المحتوى الرئيسى

أنت محور الكون!

01/01 23:55

أنا مؤمنة للغاية، إنني أُجادل نفسي بشكل جيد، ربما بشكل مفرط، إلى الحد الذي يجعلني أقسو عليها أحياناً.

لكن، ولواقعة قاسية قابلتني، تمثّلت في مقابلة الموت للمرة الأولى في رحيل أبي المباغت، لم أعد أُنصِت كما يجب، بل قسوت، وقسوت فقط.

كان ذلك إما بلوم نفسي على كل تقصير حصل، على كل لحظة غير مُستفاد منها كما ينبغي، حتى وصل بي الأمر إلى أنني صرت أنتهج هذا النهج مع نفسي تجاه كل شيء.

لوم الذات، حينما يتجاوز درجته المعقولة والمُقوِّمة لذواتنا، يتحول إلى سمّ يسري في عروقك ويُبطِل سلامة روحك بشكل تدريجي، إلى أن تصل إلى مرحلة ستجلد ذاتك فيها؛ لأنك أخفقت في شيء في حجم وبساطة قضاء ساعة خارج المنزل دون صُحبة أحبتك، أو شريك حياتك، وبلا أي أهداف أو نتائج سوى الاسترخاء المحض، فتُفكِّر أن تلك الساعة بالتحديد ستطاردك أيما مطاردة حينما -بعد عمر طويل- يموت من كان من المُفترض أن تصاحبه فيها أو يصيبه مكروه.

أو أن تجلد نفسك حتى على إخفاقات من حولك، وتُرجع أسباب كل شيء سيئ إلى تقصير نابع منك.

فما منك إلا أنك تُثقِلُ نفسك بذاتك، وبكل من حولك، ولا تكون إلا عبارة عن كتلة ذنب متحركة.

المسؤولية تجاه كل شيء تفتك بأعصابي كلما حدث عكس ما أرجو وأراه صحيحاً، أخي يُدخِّن، كيف تركته يصل إلى تلك المرحلة؟ صديقتي خلعت حجابها.. كيف حدث ذلك دون تدخّلي؟ ربما لو كنت فعلت كذا لما حصل ذلك؟

سوء فهم بين أمي وإحدى قريباتي.. هذا مسؤوليتي كلياً فأنا أفهم أمي جيداً وعليَّ أن أشرح الموقف وأصلح سوء الفهم.. وحتى لو حاولت، ولم تؤل الأمور لحلّ، أتيقن تماماً أنني فعلت شيئاً خطأ، وصولاً إلى تبرير وشرح نفسي وأفعالي ومقاصدي بشكل ملحّ كلما عارضني أحد المقرّبين "جداً"، إلحاحي على شرح "هذا سوء فهم منك صدقني، أنا أقصد كذا".

تجاوز الأمر مراحله الطبيعية في أساسيات التواصل، حتى صرت مُثقلة بأي شكل من الاحتكاك والتواصل أصلاً!

حاولت أن أهدأ قليلاً، أن أسمع نفسي، وليس ذلك الصوت البارد الذي لطالما استنكر عليَّ أفعالي ولامني على كل شيء إلى الحد الذي جعلني أتوقف بالفعل عن فعل أي شيء أياً ما كان، وأتحول إلى يرقة جامدة، مُتجمّدة، لا تنوي أن تغيّر مرحلتها أبداً.

أريد أن أتعرّف عليّ، أريد أن أتجاوز ذلك المجهود المُضني الذي أبذله لمجرد ألا أشعر بالسوء تجاه أي شيء يحدث في إطاري أو يبدر مني، كل ذلك الجهد المُفرِط والمُهدر لو كنت استطعت أن أبذله على تطوير نفسي وتحسين قدراتها واستغلالها، لربما صرت "ميشيل أوباما" بلا مبالغة!

وجدت أنه الفَهم، أن أكون أكثر واعياً، مبدئياً!

هل أعرف لماذا يصيبني الضيق إذا لم ينجح هذا الأمر؟ ولمَ أعوِّل على نفسي في إصلاح الآخرين بينما سقطت أنا دون أن أنتبه في غياهب الجُب؟! لمَ أريد إصلاح كل شيء؟ لم سُمّيت دنيا إن كان بإمكاني أن أجعلها ومجرياتها "بدون غلطة"؟

الحل كله يمكنُ في التقبُّل

تقبل أن هناك خطأ، هناك شيء سيئ في دائرتي المقربة وعليَّ تقبل أن محاولاتي لا تعني بالضرورة تغييره.

تقبُّل فشل المحاولات، تقبُّل حدوث سوء الفهم أحياناً، تقبل أن حقيقة كقُبح الموت حقّ ولا يمكن إصلاحها.

تقبُّل نفسي، أنني لست بهذا القُبح والضعف والهشاشة إذا ما بكيت، حاجتي بشكل معين لأشخاص معينين، انكساري أحياناً لأقل الأسباب، بكل زلاتي وضعفي وحاجتي ونقاط قوتي التي تنتظر أن تُكتَشف، بإخفاقي وخمولي يوماً.. وطاقتي وشغفي يوماً بعد يوم؛ بل تقبُّل أنه ليس علي بالضرورة أن أتقبل كل شيء.

أن أستسلم، بدرجة كافية، تجعلني أتأقلم أنني لن أتأقلم مع كل شيء؛ بل إنه ليس عليَّ ذلك من الأساس.

وأن الحقيقة الثابتة الوحيدة، أنك كلما فَتُرت، أجد دائماً أن إطالة السجود تُصلح تلك الثغرات، وكلما استهترت، وقررت العودة مجدداً، أجد موضع سجدتي دافئاً وينتظر.

شعرت أن الحل يكمن معي في كفّتين توازنان الأمر برمّته؛ كفّة معنوياتي الإيمانية، ومحاولاتي المضنية على مدار اللحظة في إبقائها حيّة، وكفّة تعرُّفي بشكل أنضج على نفسي، وإيلائها الاهتمام الذي أهدرته على محاولة "إصلاح" ما حولي.

أريد أن أحبني.. ماذا أفعل؟ كيف أُفكّر؟ ما الذي يشعرني بالرضا والفخر بنفسي لألعب على وتره؟ قراءة كتب؟ تعلم لغة؟ حفظ آية؟.. الشعور بالاستغناء المادي عن الأشياء والأشخاص الذين لطالما انتظرنا طويلاً أن ينتشلونا من أنفسنا ذاتها؟!

بالله إذا كنت أنا نفسي أعاني بهذا القدر لفهمي وتقويمي، كيف من المفترض أن أنتظر من أحد أن يفعل هذا الأمر عوضاً عني إلى أن أشعر بالتحسُّن؟! لن يحكّ جلدك مثل ظفرك.

كل تلك الأفكار بالنسبة لي على الأقل إنجاز مبدئي، أنني أعترف بتقصيري تجاه تقبُّل وحب ذاتي، استهتاري بمعنوياتها

ومعرفتي أن ذلك سبب كل الإخفاقات التي تتوالى.. التخطيط بشكل مدروس وواقعي ومتناسب مع ظروفي وشخصيتي سواء بالاستعانة بالكتب/ المقالات/ الدورات/ الأصدقاء/ القرآن/ والاستشارات النفسية ولو "أونلاين".. والبدء بالتنفيذ بشكل متواضع للغاية، حتى لا أرتبك أو أشعر بالإحباط من سرعة الإنجاز، وتقبل أنني سأخفق يوماً وأنجح آخر.

كل ذلك، أؤمن وآمُل، سيكون سبب التغيير.

قيلت لي عبارة: "الكون لا يتمحور حولك"، حينما وصفت فكرة أن كل شيء حولي يمسّني، وعلي ملاحظة أثره على نفسي لكي أتجنّب وقوعه إذا ما رأيته سلبياً، وأن الأهم على الإطلاق هو الاهتمام بنفسي وتدريبها، والكفّ عن محاولة تقويم كل شيء.

رأى أحدهم أنني بتلك الطريقة أجعل الكون يتمحور حولي.

في الواقع تلك العبارة كنت أقولها لنفسي وأنا أكبِتها كلما سئمت من إرهاقها وثِقَلِها وتيهها، وليس سواها ما أضرّني وجعلني أفقد سمعي لما يدور فيّ، بل وأقلل من قيمته وأعاملها بدونية ولا مبالاة وصولاً إلى مرحلة تكاد تطابق الاكتئاب المَرَضي في خطورتها.

ولكن.. لِمَ لا يتمحور كوني حولي؟! كيف لا يكون شغلي الشاغل هو أنا؟ واهتمامي الأكبر هو أنا؟ وإيثارها بالتقويم والتدريب عن مطاردتي للجميع لإصلاح "ما أراه خطأ يبدر منهم" رغماً عنهم هم شخصياً!

أن أفعل ما يجعلني أشعر بالإنجاز، والاستقلال، والسعادة، أن ينبع الاكتفاء والاستقرار النفسي مني أنا، وليس من علاقة بصورة معينة، أو بناء على سلوك شخص ما معي حينما يشعر بالرغبة في ذلك؟

لم أخاف من إمضاء وقتي وحدي؟ لم لا أستمتع بصُحبة نفسي بدلاً من لعن من استغنوا عن صحبتي، والشعور بالاكتئاب كلما وجدت أنني سأضطر لإمضاء وقت طويل وحدي في المنزل رغم وجود الكثير من المهام المؤجلة التي بإمكاني إنجازها.

لم أنتظر أن يؤنسني وجود أحدهم؟ ولا أشعر بأُنس نفسي؟ لم أستثقل مجهود أن أحقق لنفسي نجاحات صغيرة تضعني مجدداً على طريق حب ذاتي، والإعجاب بها مجدداً؟

لمَ لا أركز هذا المجهود الجبّار على كل شيء وشخص في إطاري، بينما لدي هذا الكسل والإحباط الجارف الذي يثبطني عن فعل أي شيء.. وجدت بئر أسئلة في العُمق، وفي إجابتها يلوح العلاج!

إذا تمحور كوني حولي، سأصير كوناً في ذاتي، متكاملاً، مستقلاً ومكتفياً ذاتياً وشعورياً؛ قوياً كفاية لأن يقف، ويفعل، دون تعويل على أفعال أشخاص بعينهم، أو مجريات ظروف بعينها.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل