المحتوى الرئيسى

ضمة إحساس للصغير في سوريا

01/05 02:21

من وكر البؤس والضيم، وربما أيضاً من وجع الزمان، يولد الظَّلِيمُ هَرِمَاً في صورة الطفل، على كاهله أوزان من الهموم، يضمه الحزن عنوة، ينفث في عينيه الرّمد حتى ينضب الدمع منها ويجف، ثم يقف على ساقيه، يجوّب أراض العالمين راتعاً أو مرتحلاً إليها، بينما يحل عن راحلته مع الغروب شيئاً من الألم فوق الثرى، إذا لم يكن قد جذبه البحر إليه، مخلفاً وراءه أثراً يُحكى ولو بعد حين، إنها حكاية طفل سوري نزح من وطنه يتيماً، طريداً إلى ملاجئ العولمة، ومفقوداً بعد أن فقد والدَيه، وسريره، وطفولته السعيدة؛ ليجد نفسه قد تركته الحضارة المتوحشة في العراء وحيداً يواجه بكل براءة هول الفاجعة، بعد أن كان قد قهر الركام، ونفض عن جسده الهزيل غَبرة الحروب، فيما نظرات عيونه ما زالت تفضح قبح وجه الطاغية.

لا شيء في النفس يعدل جروح الإحساس، ومشاعر الألم إلا بمقدار ما ذرفت به العين من الدمع عند النظر في صور الحصار الظالم، أو عند سماع صرخات ذلك الطفل اليتيم من خلف أسوار المدينة المحاصرة بآلات الموت العسكرية، لتكسر الكاميرات حصار جنود الطاغية وتنقل للعالم الخارجي من رحم المعاناة ومآسي الضعفاء أكثر المشاهد تأثيراً في مواقع التواصل الاجتماعي، وثَّق بعضها روح البراءة تحتضر أمام الشاشة من شدة الألم والجوع، فيمن بقي من الأحياء واجه بقلبه الصغير جحيم الموت، وعيونه شاخصة تخرج منها شذرات من الحيرة والتساؤل عن حال الحياة بعد فراق الوالدين وموتهما في الحصار.

الذي أراه بأم عيني أكبر من أن يحتمله قلبي الضعيف، فالمشهد مؤلم، والجريمة فاقت بشاعتها خيال مخيلتي، فأهرع لأضم صغيري إلى صدري، وفي عيوني يتوغل عدد كبير من الأطفال، من كل الأعمار متناثرين على الأرض، تتقاطر أجسادهم، وأشلاؤهم كالطيور النافقة، منهم الكثير كانوا خدجاً ورضعاً ماتوا خنقاً في المستشفيات، وهي المأساة الكارثية التي عجزت عن إعادة الحياة للضمير الإنساني في الوقت المعاصر.

كان طبيعياً أن تصبح صيرورة الحياة القاسية في سوريا، وصور الجثث المتناثرة في شوارعها دافعاً لبروز جيل ألِفَ القتال مع والديه، يشتد به العزم ولا يقبل الخنوع والإذلال، بعد أن عجز الطاغية عن تركيع الآباء، وإجبارهم على الخضوع لإرادته مقابل رفع الحصار، وإيقاف مسلسل تعذيب الأطفال وقتلهم بدم بارد.

وكما أن صفحات التاريخ للأمم السابقة لم تكتب في سطورها اسم طاغية أو حاكم جائر أكثر تجبراً وقوة من "فرعون مصر" وقتله للأطفال الذكور وتجنب الإناث منهم، فإن أسد الشام في عصر الإنسان الحديث قد جاء بما لم يأتِ به فرعون أو هولاكو من تجبر وسفك لدماء مئات الألوف من ضحاياه، كان جلهم من الأطفال؛ ليكتب لنفسه موعداً مع التاريخ مثل بقية أشرار البشر في الزمن الغابر.

إن ما هو جارٍ الآن في حلب الشام وأخواتها من المدن الأخرى لا نجد له مثيلاً من ممارسات إجرامية وانتهاكات إنسانية في هذا الكون إلا في دولة بوذا البورماوية، فالقاتل هناك لا يختلف كثيرا عن قاتل الأطفال في سوريا، جمعهما حقد ديني للإسلام السني وأبنائه، وأباحت عقيدتهم الأساسية تعذيب أطفالهم، وتجويعهم حتى الموت وسط صمت مريب، وتواطؤ من بعض القوى والضغط على المجتمع الدولي بعدم التحرك للردع أو محاكمة المجرم حتى الآن.

وإذا كان قد أبكى الطفل السوري مَن كان له قلب من حجر، وحرك هلعه دموع العيون الراكدة، فإنه أبداً لن يترك حقه، وسوف يشكو الإنسان- كما نطقها أحدهم وهو يحتضر- إلى الله يوم يكون الحساب عما لقي من ظلم، ونزعت الروح من جسده بدون حق أو رحمة، وكذلك من الخذلان وذل المسلمين في نصرة إخوانهم في الشام وتجاهلهم العمل بقول النبي عليه الصلاة والسلام: "ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته" صحيح الجامع.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل