المحتوى الرئيسى

أحمد الحناكى يكتب: «حوار» مع صديقى المسيحى | المصري اليوم

01/08 01:47

قال لى صديقى المسيحى: «ما الذى يحدث لكم أيها المسلمون؟ عنف فى كل بقعة ينشط فيها الإسلام ويكثر فيها المسلمون، أحداث إرهاب فى بلاد غير إسلامية ينفذها مسلمون، خطابات كراهية تتداول بين أئمتكم وعلماء دين مسلمين».

أجبته: مهلاً يا صاحبى، يجب أن نميز أولاً بين المسلم وبين من يزعم أنه هو فقط المسلم، إذ تعلمنا من النبى محمد، صلَّى الله عليه وسلَّم، أن التكفير والترهيب والحض على العنف والمعاملة القاسية وكل ما يُنسب لأعمال الجاهلية هو أمر لا يمت للإسلام بصلة، وفى جميع أحاديثه كان ينهى عن العنف، إذ إن الإسلام يقدم التسامح والحب وكرم الأخلاق على أى شىء آخر، كما أن قصص التاريخ أشارت إلى كثير من غير المسلمين أحبوا أخلاق محمد، صلَّى الله عليه وسلَّم، قبل أن يتعرفوا على الإسلام، فكان خير رسول لمهمته التبشيرية.

لا نستطيع يا صاحبى أن ننسب الإسلام لابن لادن أو الزرقاوى أو أبى بكر البغدادى أو كل هؤلاء الوحوش الذين يتمنطقون بأحزمتهم النارية ويفجرون أنفسهم وسط أبرياء، بعضهم أطفال فى عمر الزهور.

كان الخلفاء يرفضون أى ظلم يتعرض له المسلم، أى مسلم، حتى لو كان الطرف الآخر ذا وزن أو جاه دنيوى، وقد بدأ الرسول بنفسه عندما نزلت عليه الآية لقصته مع عبدالله بن أم مكتوم «عبس وتولى أن جاءه الأعمى»، أو صحابته الكرام عندما رفض أبوبكر إسقاط ركن الزكاة، وعندما حكم عمر بمعاقبة جبلة بن الأيهم على ضربه لآخر على الرغم من أنه من ملوك الغساسنة، أما قصص على بن أبى طالب فكانت لا تحصى عن حرصه الشديد على العدل والمساواة حتى لو خسر بذلك الخلافة كلها، وهو ما كان، إذ أصدر قرارات بعزل بعض الولاة لأنه يراهم يحرصون على مكاسب شخصية فاتحدوا ضده وبقية القصة معروفة.

قال صاحبى: «جميل ما ذكرته، لكن ألا ترى أن ظاهرة العنف المرتبطة بالإسلام تظل مقلقة لدين يدعو إلى السماحة بحسب قولك؟ ثم إن هذا الداء بدأ مبكراً لديكم، منذ مقتل الخليفة عثمان وابتداء الحرب بين الخليفة على ومناوئيه وهم أكثر من جناح، واستمرار الصراع بين الأمويين والعباسيين حتى يومنا هذا؟».

قلت له: أتفق معك فى أن العنف استشرى بسرعة غير متوقعة، لكن لا تنسَ شيئاً مهماً جداً، وهو أن كل الأيديولوجيات والأديان تجابه برفض من جهة، وتجابه بصراع على السلطة من جهة أخرى، ليصبح القتال داخلياً.

أتصور أن هناك تقصيراً من علماء المسلمين كونهم يقحمون الإسلام فى الصراعات السياسية خلافاً للديانات الأخرى التى حسمت أمرها منذ قرون، وعليه تداخلت مفاهيم الدين مع طموحات السياسى واستغلاله، وكما تلاحظ يدخل الصراع السنى- الشيعى ضمن هذا الإطار الذى جيّره السياسى، فيما أن الرسول عندما توفى لم يكن هناك إلا مسمى «مسلم» فقط ولا تقسيم آخر.

قال: «توقعت دفاعك، إلا أنك لم توضح ما هى الحلول بالنسبة لما يجرى حالياً، فهناك بحار من الدماء معظمها بريئة تُسفك باسم الإسلام». قلت له: لا أدّعى أننى أملك حلولاً سحرية، فهناك من هو أقدر ولم يستطع ذلك، بل إن دولاً تواجه هذه المحنة وتقف حائرة إزاءها. الأمر يتطلب من جميع الدول تضحيات هائلة وحزماً أكبر وقوانين صارمة وتحديثاً لمفاهيم الأطر التشريعية على المدى القصير، تصاحبها ثورات تعليمية وإعلامية وقانونية على المدى الطويل، ومن المنطقى أن يرتبط ذلك بإصلاحات دستورية وديمقراطية، وتكريسٍ أكبر لمؤسسات المجتمع المدنى تنال فيه المرأة حقوقها كالرجل، وينالون جميعاً حرية الرأى وفتح مجال النقد المباشر، والقضاء على الفساد واستقلالية القضاء وتقنين قوانين الإسلام.

قد أكون أطلب مرتقىً صعباً، إلا أن غير ذلك لن يحل أزمة يتخبط بها الإسلاميون، وستنتهى بالأخير حتماً ضدهم، ولكن بعد تدمير كل منجزات أوطانهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل