المحتوى الرئيسى

المصري أفندي (٢) .. لماذا غاب الرضا؟

01/09 12:54

 تحدثنا في المقال السابق المصري أفندي .. مقال تمهيدي عن التحولات الجذرية في نسيج المجتمع المصري التي أدت إلى تغير الشخصية المصرية تغيراً كبيراً في سنوات ما بعد ثورة يناير وهي فترة قصيرة للغاية في عمر الشعوب لا تسمح بهذ التغير، الشخصية المصرية التي تغيرت من انتقال المصريين يوماً ما في التايخ من دولة وامبراطورية لولاية تابعة في عهد الرومان، وحدث هذا التغير خلال مئات السنين تدريجياً، ثم تحولت مرة أخرى خلال الفتح العربي الإسلامي بحكم تغير العادات والقوانين وطبيعة المجتمع مع هجرات القبائل العربية، وكان تحولها الأخير بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ عقب نهضة في القرن التاسع عشر قضت عليها حركة يوليو نهائياً فكانت السنوات الخمس الأخيرة هي النتيجة النهائية لما يزيد عن ٦٠ عاماً، نعم لم تكن ثورة يناير السبب بل ما حدث قبلها بـ٦٠ عاماً.

“ولأن الرضا أحد أهم مميزات الشخصية المصرية التي استطاعت التكيف عبر ألاف السنين وأطلقت أمثلة مثل “الكل بعيشه راضي حتى الراعي والقاضي، “اللي يرضى بالقضاء “يصبر على البلاء، “حمارتك العرجة تغنيك عن سؤال اللئيم”و “على قد لحافك مد رجلك”، تغيرت تماماً لسببين رئيسيين نستعرضهما سوياً

بعد ألاف السنين من انتاجية الفلاح المصري حين كانت مصر دولة زراعية ثم مع النهضة الصناعية كان المصري منتجاً أما في السنوات الأخيرة بعد انتشار البيروقراطية والفساد ومع انخفاض جودة التعليم تحول المصري لشخص مستهلك، ومع انتشار الفضائيات وتغول الإعلانات أصيب المجتمع بحالة من السعار الشرائي، وتحولنا سوق ومجتمع استهلاكي بحت، وصرنا نقيم الإنسان طبقاً لتلك السيارة التي يقودها والهاتف المحمول الذي يستعمله وال”البراندات” التي يرتديها.

بالطبع صار الكل يبحث عن المزيد والباحث عن المزيد لا يرضى، صار حتى التعليم استهلاكياً فصار تعليم الأولاد في مدارس دولية “برستيج” وصار نطق الكلمات الإنجليزية وسط الحوار “ايمدج”، صارت كل طبقة تطلع للطبقة التي تعلوها ،صار معيار الإنتقال هو “الفلوس”، لم نعد مثلاً مثل النصف الأول من القرن العشرين حين كان المصري قادراً على الانتقال من طبقة لأخرى بارتفاع مستوى تعليمه – طه حسين كمثال هو والعشرات من أبناء الفلاحين الذين تعلموا”- .

تحولنا لمجتمع لاهث باحث عن المادة فغاب الرضا.

كان الأمر قبل وسائل التواصل الاجتماعي محصوراً على دوائر ضيقة، نرى ونقابل جيراننا وأصدقائنا الذين ينتمون لنفس طبقتنا، وكان المثال الأبعد نجوم الفن الذين اكتفينا بتقليد قصات شعرهم وملابسهم – بلوفر عمرو دياب – لكن بعد انتشار وسائل التواصل حدث اختلاط بقي، ومع وجود جيل غير متعلم جيداً وأخر تنفس الفساد حتى صار جزء من شخصيته كان طبيعياً أن يحاول كل شخص أن يفعل مثل من لا ينتمي إليه.

كانت تلك أحد أهم عيوب شبكات التواصل أنها فتحت باباً لأحلام مظهرية بحتة ليس لها علاقة بالجوهر، صار المصري يظن أن Check In في مكان من ذوي النجوم الخمس أكثر قيمة من زيارة لجدته أو عمته، وارتداء براند ما والتصوير به أهم من شراء كتاب ما – إلا إذا كان موضة – زادت وسائل التواصل هي الأخرى من حدة البحث عن المادة واللهاث خلف نقل صورة زاهية جوفاء للأخرين

من لا يرضى سيسخط لأنه عاجز، سيتفرغ لإلقاء اللوم على الأخرين والمجتمع لأنه لم يستطيع أن يكون مثل “فلان”، وليس الرضا أن تقنع بحالك بل ترضى به ثم تحاول تحسينه، لأن الساخطون لا يفعلون شيئا.

في النهاية غاب الرضا عن المجتمع المصري، لم يعد أحدنا يمتلك تلك القناعة التي ميزت أجدادنا، وإذا غاب الرضا غابت البركة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل