المحتوى الرئيسى

في مواجهة ترمب

01/08 13:42

لا أزال عند رأيي في أن من حق العرب أن يتفاءلوا بالرئيس دونالد ترمب؛ وخاصة في ظل ما ثبت من آثار سريعة لما أعلنه من سياسته الواضحة تجاه إيران؛ وهي السياسة المطمئنة للعرب، ومن التزامه بمنطق النفعية فيما هو نفعي بعيدا عن رطانات المبادئ، التي أثبتت بعض سياسات باراك أوباما أنها مجرد وسيلة للخداع والاستنزاف المتصل، مع مسحة باهتة من ابتسامات أكثر اصفرارا.

لكن أداء ترمب وجماعته المحيطين به في الملفات ذات المسحة العقائدية تجاوز إقلاق الأميركيين المناهضين لشخصه، والشعوب الأخرى المستهدفة بقذائفه اللفظية، إلى كثير جدا من مواطني الكرة الأرضية الذين كانوا لا يتصورون نجاحه، ومن ثم فإنهم في الأوقات المبكرة لم يشغلوا أنفسهم بالتفكير في مشروعية أقواله ووعوده وتوعداته. 

وربما نبدأ بمثال بعيد في الجغرافيا لكنه يصور لنا حقيقة نظرة الجماهير إلى ترمب الآن، فلم يكن أحد ينظر بجدية إلى الاقتراح أو الدعوة التي أطلقها ترمب بإقامة سور يفصل بين الولايات المتحدة المكسيكية (المكسيك) والولايات المتحدة الأميركية.

لكن أحدا لا يستطيع الآن أن يتحقق من أن ترمب لن يلجأ إلى مثل هذا الإجراء في لحظة من لحظات الرغبة في إثبات الذات والقدرة، أو في لحظة هروب للأمام من مشكلة ما من المشكلات التي تفرضها الطبيعة أو يستدعيها التاريخ.

وعلى وجه الإجمال؛ فإن صورة "ترمب المنتخب" أصبحت تختلف عن صورة "ترمب المرشح" في ثلاثة أوجه:

- الوجه الأول: أنه أصبح أكثر إنهاكا وإرهاقا، وهذا ظاهر بوضوح في خطواته وردوده وتعليقاته وحتى في أخطائه الإملائية.

- الوجه الثاني: أنه لا يبارح موقفه تجاه السياسات الدولية، ولا يزال متمسكا برؤاه في السياسة الأميركية الخارجية، وهي الآراء التي تتسم -بسبب صياغة خبراء من طراز خاص- بالسمة الأنبوبية (الميكروسكوبية) الضيقة، دون أن تتسع بالرؤية السياسية على نحو ما كان متوقعا من رجل جرب النجاح وأصبح تواقا إلى تكراره.

- الوجه الثالث: أنه صار أكثر ميلا إلى فلسفة المشروع وأبعد عن فلسفة المجتمع، مع أن التحول المناقض لهذا الميل هو المطلوب.

وفي مقابل هذا؛ فإن كل سياسي محب لأميركا كان ولا يزال يتوقع تحولا جذريا في توجهات ترمب وأساليبه، دون أن يرى هذا السياسي -هنا أو هناك- أنه يعتدي بهذا التمني أو التوقع على حرية ترمب في العمل أو مرونته في الأداء الرئاسي.   

من حق ترمب أن يزيد ثقته في الوسائل التي ساعدته على النجاح، لكن من حق المجتمع الذي انتخبه أن يتوقع منه أن يستشرف ما هو قادم عليه بأكثر من ثقته فيما نجح فيه.

لكن المعضلة الفكرية باتت تتمثل بكل وضوح في أن مستشاري ترمب -أو بعضهم على أقل تقدير- لا يزالون يعلنون بإلحاح وبكل الوضوح والعلانية رأيا آخر أو آراء أخرى:

- فهم يعتقدون أنهم فازوا مع ترمب ومن حقهم أن يحكموا معه، وأن يصرحوا قبله وبعده للدلالة على أنهم شركاء في التفسير والتدليل، كما أنهم شركاء في التخطيط والخطاب.

- وهم يعتقدون -حقا أو زورا- أن هذا الأداء واجب عليهم بقدر ما هو حق لهم.

- وهم لا ينوون أن يتوقفوا -ليكون شأنهم شأن من في وضعهم- عند لحظة محددة معروفة لهم (لكنها غير محددة من الآن)، كأن تكون هذه اللحظة هي ذلك اليوم الذي يخرج فيه مشروع معين (معماريا كان أو قانونيا) إلى الواقع ويدخل الخدمة. 

وترمب نفسه لا يرى إشكالية ولا صعوبة ولا غضاضة في أن يمضي هذا الوضع الملتبس، مع أنه بالطبع وبالمنطق وضع غير قابل للاستمرار.

هذه هي أبرز ملامح الصورة من حيث الشكل الذي تراه بوضوح نسبة كبيرة من متابعي ظاهريات تجربة ترمب، وهي ملامح تدعو إلى القلق لكنها لم تصل إلى درجة استدعاء الخوف أو التخوف، فالبرلمان بغرفتيه قوي وجمهوري أيضا، أي أنه لن يسارع في الغالب إلى الاستقطاب مع الرئيس لما تثيره الحالة الاستقطابية من خوف.

أما من حيث المضامين فإن دوافع ترمب تكاد (مسبقا) تنخفض -بالظاهر في أدائه- من أداء رئيس دولة إلى أداء قائد مجموعة مغامرة تسارع إلى ما تراه مكسبا سهلا؛ وفي السياسة فإن المكسب السريع ليس عيبا، لكن المكسب السهل يمثل طرازا أقرب إلى الخسارة منه إلى المكسب.

وعلى سبيل المثال؛ فإن أي مراقب للأحداث في المنطقة العربية يستطيع أن يرى بوضوح أن المكسب السريع الذي حققه الكيان الإسرائيلي باغتيال المهندس التونسي محمد الزواري قد نبه حماس إلى وجود اختراقات لم تكن معروفة لها.

ومن ثم فقد خلق الفرصة لمساعدتها على مراجعة أنظمتها وبنيانها الداخلي، بما يضمن أن تكون أكثر قوة في مواجهة الكيان الصهيوني، وكثيرا ما ساعد هذا الكيانُ أصحابَ الحق الشرعي بمثل هذه التصرفات الإجرامية التي تتراوح في اندفاعاتها ما بين النزق والرهق.

وقل مثل هذا فيما أعلنه ترمب وما تسببت فيه تصريحاته من سياسات تمثل تقدما عربيا في الممارسات الإستراتيجية على نحو غير مسبوق، سواء في ذلك ما تحقق أو ما هو في سبيله الجاد إلى التحقق على أساس متين:

- فالاتفاق الخليجي البريطاني يمثل خطوة جبارة في كسر الاحتكار الأميركي، وهو خطوة لم تكن لتتحقق لولا هذا الإلحاح الترمبي على المن بالاحتكار بدلا من أن يمتن للاحتكار!!

- والتقارب الخليجي التركي أصبح أكثر اقتناعا وأشد إقناعا من كل اللحظات السابقة. 

- والتمييز السعودي للمواقف ودلالاتها خرج بخطوات واسعة إلى النور البازغ. 

- والتهور الروسي في حلب بلغ غايته وكأنه مصمم على خسارة جماهير وجموع المسلمين للأبد، حتى ولو بدا أنه نجح في عقد اتفاقات من تحت الطاولة مع الحكام. 

- والنموذج الفنزويلي للقابلية للعبث أثمر ما يحب ترمب أن يراه أو يستشهد به، حتى وإن أبدى اشمئزازه منه في المستقبل القريب.

- والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يكرر تجربة أسلاف له في الترشح للرئاسة في وطنه كوريا الجنوبية، مؤكدا بهذا أن المحلية لا تقل جاذبية عن العالمية، وأن فكرة الحكومة العالمية نفسها لا تعدو أن تكون وهما انتهى أمده تماما، خاصة أن ترمب يميل فيما يسعى إليه -حتى من دون إعلان- إلى إلغاء دور الأمم المتحدة وليس تقليصه فحسب. 

ويصبح الأمل متزايدا في أن تتوقف توجهات ترمب المعادية للمسلمين عند حدود التصريحات، قبل أن تدخل إلى مرحلة السياسات على أيدي بعض مستشاريه الذين يجاهرون بعدائهم المعروف للإسلام؛ لكن هذا لا ينفي ولا يقلل حجم وفعالية الأدوار المطلوبة من المسلمين والإسلاميين وأنصارهم:

- فالترفع عن الرد على المستشارين الترمبيين المعادين للإسلام ليس فضيلة مطلوبة ولا مستحبة وإنما هو تقصير في واجب، وهو تقصير يتعدى الإهمال ليصل إلى حد الإجرام. 

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل