المحتوى الرئيسى

بوتين حقق "انتصارات" في 2016.. لكن هذه الأسباب ستقوِّض قدرته على توسيع نفوذه وتضع حداً لقوته

01/01 23:17

في خطابه بمناسبة السنة الجديدة، الذي بدا وكأنه احتفالٌ بالنصر، شكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بلاده أمس السبت 31 ديسمبر/كانون الأول، في نهاية عامٍ من النجاح الواسع، تمكن فيه رئيس الكرملين من دعم نفوذ روسيا في الخارج، وكسب العديد من الحلفاء السياسيين الأقوياء.

ويتجه بوتين إلى عام 2017 بموقفٍ قوي، إذ توسط للتوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار في سوريا، استبعد منه الولايات المتحدة، وحصل على إشادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، بعد أن رفض اتخاذ أي رد فعل ضد قرار إدارة أوباما بمعاقبة موسكو على تدخلها المزعوم في انتخابات الرئاسة الأميركية.

وقال بوتين في خطابه المذاع على التلفزيون الوطني: "نحن نعمل بنجاح، ونُحقق الكثير من الإنجازات. أريد أن أشكركم على هذه الانتصارات والإنجازات، وعلى تفهمكم، وثقتكم، وحرصكم الحقيقي والمخلص على روسيا".

يتمتع بوتين بشعبيةٍ في وطنه على نحوٍ غير مسبوق، وبرزت مكانته على الساحة الدولية بفضل الدور الرئيسي الذي لعبته روسيا في عملية السلام السورية، وصعود سياسيين قوميين حلفاء له في العديد من الدول الغربية، الذين يفضلون الحفاظ على علاقاتٍ أقوى مع موسكو، فضلاً عن الانطباع السائد حول قدرة الكرملين على التأثير على الانتخابات بالدول الأخرى باستخدام القراصنة وماكينة الدعاية السياسية.

حتى في ذروة قوة الاتحاد السوفيتي سابقاً، كان الاعتقاد بقدرة موسكو على التدخل في انتخابات الرئاسة الأميركية ومحاولة التأثير على نتائجها خلال الحرب الباردة أمراً خيالياً، لكن وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) تقول إنَّ هذا ما حدث في الانتخابات الأخيرة. وربما يكون من المغري النظر إلى قائمة انتصارات بوتين على مدار الـ12 شهراً الماضية، وافتراض أنه لا شيء يقدر على إيقاف نفوذ الكرملين.

ولكن روسيا ليست الاتحاد السوفيتي، وهذه ليست الحرب الباردة، وموسكو لا تتطلع حالياً إلى فرض هيمنتها على مستوى العالم. فهدف بوتين يقتصر فقط على الحد من نفوذ الولايات المتحدة الأميركية، وضمان المصالح الحيوية الروسية.

كما أن قدرته على بسط نفوذه ما زالت مقيدةً بعوامل عديدة مثل الاقتصاد الروسي الضعيف، ومدى قدرة روسيا على بسط نفوذها حول العالم، التي تُعَد هزيلةً مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية.

لا يستطيع بوتين ممارسة نفوذه في أي مكان يريده، ولا يستطيع القيام بهذا بمفرده، وما زال كل هذا مرهوناً بمدى قابلية واستعداد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للعمل معه.

في الوقت الراهن، يبدو ترامب صديقاً أقرب إلى روسيا من المؤسسة السياسية التي يُوشك على إدارتها في واشنطن، وهو ما يتضح من خلال التغريدة التي نشرها ترامب على موقع تويتر لتأييد الطريقة التي تعامل بها بوتين مع عقوبات إدارة أوباما.

وقال أندريه كوليسنيكوف، الزميل رفيع المستوى لدى مركز كارنيغي في موسكو: "يحاول بوتين وضع قواعد جديدة للعالم بمساعدةٍ صغيرة من قبل السياسيين مثيري الشغب في الدول الغربية، لكن ما زالت روسيا ضعيفةً للغاية اقتصادياً، وما زالت هشّةً سياسياً".

بالفعل، تُعَد روسيا دولةً فقيرة مقارنةً بوضعها منذ ثلاث سنوات مضت، عندما كان بوتين يصارع الغرب في النزاع حول أوكرانيا. ووفقاً لإحصاءاتٍ نُشِرَت في صحيفة "موسكو تايمز" الروسية، وصل الناتج المحلي الإجمالي الروسي إلى ذروته عام 2013، ليبلغ 2.2 تريليون دولار، وتراجع منذ ذلك الحين ليصل إلى 1.3 تريليون دولار، أي أقل من إيطاليا، والبرازيل، وكندا.

بينما بلغ نصيب كل فرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من 9 آلاف دولار، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وما زالت روسيا معتمدةً على تصدير الموارد الطبيعية كمصدرٍ للدخل القومي، وتوقفت الإصلاحات الاقتصادية ومشاريع خصخصة الشركات العامة.

وتراجعت نسبة المواطنين الروس الذين يمتلكون مُدخراتٍ من 72% عام 2013 إلى 27% عام 2016، وفقاً لتحليل نهاية العام الذي نُشِرَ بموقع "غازيتا" الروسي. ولأول مرة منذ سبع سنوات، أصبح الروس ينفقون أكثر من نصف دخلهم على سلع البقالة.

ويقول أليكسي غوساورف، الذي يقدم برنامجاً حوارياً في إذاعة Ekho Moskvy (صدى موسكو): "لدى بوتين تصورٌ لروسيا، بينما يعيش العديد من الروس واقعاً آخر. لا يتقاطع الاثنان كثيراً".

تعتمد كل تحركات روسيا كقوةٍ دولية حالياً بالكامل على بوتين، وذلك لأنَّ الرئيس الروسي تمكَّن بفاعلية من تركيز السلطة في يديه.

وعلَّق فلاديمير فرولوف، محلل سياسي مقيم في موسكو، على هذا الأمر بقوله: "في روسيا، يقرر شخص واحد فقط ما الذي سيخدم أو يضر المصالح الوطنية الروسية. ولا يؤخذ في الاعتبار أي رأي مؤسسي أو شعبي".

ووفقاً لمركز ليفادا، حافظت القرارات التي اتخذها بوتين على شعبيته في ثمانينات القرن الماضي على نحوٍ مستمر، لكن 53% فقط من الروس يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الصحيح.

ويبدو أن بوتين على وشك الفوز في الانتخابات الرئاسية عام 2018، إذا ما قرر الترشح، لكن علينا الانتظار كي نرى إلى أي مدى سيسهم الضعف الاقتصادي في زعزعة هذا اليقين.

وفي هذه الأثناء، يستمر بوتين في توسيع نفوذه، وجزءٌ كبير من هذا النفوذ مبالغ في تقديره، فحاملة الطائرات الروسية التي غيَّرت موازين القوى في سوريا كان نجاحها مرهوناً بتجاهل الدول الأخرى لها والسماح لها بتحقيق هذا النجاح.

ويقول سايمون ساردزيان، مدير مشروع الشؤون الروسية لدى مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد، إنَّ بوتين نجح لأنه يختار معاركه مع الولايات المتحدة فقط عندما تكون المصالح الحيوية الروسية مهددة، أو عندما يكون لدى روسيا فرصة قوية ومقنعة لفرض هيمنتها.

ويضيف ساردزيان أنَّ النقطة الأساسية هنا هي ما إذا كانت الولايات المتحدة مستعدةً لتكريس كامل قوتها في التعامل مع روسيا: ففي أوكرانيا، لم تكن المصالح الحيوية الأميركية في خطر، ومؤخراً، قررت إدارة أوباما أن مصالحها في سوريا ليست مهددةً أيضاً.

ويتابع ساردزيان بقوله: "سعى قادة الاتحاد السوفيتي لمواجهة الولايات المتحدة في كل مكان وأي مكان. لكن آفاق بوتين محدودةٌ بشكل أكبر، إذ تُشكلها القدرات الاقتصادية لبلاده، وعوامل ديموغرافية وعناصر أخرى خاصة بمدى قوة الدولة".

وعبَّر بوتين عن هذا الأمر خلال مؤتمره الإخباري السنوي المذاع على مستوى البلاد، عندما ردَّ على دعوات ترامب بتوسيع ترسانة الأسلحة النووية الأميركية بقوله إنَّ سعي روسيا إلى تحديث ترسانتها النووية يهدف إلى التغلب على أي معتدٍ، وليس الدخول في سباق تسلح "لا نستطيع تحمل عبئِه".

وفي وقتٍ سابق، طرح مسؤولون بوزارة الدفاع الروسية فكرة استعادة القواعد العسكرية في كوبا وفيتنام، التي تعود لحقبة الاتحاد السوفيتي، لموازنة وجودهم الجديد في سوريا، لكنهم لم يحرزوا أي تقدم في هذا الشأن.

نرشح لك

أهم أخبار برلمان 2015

Comments

عاجل