المحتوى الرئيسى

كيف عرّت مجزرة اسطنبول وجوه "الوحش" فينا؟

01/03 13:14

اعتداء على ملهى ليلي في إسطنبول ومسلّح يفتح النار على المحتفلين بمطلع العام الجديد، فيقتل العشرات ويصيب آخرين بالجروح وبحالة من الهلع. يبدو المشهد "مثالياً" للتغطية الإعلامية. تتوارد الأخبار العاجلة بالجملة، كل وسيلة تسعى لرصد حالة الضحايا المنتمين إلى الجنسيات التي تعنيها. في لبنان مثالاً، تتضارب الأنباء حول عدد الضحايا، وأحوال الجرحى. تسرع الكاميرات لرصد ردة فعل عائلاتهم، ويُفتح الهواء على مصيبة شقيقة تتمرّغ أرضاً، وصراخ أب مفجوع وأخ منكسر، ليصبح الجميع شاهداً على أرواح تتكسّر وألم مباح. تدخل الكاميرا عنوة بين العين والدمعة، بين الفاجعة والصرخة، وتخرج مزهوة بما قدّمته في سبيل “الرايتنغ" Rating.

ليس الإعلام وحده الذي سقط في هفوات إنسانيّة قاتلة، لقد عكست تعليقات كثر على الجريمة اتهاماً غير مباشر للضحايا، فبدا المشهد مرآة لعفن كثير يُخزّنه هذا المجتمع.

كان المشهد الإعلامي فاقعاً في لبنان، الذي دفع في الاعتداء ثلاث ضحايا وعدداً من الجرحى. مراسل في منزل الضحية، مراسل في المطار، مراسل في الطائرة، آخر في إسطنبول. بدت المجزرة أقرب للمهزلة. تظهر شقيقة إحدى الضحايا لحظة تلقيها الخبر، تبكي "طفلها الصغير" الذي ربّته بعد وفاة والدتهما. تعليقات الصحافيين من المنازل تبدو نافرة، كما استصراحهم للسياسيين والصراخ يمزّق خلفيّة "الكادر". في مكان آخر يتبلّغ الأهل خبر وفاة ابنتهم من القنوات الإعلاميّة، ليعودوا ويسمعوا أنها في عداد الجرحى. تُثبّت عدسة الكاميرا على وجه أب مكلوم، ينوح ويبكي ابنته الشابة التي فقدها بعد وفاة والدتها بالسرطان قبل أربعة أشهر. تبرّر بعض القنوات قائلة إن أهل الضحايا سمحوا بالتصوير، لكن من يمتلك القدرة على الرفض وهو في قمة تفجّعه الإنساني؟ ذهبت إحدى القنوات للتركيز على طائفة الضحايا، فبدا الأمر أشبه باستهداف للطائفة نفسها، علماً أن جنسيات كثيرة وطوائف متعددة سقطت في الملهى التركي على يد القاتل الذي تبنته "داعش”.

حضرت المطالبات بقانون يضبط القنوات المتفلّتة. قد لا يكون الأمر بهذه البساطة، إذ لا يوجد قانون غربي أو عربي، واضح وصريح في هذا الشأن. يُترك الأمر للمراسل وللمعايير الأخلاقية كما للمسؤولين في الوسيلة الإعلامية. هي إذا قصة ثقافة جماعية تجعلنا لا نرى هذا الاستسهال في تغطية مصائب عائلات اعتداء إرهابي باريسي على سبيل المثال، لا بل نرى أناساً عاديين يهرعون لتغطية الضحايا قبل وصول الإعلام، بينما يكون عدم احترام خصوصية عائلات الضحايا فاقعاً في معظم تغطيات الاعتداءات الإرهابية في العالم العربي.

في حوار له مع "الشبكة الدوليّة للصحافيين"، يقول محرّر الشبكات الاجتماعية والمحتوى الإيجابي فرغوس بيل، إن متابعة المشاهد المؤذية تتحوّل في وقت لاحق إلى إدمان. وهذا ما يبدو عليه الحال لدى بعض وسائل الإعلام وبالتالي لدى الجمهور. يشير بيل إلى الأدرينالين الفائض الذي يحظى به الصحافي أثناء تغطيات أحداث دامية فيُعميه عن أخلاقيات المهنة، ما يترك المسؤولية أكبر على الجالسين خلف مكاتبهم في تحديد ما يمكن نشره من عدمه.

شارك غرد5 أمثلة من تفاعل مجتمعاتنا مع جريمة اسطنبول، تظهر كم العفن الذي نخزّنه

شارك غردالاستسهال في تغطية مصائب عائلات اعتداء اسطنبول، والسخرية من الضحايا لوجودهم في ملهى ليلي من الأساس.. نماذج من وحشيتنا

يلعب مركز “دارت" Dart للدراسات، التابع لجامعة كولومبيا، دوراً في توعية الصحافيين بشأن كيفية التعامل مع أناس في لحظة "تروما". في أحد أدلة التوعية، يُقدّم نصائح بضرورة ألا يُشكّل الصحافي مصدراً لإزعاج ذوي الضحايا، من دون أن يعني ذلك ألا يمارس عمله، ولكن ألّا  يعتقد أن كونه صحافياً يجعله محصّناً ضد ردود الفعل الغاضبة. المحظوران الأساسيان في وجه الصحافي هما: عدم انتهاك الحيّز الخاص للأشخاص وعدم اقتحام المنازل دون إذن أصحابها، والثاني هو التدخل في مشاهد الألم من أجل الحصول على صورة أقسى. كما ينصح الدليل الصحافيين بعدم التوقف عند ردود أفعال الموجودين في مكان الحادث ولا سيما ذوي الضحايا، فالصدمة تجعلهم يتصرفون بخلاف طبيعتهم المعتادة، وعليه لا يمكن التعويل على تصريحاتهم لبناء القصة. هذه التصريحات تُؤخذ فقط إن لم يكن بالإمكان تجنّب تصويرها، لكن يجب ألا تكون الخبر، فعبارات الألم والغضب لا تُعدّ تصريحاً واعياً.

توزعت جنسيات الضحايا على دول عدة، وحظي العالم العربي بالحصة الأكبر من الفاجعة. بحسب التصريحات الرسمية الصادرة من بلدان عربية عدة، قتل 5 سعوديين وأردنيان وثلاثة لبنانيين وثلاثة عراقيين وتونسيان ومغربيان وكويتي وليبي وفتاة من فلسطينيي 48، إلى جانب أجانب هما هنديان وبلجيكي - تركي وكندي.

شغلت جنسيات بعض الضحايا رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فبدأت حفلات الشماتة ليبدو وكأن "الفرح" الذي كانوا "يرتكبونه" في ملهى "لا رينا" الليلي يستحق الموت. اتهم البعض الضحايا بـ"العربدة والسكر" معتبراً أن موتهم لا يستأهل الحزن.

صور السعوديين قتلى المراقص التركية عند وصولهم الى المملكة #السعودية#نجران#جازان#عسير#اليمن#صنعاء#نجران_الان#الحد_الجنوبي#إسطنبول pic.twitter.com/6xiiYoCWTq

— رحال السعودية قادم (@ta11ta22) January 3, 2017

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل