المحتوى الرئيسى

رئيس جامعة بن رشد: يحق للأكراد أن يستقلوا.. والعراق ممزق بين أقطاب النهب (1-2) | المصري اليوم

01/03 02:47

يرى أن المنطقة العربية تعرضت لهزات راديكالية شديدة الوطأة، تراجعت بها نحو حال من الاستنزاف والتشرذم وإشاعة خطاب التخلف والتشدد ولغة العنف التصفوية الهمجية بغياب تلك الطبقة ونخبتها أو فصمها عن المجتمع.. إنه الأستاذ الدكتور تيسير الألوسي، رئيس جامعة بن رشد في هولندا، الذي يحمل عراقيته معه أينما رحل، متخذا من نفسه مثالا على ما حل بالعراق من تدهور أدى إلى تشتيت ابنائه، ودوران آلة الموت دون توقف، في عبث يلاحق عبثا.

تيسير عبدالجبار عبدالرزاق الآلوسي، أستاذ محاضر في الأدب العربي الحديث والنقد الأدبي، رئيس رابطة بابل للكتّاب والفنانين العراقيين في هولندا، عضو مجلس الأمناء في المركز العراقي للدرسات الديموقراطية بهولندا. كما أنه ناشط سياسي وحقوقي.

ولد في 9 يونيو 1957، بقضاء حديثة في محافظة الأنبار بالعراق، وهو متزوج ولديه 3 أبناء.

«المصري اليوم» التقت الألوسي في حوار مطول، تناول، في جزءه الأول، الشخصي والعراقي وموقف الأكراد وحقهم في الاستقلال عن العراق، وكيف لا يمكن اعتبار ذلك تمزيقا للعراق.

منذ متى وأنت تعيش خارج العراق؟

يمكن حساب تاريخ مغادرتي الوطن بحوالي ربع قرن حيث كنتُ من بين مَن اُضطُر لركوب طرقات المنافي ثم الاستقرار في المهجر.

كنتُ معرضاً للاعتقال والتعذيب والتصفية كما كثير ممن سعوا للشروع ببناء عراق ديموقراطي يحترم أبناءه ويفتح مسارات البناء والتقدم بعيداً عن الهزات الراديكالية والمغامرات التي بدت تُنذر بما تلا وأصاب لاحقا المنطقة برمتها بحرائقه وكوارثه. ووجدتُ شخصياً، أنني مثلما آلاف الأكاديميين من أساتذة الجامعات والعلماء، يمكننا أن نخدم في بناء بلداننا بدلا من الوقوع في أتون محارق نازية لسياسات قمعية ولصراعات محتدمة.

كيف كانت لحظات الرحيل والفراق عن الوطن؟

قاومتُ شخصياً فكرة الهجرة أو حتى فكرة التوجه إلى المنفى؛ فقد كنتُ دائما أرى أنّ وجودنا في بيتنا وطننا واجباً بنيوياً لا مناص منه. ولكنني في النهاية وصلتُ إلى طريق مسدود؛ لحظة شملت المطاردات القمعية كل شخص لا يخضع لسلطة الطاغية ويهتف لرغباته ومآربه. في تلك اللحظة كان إحساس التمزق بين حب العيش في الوطن وفكرة رفض المغادرة وبين الاضطرار لركوب سفن المنفى. وأقسى تلك اللحظات هي المغادرة من دون فرصة لتوديع الصحب والرفقة والزملاء، توديع فضاء العيش.. وأقسى منه كيف كنتُ أحس وقْع الرحيل فيما الأهل يتطلعون بألم إلى فقدان الابن وعائلته يضطران للتوجه بعيداً حيث لا لقاء! لكنه ربما أقل ألماً من الوقوع ببراثن الاعتقال والقمع الأمني السياسي. إنها لحظة من القسوة يوم تجولت فيها بين بيوت مدينتي لآخر مرة؛ أودّع أحجار جدرانها وحدائقها وخطى شوارعها وأزقتها بأكثر ما تكون آلام الرحيل بل فاجعته. إنها لحظة ما زالت حية بآلامها وأوجاعها بكل صورها الباقية بوخزها الفاجع.

ألا تفكر في العودة اليوم؟

عندما غادرتُ كان عليّ الخيار بين البقاء حياً من أجل مواصلة تقديم ما يمكنني لمحيطي وبيئتي وبين الوقوع أسير التعذيب والتصفية. واخترتُ البقاء حياً لتقديم ما يمكنني للبشرية بعامة ولعائلتي الصغيرة بخاصة. واليوم في الظرف السياسي وغليانه؛ ترون معي ما يجري من صراعات أبشع؛ سببها الرئيسي يتجسد في سطوة قوى الطائفية وميليشياتها والإرهاب على البلاد. وما يجري اليوم هو فرض قسري عنفي لعسكرة المجتمع ومصادرة الحريات والحقوق وإحالة الوطن إلى جحيم من محارق الجريمة الأبشع، في ظل سياسة نهب لصوصية هي الأعلى بحجم فسادها عالميا حتى أن أدق تشخيص للنظام القائم لن يكون سوى تشخيصه نظاما طائفيا كليبتوقراطيا (نظام حكم اللصوص). ولا بد هنا من التوكيد أنه يجب تغيير هذا النظام من أجل الشعب وأطيافه ومكوناته وطبقاته الفقيرة.

العراق اليوم، هو تركة ممزقة متشظية بين أقطاب النهب والجريمة وأركانها.. إنه بلا مؤسسات دولة حقيقية بعد أن باتت الدولة غنيمة بين أحزاب الطائفية أو عناصر نهبها.. إنهم مشعلو الحرائق للتغطية على كل المجريات بدخان التعمية وبالتضليل بخطاب الطائفية السياسية. بالمقابل هناك حركة شعبية مدنية باتت تتلمس خطى استعادة وحدة العراقيين لتلفهم حول هوية وطنية بعمق إنساني بديل لتمزقاتهم المصطنعة.. وهي حركة تستحق الإشادة والدعم والتضامن الأمر الذي نحاول تعزيزه من هنا من مهاجرنا القصية.

ألا يخالجك نوع من المقارنة بين عراق صدام حسين وعراق ما بعد صدام؟

لا أوافق على فكرة الاختيار بين السبب والنتيجة على أساس أن ظروف الأول أفضل نسبياً، لكنني أرصد الظواهر التي تتحكم في وجود هذا النظام أو ذاك وما ينجم عن سياساته من نتائج.. وكيف لي أن أختار نظاما جرت في ظله جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية؟! إن الأجواء الحالية تجسد حال شرذمة حكم الطائفية الكليبتوقراطي بما يعني انحدارا مستمرا في أوضاع الشعب وظروفه القاسية حيث حروب الميليشيات الطائفية وتبريراتها الأسوأ بحق الشعب.

هل حدث أن تمنيت لو بقي صدام في حكم العراق؟

كلا قطعاً فلقد كان سبباً في كوارث وجرائم بلا حصر، وبإدخال البلاد بمعارك وحروب مع قوى دولية وإقليمية وإنهاك البلاد والشعب حتى أفضى إلى مرحلة الاحتلال وما أعقبها من تسليم الوطن لقوى مافيوية لا ترعوي عن ارتكاب كل أشكال الجرائم.. البديل لن يكون يوما ما يسمى المستبد العادل ولا العودة إلى الطاغية الدكتاتور بل مرحلة انتقالية تتطلب طوارئ بسقف زمني محدد ينجز فيها مهام استعادة الأمن واستتبابه، وبعد أن تضبط الأوضاع، تتجه إلى جهود تأسيس نظام يمكنه بناء دولة مدنية قادرة على استيعاب برامج إعادة الإعمار والتنمية وتفعيل أدوار أبناء الشعب وقواه لا دفعهم إلى أتون الحروب والانقسام والشرذمة بين عناصر مرضية مصطرعة على تقاسم الغنيمة.

ما رأيك في تنظيم داعش؟

هذا التنظيم ليس سوى عناصر مريضة سايكوباثية همجية وجدت فرصتها لاستبدال دور القاعدة والحلول محلها في موطئ جغرافي جديد. والدواعش خطر داهم على المجتمعات المحلية والدولية ينبغي التكاتف لدحره وإزالته نهائيا بمسارين عسكري أمني وفكري سياسي ثقافي.

وماذا عن الرأي القائل بأنهم كيان مصطنع على يد قوى خارجية؟

لست مع مفهوم نظرية المؤامرة بسطحية الفكرة وسذاجتها.. فعالمنا معقد مركب وفيه علاقات مباشرة وغير مباشرة واستدعاءات ينبغي التفكر بشأنها ودراستها بموضوعية وبروح علمية دقيقة. فشراذم الدواعش تقودهم عقول سايكوباثية بعضها لها خلفية تعليم ومعارف وخبرات في نظم سياسية دكتاتورية وتحديدا بأجهزتها القمعية.. أُتيح لهذه الشراذم فرص انتظام وتشكيل وجودها والانتشار في كنف بيئات محلية انتشر فيها الجهل والتخلف واستدعاء الخطاب (الديني) المصطنع بكثير من التأويلات السياسية العنفية وبإسقاطات القدسية عليها لكنها تظل التخريبية في منهجها ونتائجها.

ومن الطبيعي أن تتمدد تلك التنظيمات مع نموها وتضخمها معروف التبرير لتؤدي إلى خروقات خطيرة بمختلف بلدان العالم تستقطب عبر العلاقات المافيوية واخطبوطها قدرات وطاقات ينظر بعضهم إليها على أنها توجيهات دول كبرى وارتباطات هيكلية ممنهجة، لكنه يغفل عن الجهود المضنية والدراسات التي تحاول بها تلك الدول لاختراق التنظيمات الإرهابية والوصول إلى ما يقضي عليها نهائيا.

كيف تنظر إلى نزعة أكراد العراق للاستقلال؟

الأكراد مثل كل شعوب العالم لهم وجودهم في أمة ظلت عبر التاريخين القديم والوسيط في تحالف استراتيجي مع الأمم المجاورة.. وتفاعل الأكراد إيجابياً مع العرب وهناك مئات الكتاب والمفكرين منهم ممن كتب بالعربية وأثرى المسيرة الفكرية والعلاقات الإنسانية السليمة في ضفتي وجود الأمتين العربية والكردية.. وقد حصل الأكراد مثلما العرب على وعود الحلفاء بعد الحرب الكونية الأولى بمنحهم دولتهم وبين اتفاقيتي سيفر ولوزان 1920 و1923 قُتِل الوعد بالدولة القومية للأكراد. وتقسم العرب بدولهم القائمة على اتفاقية سايكس بيكو فيما بقي كذلك الأكراد ووطنهم كوردستان مقسماً بين 4 دول هي تركيا العراق إيران وسوريا. ونتذكر أن إلحاق ولاية الموصل بالعراق عام 1926 جاء بناء على تصويت الأكراد لخيار الالتحاق بالعراق فيما صوت العرب لتركيا! وعاد الأكراد وصوتوا عام 2005 للبقاء في عراق فديرالي على الرغم من الذاكرة الحية لجرائم الأنفال وحلبجة التي مثلت جريمة إبادة جماعية بحقهم إلا أن استمرار الظروف غير الطبيعية في البلاد ووجود بقايا ثقافة شوفينية استعلائية ووقوع البلاد تحت حكم طائفي كليبتوقراطي دفع باتجاه خيار الاستقلال تجنبا لمزيد مآسي وكوارث.. ولمن يريد الإنصاف فإن حق تقرير المصير يبقى مكفولا بالقوانين الدولية وبالشرعة الأممية.

Comments

عاجل