المحتوى الرئيسى

تحت الرصاص حكاية وطن "سوريا"

01/04 00:39

"أيها الرصاص قل لي من الإرهابي.. بشار، أم داعش أم هؤلاء الأجانب؟ صف لي شعورك وأنت تغتال فرحة وبراءة الأطفال، مَن قتل أخى وأصدقائي؟ مَن دمر مدرستي واغتال معلّمتي.

اللعنة عليك أيها الرصاص وعلى الحروب، حدثني عن شعورك والوطن مدمر ورائحة الموت في كل طريق، فوطن بلا عدل وكرامة لا يستحق سوى أن يكون مسكن.

انظر في عيون الأطفال ألم تخجل من البراءة؟ هل تخيلت معاناة أطفال سوريا؟ هل تخيلت عندما اخترقت صدور المتحاربين؟ كم أماً بكيت وكم أسرة انهارت؟ حدثني لماذا؟ لماذا تدخلت إيران وروسيا وحزب الله عسكرياً؟ ولماذا قصفت الولايات المتحدة سوريا؟ وماذا تريد داعش من هنا؟ أيها الرصاص اترك أطفالنا يعيشون بسلام، أين المستقبل والدمار بكل شارع في الوطن؟ هل سنعود يومياً إلى حلب؟" كانت هذه رسالة من وحي خيالي، ولكنها أقرب كثيراً للواقع لطفل من حلب يكتبها بعد أن غادر حلب في هذا البرد القارس،فسخونة القضية السورية لا تجدي أمام برد الشتاء القارس في حلب، فهناك أطفال كبروا ونشأوا في بيئة الحرب دون تعليم أو صحة أو بيئة مناسبة، بل ودون وطن من الأساس، فمصير الأطفال ليس دائماً الحدائق والتعليم والترفيه بين أحضان الأب والأم كباقي الأطفال في العالم، فالأطفال في سوريا حياتهم تختلف تماماً، إما قتلى في صراعات للعنف والإرهاب أو هجرة عبر البحر في رحلة لا يعلم أحد كيف ستنتهي، هل ستنتهى بالعبور لبلد آخر؟ أو ستنتهي كوجبة سهلة للأسماك في البحر؟ وإذا وصلت الرحلة بسلام ستتعرض حتماً للمضايقات، فقد وُلد عشرات الأطفال في مدينة حلب ليشهدوا على إحدى أعنف مراحل الحرب الدامية التي تعصف ببلادهم منذ 5 سنوات تقريباً.

"حب الوطن عبادة وليس قيادة، أكبر هدية قدمها الوطن العربي لعدوه منذ أكثر من نصف قرن هي صراعات طائفية وحزبية! لم أجد كلمات تصف الحال في العالم العربي بصفة عامة وسوريا بصفة خاصة أكثر من تلك الكلمات".

فالحكاية هنا حكاية وطن يصارع البقاء، فالوطن هنا سوريا، لقصة مأساوية لها أبطال بين نظام بقيادة "بشار الأسد" وتنظيم إرهابي "داعش" ومعارضة مسلحة وحلفاء للنظام السوري "روسيا وإيران"، وعالم عربي اكتفى بالاستنكار ومجتمع دولي يكتفي تماماً بالمشاهدة في ظل عالم متناقض يتمتع بازدواجية المعايير والمصالح وهي التي تدفعه للتحرك، عالم لم يتحرك لمقتل آلاف من الأطفال في سوريا، بل يتحرك فقط للأعمال الإرهابية التي تمت في باريس وبرلين وغيرها، وعندما يتحرك المجتمع الدولي يتحرك تحت شعار حقوق الإنسان والديمقراطية في البلاد الغنية بالنفط، التي لها مصالح فيها فقط، فسوريا ليست غنية بالنفط؛ كي تحل مشكلاتها عبر الأمم المتحدة! وللأسف كل هذه الأطراف تنافست منافسة غير شريفة على تدمير الوطن السوري.

اختلفت الآراء ما بين مؤيد ومعارض لما يحدث في سوريا، ومَن المسؤول عما وصلت إليه سوريا الآن ما بين النظام الذي يراه الكثير نظاماً دموياً وطائفياً، وما بين داعش الجماعة الإرهابية والمعارضة المسلحة، بل وهناك فريق يرى أن ما يحدث في سوريا مبالغ فيه، وأن جميع المواد الإعلامية المقدمة في العالم بها كثير من المبالغة!

ولكن الحقيقة بالأرقام التي لا تكذب، بحسب التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بشأن احتياجات الشعب السوري لعام 2017؛ حيث يتعرض 30 ألف إنسان في سوريا شهرياً لصدمة نفسية جراء الصراع، وأن هناك 4.3 مليون شخص بحاجة للإيواء، وأصبح أكثر من 85% من الشعب السوري يعيشون في فقر، ونحو 3 ملايين أصيبوا بإعاقة جسدية إلى جانب أن أكثر من نصف الشعب السوري اضطروا إلى النزوح عن منازلهم، إلى جانب تدمير البنية التحتية والاقتصادية، فحتى التركيبة السكانية لسوريا قد تغيرت فعلياً بسبب الحرب في ظل صمت عربي ودولي، فمدينة حلب التي يزيد عدد سكانها عن 3 ملايين نسمة تم تهجيرها بصورة شبه كاملة، فهذه هي نتائج الحرب بعد 5 سنوات تقريباً، أليس كان من الأفضل للجيش السوري محاربة ورفض التدخل العسكري الأجنبي؟ فماذا يحدث لو كان الجيش السوري حارب بنفس الطاقة التي يحارب بها الإرهاب حالياً في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973؟ فاتخاذ محاربة داعش كساتر لتصفية حسابات طائفية مع السنة وقتل الأطفال باسم الإرهاب جريمة لا يغفرها التاريخ، فالجيوش للحفاظ على الأوطان وليس للاستقواء بالخارج للتدمير والقتل، فداعش الإرهابية هي الوجه الآخر للجيش السوري الذي تحول لجيش طائفي بيد الحاكم وليس ملكاً للشعب السوري، فليس هناك أدنى شك أن بشار الأسد مسؤول مسؤولية سياسية كاملة عما يحدث في سوريا وحتى أياً كان المسؤول فقد تم تدمير الوطن.

- حلب التي استضافت أثناء الحرب العالمية الثانية مهاجرين يونانيين هربوا من احتلال النازيين ومن ويلات الحروب، نعم هذه حقيقة تاريخية، واليوم قد تبدل الحال فالسوريون اليوم لاجئون في اليونان، وغرق في هذه الرحلة إلى المخيمات نساء وأطفال يونانيون كما يحدث اليوم تماماً.

- المخرج السوري مصطفى العقاد الذي ترك بصمة قوية للثقافة العربية والإسلامية على المستوى العالمي بفيلم الرسالة وعمر المختار المفارقة أنه مواليد حلب إحدى المدن الثقافية التاريخية للعرب، المفارقة أيضاً أنه تم اغتياله في تفجير إرهابي في مدينة عمان الأردنية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2005، وكان يستعد لعمل فيلم عالمي عن صلاح الدين الأيوبي وفيلم عن الأندلس وكأن الإرهاب يوجه رسالة أنه سيدمر الأوطان وثقافتها وتاريخها كله من المحيط للخليج!!

الظلم والقمع يساهمان بلا شك في صناعة الإرهاب، فكيف يمكن توقع مستقبل سوريا في ظل أنها على أرض الواقع مقسمة بين فصائل كثيرة وكثير منها مدعوم من قوى إقليمية ودولية؟ فالبيئة التي صنعها بشار الأسد بالتعامل بالعنف المفرط مع المظاهرات الشعبية هي التي صنعت وجذبت الإرهاب بدرجة كبيرة، مما أدى إلى حدوث انفصال في عدد من وحدات الجيش السوري الرافض لهذا العنف، وتكوين ما يعرف بـ"الجيش السوري الحر"، وخصوصاً في ظل عدم ضبط الحدود مع العراق، مما أدى لدخول عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بالإضافة إلى أن النظام جرف البيئة السياسية من أي بديل مطروح على الساحة لخلافة بشار الأسد، فتكون الخيارات المطروحة لدى الشعب السوري في المستقبل إما الإرهاب وإما بشار الأسد الذي حارب ضد شعبه وزرع فتنة طائفية بين السنة والعلويين، ففساد الأنظمة ينتج أسوأ ما في الشعوب، ولكن الأهم أننا لا بد أن نصنع الأمل للملايين من اللاجئين السوريين في العالم للعودة إلى وطنهم.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل