يراهنوا أو يرتهنوا في قراراتهم ومواقفهم لأي جهة خارجية، وهذا يتطلب منهم تفكيراً أكبر في بناء قوتهم الذاتية والحواضن الشعبية التي هي الضمان الأكبر لتحقيق مصالح وأحلام الشعوب، وتبقى دراسة الفترة السابقة مهمة في التعرف على مكامن الخطأ في توجه كهذا، كما يبقى الرهان على الخارج في نقطتين رئيسيتين:

التعويل على الجاليات المصرية بالخارج، وتفعيل دورها في إبقاء صوت الشعوب وقضاياهم في بؤرة الاهتمام العالمي على مستوى الشعوب ومنظمات المجتمع المدني، وذلك في الملفات الحقوقية والسياسية والإعلامية، وتحسين الصورة الذهنية وفضح الثورات المضادة.

4- القوة والأسئلة الصعبة: يظل استخدام القوة في التغيير السياسي من الأسئلة المؤجلة، التي لم تحسم الإجابة عليها بشكل يوجد إجماعاً بين القوى المنادية بالتغيير، وحتى داخل الكيان الواحد، هل الثورات بطبيعتها سلمية؟ أسئلة كثيرة تطرحها قضية استخدام القوة وسلبيات ذلك وإيجابياته، ومن جملة تلك الأسئلة:

سؤال المفهوم والمعنى: ماذا تعني القوة؟ مصادرها؟ أشكالها؟ أنواعها؟ سؤال الجدوى: ما جدواها؟ المكاسب والخسائر؟ سؤال التوقيت: متى نستخدمها؟ من يحدد التوقيت؟

سؤال السبب: لماذا نستخدمها لفرض برنامج التغيير؟ للدفاع عن النفس والعرض؟ هل فشلت الأدوات الأخرى؟ سؤال التجارب: حصاد التجارب التي استخدمت القوة؟ هل فعلت شيئاً؟ ما هي الدروس المستفادة؟ سؤال الجغرافيا: ما هي الحاضنة الجغرافية؟ الأرض التي تنطلق منها؟

سؤال الحاضنة الشعبية: هل توجد حاضنة شعبية؟ قبول اجتماعي؟ إسناد شعبي؟

سؤال الأثر والتأثير: ما هو أثر الاستخدام على المجتمع، حركات التغيير، الخصوم في الداخل والخارج؟ سؤال الكيف: كيف يتم الإعداد؟ وأين؟ هل هو إعداد أفراد أم مجموعات؟ لحساب مَن؟ إلى متى؟ سؤال الشرعية والمشروعية: الدينية؟ القانونية؟ الاجتماعية؟ السياسية؟

سؤال القرار: من يأخذ هذا القرار؟ ولماذا؟ هل هو قرار حزبي أم مجتمعي؟ سؤال المخاطر: خطورة ذلك على المجتمع؟ على مَن اتخذ القرار؟ السلام الاجتماعي؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل