المحتوى الرئيسى

عاشت حرية الرأى | المصري اليوم

01/03 01:58

قالها الكاتب الفرنسى الشهير «شاتوبريان» منذ قرابة مائتى عام: «ليس الدستور هو الذى أعطانا الحرية، إنما هى حرية الرأى التى أعطتنا الدستور».

ودون حرية الرأى لا منطق ولا قيمة لأى دستور، فما جرى تنظيم العلاقة بين الحكام والمحكومين، وبين المؤسسات بعضها ببعض، إلا بوجود دساتير، وما حصلت المجتمعات على دساتيرها إلا بعد نضال تصدره قادة رأى، وانطلق من ارتفاع الصوت حتى فرضت هذه الأصوات نفسها فى ثورات وتغييرات ودساتير.

هذا المنطق فسره «ميرابو» خطيب الثورة الفرنسية، حين وصف حرية الرأى بأنها «الحرية التى لا يمكن التمتع بأى حريات أخرى بدونها».

ظل هذا منطق محسوم منذ قرون، لكنه احتاج مثل هذه القرون ليبحث له عن مستقر آمن فى مصر دون جدوى، تتبدل الدساتير، ويتداول الرؤساء، وتتوالى البرلمانات، فيما حرية الرأى تنغص كل سلطة، وتبحث بكل وسيلة وشكل للحد منها، حتى ولو كان ذلك فى اصطياد أصحاب الرأى من مصالح ناشريهم، فى الوقت الذى راجت فيه تفسيرات لوقف برنامج الإعلام الكبير إبراهيم عيسى، بضغوط واجهها مالك القناة التى يُطل منها، وصلت إلى تعريض مصالحه ومشروعاته لأخطار الخسائر الجسيمة.

كلنا نعرف ماذا جرى، لماذا توقف البرنامج الذى يُطل منه عيسى على الناس، ومن هم الذين ضاقت صدورهم بتعبير بيان عيسى، وما طبيعة الضغط الذى تعرض له مالك القناة فدفع عيسى لرفع الحرج عنه، حين وجد أن آخرين قد يدفعون ثمن رأيه، وهو الذى اعتاد أن يدفع الأثمان وحده، ويتحمل مسؤوليتها وحده أو مع زملاء يحملون ذات الآراء والقناعات ولديهم الاستعداد لدفع ذات الثمن.

ليس التجلى الأخير لإبراهيم عيسى.. من أغلقوا جريدته الأولى اعتقدوا ذلك. ومن قدموا جريدته الثانية لأجهزة مبارك حاولوا أيضاً. ومن كفّروه وفسقوه بعد أن استفادوا من جهده ورأيه فى الجلوس على مقاعدهم بعد 25 يناير، سعوا لذلك. ومن طاردوه من شاشة إلى شاشة، حتى أولئك الذين جاءت بهم 30 يونيو لمقاعدهم، بتغيير لم يكن يمكن حدوثه إلا بجهد واسع من أصحاب الرأى، كان عيسى رأس حربة فيه، يعتقدون أنه من الممكن إسكاته، والاستراحة من منطقه اللاذع، وأسلوبه الحارق، وجرأته المتناهية، وقدرته على الدفاع عن قناعته مهما كانت، والوقوف فى وجه الجميع، سلطة كانت وسط أدوات نفوذها، أو كتائب متنفذة فى الشارع وانعكاساته على مواقع التواصل.

ليست القضية إذن فى عيسى، قد يملك البعض الأثير والمطابع وسيارات التوزيع. لكن عيسى يملك عيسى، عقله وقلمه. وساذج من يعتقد بعد كل هذا العمر أنه يمكن أن ينجح فيما فشلت فيه أنظمة وبرلمانات كانت أكثر كفاءة. ساذج من يعتقد أن وهج عيسى يمكن أن ينطفئ بغياب ظهوره على شاشة، فيما هو متوهج كالشمس فى مشروعه الإبداعى الاستثنائى، كما توهج فى مشروعه الصحفى.

يريدون الخلاص من عيسى. أغلقوا شاشته. ومن قبل أغلقوا جرائده، فهل سيحرقون كتبه؟، وإن فعلوا، هل سينتهى الرجل الذى صار فكرة لا يمكن مصادرتها؟

قلت لك ليست القضية فى عيسى، إنها فيمن يزعمون احترامهم للدستور والقانون. ومن يحاولون إقناعك بأنهم يخوضون حرباً شرسة على الإرهاب، فإذا بهم يحاولون إسكات واحد من أهم الجنود فى المعركة، قد لا تستوعب كفاءة هؤلاء معنى أن يكون عيسى من أهم جنود الحرب على الإرهاب، قد لا يفهم البرلمان، الذى مازال يجاهد قادته فى وضع الهمزات موضعها الصحيح فى الجمل المنطوقة، معنى الكلمة التى تواجه فكرة التطرف والإرهاب، قد لا تستوعب السلطة معنى أن يكون المرء فى خندقها فى معركة الإرهاب، لكنه ليس معها فى سياسات أخرى، وكأنها لا تريد لأحد أن يفكر، وقد لا تفهم أن تترك المشاهد بين خيارين من الرأى، أحدهما يمجدها والثانى يلعنها، فتترك كل من يضيقون بالتمجيد الزائف فريسة لمن يصبون اللعنات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل