المحتوى الرئيسى

رضا أحمودي يكتب: حلب.. نصر أم هزيمة للعرب؟ | ساسة بوست

01/05 10:58

منذ 1 دقيقة، 5 يناير,2017

كلّما ذكرت حلب أتذكّر أبياتًا من قصيدة «سيف خشب» كتبها الشاعر محمود درويش في الثمانينيات يقول فيها:

بِحِسّ الشعراء وقدرتهم على توقّع تاريخ ميلاد ومكان أكثر من حدث كتب درويش عن حرب حلب قبل عشرين سنة من اغتصاب المدينة من أكثر من غريب قادم يناصر هذا أو ذاك.

كتب درويش ما كتب ولبنان تحت سيطرة القوات السوريّة بقيادة ضابط متوسّط الرتبة شديد الذكاء والانضباط يدعى الرائد سامي خطيب. كان حينها الرّئيس حافظ الأسد يناور ببلاد الأرز التي تحوّلت إلى وطن عربيّ صغير يحوي كلّ تناقضات الأمة.

التدخّل السوري في لبنان كان مصدر عداوات كثيرة لسوريا التي اصطدمت أكثر كثيرًا مع المقاومة الفلسطينية والعراق والسعودية ومصر وليبيا وحزب الله والكتائب والحزب الاشتراكي التقدّمي وكذا الدول العظمى كأمريكا وفرنسا وإيطاليا، دون تغافل عن العدوّ الرّئيسي الدائم «إسرائيل».

في الحرب العراقية الإيرانية وقفت سوريا مع إيران في حربها ضد العراق.

بعد اجتياح الكويت وقفت سوريا مع قوى التحالف العربي والغربي لإخراج العراق من الكويت.

في حرب الخليج الثانية التي أدّت إلى احتلال بغداد وسقوط النظام ناورت سوريا بالشكل الذي لا يغضب أمريكا ويخدم مصالح إيران.

بعد صمود المقاومة الوطنية اللبنانية في حرب يوليو (تموز) 2006 وما تلتها من حروب أخرى رفض النظام في سوريا كل محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني وكذا فكّ الارتباط بحزب الله. اتّبع النظام حينها «ديبلوماسيّة الأبواب القصيرة» التي أجبرت أكثر من وفد عربيّ وعالميّ على الانحناء قبل مصافحة الرّئيس بشّار.

لبنان يتحوّل إلى ساحة صراع سوري- سعودي وسنّي- شيعي. الإيرانيون وبمساعدة سوريا يبنون حزبًا قويًّا برجاله وسلاحه تحوّل إلى دولة داخل دولة وشوكة في حلق «إسرائيل». الأثرياء العرب السنة ينفقون بسخاء في شارع الحمراء ويبذّرون أموالهم الطائلة في مشاريع «ستار أكاديمي» وما شابهها. الأموال المنفقة على نانسي عجرم تكفي لبناء «حزب الله سنّيًّا» في شمال لبنان وخاصة بطرابلس الشرق.

فجأة وبلا سابق إنذار وبعد تخطيط ذكيّ من أمريكا وتركيا وقطر يخرج ما سمّي بالربيع العربي الذي عرف كيف يستثمر في أخطاء أنظمة لم تعرف كيفيّة التعامل مع إسلامييها وقوى المعارضة. «الربيع العربي» كان استكمالًا لمخطط صهيوني أمريكي خططوا له منذ أيام كيسنجر ويهدف إلى ضرب جبهة الصمود والتصدّي التي تكوّنت بعد توقيع السادات على اتّفاقيات كامب دافيد وكان هدفها عدم الاعتراف بإسرائيل ورفض التطبيع ودعم المقاومة.

احتلّوا العراق ودمّروه، حاولوا تدمير الجزائر بعشرينية سوداء وبدعم الفوضى في تونس، دمّروا ليبيا، دمّروا اليمن، أخرجوا المقاومة الفلسطينية من لبنان، لكن بقيت سوريا عصيّة عن التّدمير. سوريا التي دخلت في تحالف إستراتيجي مع إيران وروسيا والصين وحزب الله.

القدرة العملياتية للمقاومة الفلسطينية بقطاع غزة أذهلت العدوّ قبل الصديق. أحسّت «إسرائيل» بخطر يهدّد وجودها. ما عجزت عنه دول فعلته بإتقان كتائب القسام وكتائب الأقصى وكتائب أبو علي مصطفى والجهاد الإسلامي في تحالف يمينيّ يساريّ فلسطينيّ ضد عدوّ واحد دون انصهار تنظيمي واعتمادًا على التنسيق مع الحفاظ على الخصوصيات. هذه العبقريّة تخشى إسرائيل من أن تتحول إلى بلد عربيّ آخر. بلدان عربية تعاني من تخلّف سياسيّ يظهر في المركزية المتشدّدة والحكم مدى الحياة والتّوريث وخنق الحريات والمبادرات والأنفاس النقدية العلمية الوطنية الناضجة.

عودة إلى التّاريخ؛ بعد احتلال الاتحاد السوفياتي لأفغانستان ظهرت الحركات الجهادية المحليّة المدعومة بتنظيمات عربيّة زوّدتهما أمريكا بالسلاح والمعلومات بغية طرد الروس تمهيدًا لتفتيت المعكسر الاشتراكي. أفلح الجهاديون الأفغان والعرب في تنفيذ أهدافهم مع كسب خبرة قتالية كبيرة ومعرفة بالأسلحة المتطوّرة والعلوم العسكريّة الحديثة. روسيا هي سبب ظهور الجهاديين العرب لا أمريكا كما يروّج كثر. علاقة الجهاديين بأمريكا هي علاقة تعامل لا عمالة ومصالح مشتركة والدليل انقلابهم عليها وعلى الأنظمة الخليجية التي دعّمتهم بالمال عندما تقاطعت المصالح. مولود جديد يشهده العالم اسمه تنظيم القاعدة يقوده أسامة بن لادن. بن لادن الذي فكّر في الجهاد وهو شاب يستحمّ ببيروت وبعدما شاهد آثار العدوان الإسرائيلي على هذا البلد الصغير. وحرب تلد أخرى كما عنون الإعلامي العراقي سعد البزاز كتابه الهام عن حرب الخليج.

في أواخر حرب الخليج الأخيرة حاول الرئيس العراقي السابق صدام حسين التواصل مع تنظيم القاعدة للتحالف ضدّ أمريكا وأخواتها. كان ذلك بداية التنسيق بين المخابرات العراقية والقاعدة، لكن توقيت الحرب نسف تحوّل التواصل إلى تنسيق.

بعد احتلال العراق جمعت سجون المالكي ضباط صدّام وقيادات بن لادن. هناك تمّ ما خطّط له صدّام، وهناك خطّط لبعث تنظيم الدولة الإسلامية الذي يعرف بداعش. محنة الحزب والتنظيم وحدتهما لمواجهة عدوّهما المشترك. في شمال العراق ظهرت محنة السنة ضحايا العنصرية الطائفية التي نفذها المالكي خدمة لمصالح إيران. المنطقة تدفع غاليًا ثمن حلّ الجيش العراقي واجتثاث البعث.

في بداية المواجهات المسلّحة في سوريا كان الرئيس بشار يعيش تحت نفوذ عائلي كبير ضاغط عليه. نفوذ أجبره على استعمال القوة المفرطة دون تفكير رغم عدم اقتناعه بذلك. بعد وفاة والدته ونتيجة للخسائر التي مني بها الجيش السوري أصبح بشار يقود المعارك بمفرده متحرّرًا من ضغوطات العلويين. كان أول نتائج ذلك انتصار القصير بدعم من حزب الله. قبل القصير أخرج بشار قيادات القاعدة من السجون ليهربوا إلى العراق ويعودوا بعدها محتلين نصف سوريا وفاتحين جبهة على الجيش الحر والفصائل السلفية الجهادية المدعومة من دول الخليج وتركيا. بشار ينجح في فتح جبهة على أعدائه بقيادة أعدائه وعدوّ عدوّي صديق مرحلي. تمامًا كما فعل الأردن عندما أطلق سراح الزرقاوي لغاية في نفس أمريكا التي تريد إرباك المقاومة العراقية التي أعطت للجندي المحتل أجره قبل أن يجفّ عرقه.

باختصار داعش هو نتاج لرغبة القاعدة في الانتقال من مرحلة الجهاد إلى مرحلة «الدولة» مستفيدة من مؤامرات المخابرات السورية والعراقية والأردنية والسعودية ضد بعضها البعض، ومحاولة توظيفهم للجماعات المسلّحة لضرب بعضهم البعض أيضًا بالتحالف مع قوى إقليمية وعالمية كبرى كأمريكا وروسيا وتركيا وإيران وبريطانيا.

غموض داعش ناتج في جزء منه عن عدم فتح أي قناة حوار مع قياداتها التي تستمدّ «كاريزميتها» من اختفائها الدائم.

ظهور الجيش الحر في سوريا هو نتاج الصراع بين شعبة الاستخبارات والجيش وما خفي فيها من تجاوزات ومظالم وصراع نفوذ على المناصب. الجيش الحر كان مقدّمة التمرّد لكنه الآن أضعف حلقة في الصراع مع جبهة سوريا الديمقراطية المدعومة من تركيا.

روسيا دخلت المعركة بقوة مع سوريا بغية الثأر من الجهاديين الذين هزموها بأفغانستان وكذلك بغية استرجاع هيبتها في البلاد العربية حفاظًا على مصالحها الحيوية. بدأت تظهر بوادر حلف إستراتيجي سوري إيراني روسي صيني تركي قد تنضم إليه قريبًا كل من الجزائر ومصر وليبيا واليمن.

الشعب السوري شعب راق حقّق بتحضّره إنجازات اجتماعية واقتصادية وثقافية وتعليمية عجزت عن تحقيقها دول غنيّة. اكتفاء ذاتي ودولة بلا ديون مع تطور في الصناعات الغذائية والأقمشة والسياحة. سوريا تحوّلت إلى قطب تجاري مهم في المنطقة ينافس بقوة الدول المجاورة. لسوريا جيش عصري قوي ومتماسك (برّ وجو وبحر ومخابرات). عندما يخطب بشّار الأسد في القمة العربية وبلا ورقة فإن ثلاثة أرباع الحكام لا يفهمون كلامه نظرًا لتدنّي مستواهم أمامه.

المشكل في النظام في سوريا أن السياسة لم تُجَارِ تطوّر المجتمع والحكم بقي عائليًّا علويًّا طائفيًّا دون تفتّح على باقي شرائح الشعب. أخطأ بشار عندما لم يفتح جبهة على إسرائيل منذ بداية المواجهات لأنه حينها سيتمكن من تحرير الجولان وربما كل فلسطين بأقل من نصف الخسائر التي خسرها في الحرب الفتنة. سوريا دفعت غاليًا ثمن تآمرها على العراق.

لقد أنهكت الحرب في سوريا دول «الربيع العربي» التي دعّمت الثوار بالمال والسلاح والرجال خاصة ليبيا وتونس، كما أنهكت ماليّا دول الخليج التي حوّلت ملايين المليارات إلى البنوك التركيّة لدعم المسلّحين والنتيجة سقوط لكلّ شيء في الماء بعد تدخّل داعش وروسيا اللذين أربكا كل المخطّطات الإقليميّة.

الحرب في سوريا خلقت شروخًا اجتماعية في أكثر من بلد عربي زيادة على سوريا: قتلى وجرحى ومهجّرين ومهاجرين ويتامى وأرامل وعائلات لا تعرف مصير أبنائها المختفين ومختطفين ومعتقلين… إلخ.

الذين خطّطوا للحرب انقلب عليهم السحر وأولهم تركيا التي توجّهت نحو روسيا وهي الآن تتلظّى بإرهاب زرعته دون تفكير في العواقب. قناة الجزيرة أضحت يتيمة بلا مشاهدين رغم محاولات إنعاشها. قطر قد تعجز عن تنظيم كأس العالم الذي أرادوها لها مقبرة لثرواتها بلا فائدة وهي الآن غارقة في أزمة اقتصادية. إخوان الربيع العربي تقهقروا بشكل لافت شعبيًّا ورسميًّا بعد عجزهم عن تحمّل مسؤوليّة سلطة جاءتهم على طبق من ذهب.

المنطقة قادمة على «برويستروكا» جديدة ستعيد البناء.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل