المحتوى الرئيسى

ثلاث نسوة على الهامش.. عرض لفيلم «يوم للستات» - ساسة بوست

01/01 11:02

منذ 1 دقيقة، 1 يناير,2017

بعد إخراج مسلسل «ذات» المقتبس عن رواية لـ«صنع الله إبراهيم»، وإخراج مسلسل سجن النسا عن سيناريو «مريم نعوم»، تواصل المخرجة «كاملة أبو ذكري»، ما يبدو وكأنه مشروع مستمر لاستكشاف عالم نساء الطبقة المتوسطة، وما تحتها في مصر.

والنساء لدى «أبو ذكري» هم مرآة غاية في النقاء، تعكس أحوال المجتمع المصري السياسية والاقتصادية والثقافية بمنتهى الشفافية والأمانة، مسلسل «ذات» استطاع المرور بأربعة تحولات رئيسة في المجتمع المصري، مع رصد أحوال أسرة الفتاة – ثم الزوجة والأم والجدة فيما بعد – «ذات»، وتأثير العهد الناصري والساداتي والمباركي عليها، ثم الأمل الذي أعطته لها ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. وفي سجن النسا تقدم أبوذكري قصة ثلاثة سيدات يعانين الفقر والمذلة في ظل الأوضاع المزرية التي وصلت لها الطبقة تحت المتوسطة في مصر في آخر سنوات حكم مبارك، يرتكبن جرائم مخالفة للقانون والشرع ويلقى بهن إلى السجن، ومع بدء اندلاع «ثورة يناير» يتخذن قرارًا ببدء حياة جديدة.

وتدور أحداث فيلم يوم للستات في حارة شعبية تنتمي للعشوائيات، أيضًا يحكي ثلاث قصص لثلاثة سيدات، وأيضًا يعشن خلال السنوات الأخيرة لعهد مبارك، وأيضًا ينتمين للطبقة تحت المتوسطة. الفيلم من تأليف الروائية وكاتبة السيناريو «هناء عطية»، التي سبق وقدمت فيلم آخر عن الحياة في العشوائيات تحت اسم «خلطة فوزية»، وتقوم بأدوار البطولة النسائية فيه كل من «إلهام شاهين» و«نيللي كريم» و«ناهد السباعي».

الإطار العام للفيلم يتمثل في الإعلان عن افتتاح حمام سباحة ضخم في مركز الشباب القريب من الحارة، يتوافد شباب الحارة من الذكور من جميع الأعمار للاستمتاع بوسيلة ترفيهية لم يكونوا يحلمون بها.

يبدو الأمر بائسًا، فـ«شامية» (إلهام شاهين) تكاد تتعثر وتنكب على وجهها كل ليلة، وهي عائدة لمنزلها؛ نتيجة الطريق الغارق دومًا في مياه المجاري الطافحة، وبدلًا من أن تهتم الحكومة بإصلاح هذه المشكلة تقرر أن تزود الحارة بحمام سباحة! وكما قالت شامية لاحقًا لصديقتها «ليلى» (نيللي كريم) «مش كانوا يوزعوا الفلوس دي علينا أحسن».

يفاجأ رواد حمام السباحة بفتاة تزاحمهم، وهي «عزة» (ناهد السباعي)، الفتاة المندفعة المتشبهة بالصبيان المملتئة خليطًا من جنون السلوك وجمال الروح وطفولة القلب، يطلقون عليها «العبيطة».

تندفع عزة في حمام السباحة وسط مضايقات الأولاد والرجال، ويخرجها الشاب طيب القلب «بهجت» (إياد نصار)، مشرف حمام السباحة، بصعوبة بالغة، ويعدها أن يوم الأحد سيخصص ليكون «يومًا للستات» فقط، وأنه باستطاعتها نزول حمام السباحة بالمايوه، حيث ستشرف عليهن سيدة.

يغير «يوم الستات» بحمام السباحة مسار حياة شامية، وليلى، وعزة، الأولى سيدة في العقد الخامس من العمر، فاتها قطار الزواج، وتعمل منذ صغرها كـ«موديل رسم»، وتستمر في نفس العمل، لم تحب في حياتها، ولم تتمن الزواج، إلا من «أحمد» (محمود حميدة)، إلا أنه تركها وسافر للعمل في الخليج. ليلى فقدت زوجها وابنها، اللذين ماتا في حادث غرق عبارة «السلام 98» (عام 2006) قبل توقيت أحداث الفيلم بسنتين، ومن ذلك الحين لا تلبس سوى الأسود، وتجلس في محل العطور الصغير الخاص بها، مكتئبة وسط جو مظلم، إلا من لمبة صغيرة حمراء لا تغيرها أبدًا. عزة تقيم منذ صغرها مع جدتها المسنة، تقوم برعايتها وإطعامها وتحميمها، لا تعمل خوفًا من أن تحتاج إليها جدتها، ولا تجدها بجوارها، وتساعدنها نسوة الحارة في توفير الطعام لها ولجدتها، في شكل تكافلي اجتماعي نادر.

تخبر عزة جارتها شامية بخبر «يوم الستات»، وتقنع شامية صديقتها ليلى بصعوبة بالغة أن تذهب معهما للترويح عن نفسها، والخروج من الوضع النفسي السيئ. يذهب الثلاثي إلى حمام السباحة يوم الأحد، يزاحمهن الرجال على البوابة؛ يريدون منعهن – والأخريات – من الدخول، إلا أن كابتن بهجت يتدخل لصالح حق السيدات.

وعبر «رموز بسيطة وعبقرية» تفضح «أبو ذكري» السلطوية الذكورية في المجتمع، ومحاولة قمع الأنثى، ليس فقط لتحويلها لكائن ثانوي، أو للحصول والاستمتاع على كل المباهج والإلقاء إليها بالفتات، لا، وإنما من أجل مسخ كينونتها تمامًا والاستيلاء أيضًا على الفتات. حمام السباحة يرمز لتمكين المرأة للتعبير عن نفسها والاستمتاع بحياتها واتخاذ قرارات خاصة بها، ولو يومًا واحدًا في الأسبوع، ينازعها الرجال هذا الحق، وكأن 6 أيام كاملة لا تكفيهم.

تمضى الرموز كثيرة في الفيلم، ومنها «علي» أخو ليلى – أحمد الفشاوي- وهو شاب متعصب يحضر يوميًا للمنزل وسط زوبعة من الغضب، يتهمها بإثارة الفتنة عبر بيع العطور، ويتهم أباه بالخلاعة؛ لأنه يلبس «شورت» في المنزل، لا يعجبه الطعام الذي تضعه ليلى على المائدة، ويتهم المجتمع كله بالكفر، ثم في آخر اليوم يذهب إلى محل «ليلى»؛ ليطلب منها نقودًا؛ لأنه عاطل. المرأة عند علي، وعند الشريحة الذكورية التي يمثلها لا وجود لها، ليس لها مشاعر، وليس لها حقوق، وليس لها أملاكها، كائن مشاع، ليست إنسانة أصلًا. هذا الخلل يركز عليه الفيلم بدرجة كبيرة.

تدخل الثلاث نسوة إلى حمام السباحة أخيرًا، وسط العشرات من سيدات الحارة الأخريات، تمضى كاميرا «نانسي عبد الفتاح» شديدة الحساسية؛ لتنقل لنا مشاعر وعواطف هؤلاء السيدات، بعدما صار لهن عالم خاص. التحرر من الملابس والأعباء، والاحتفال بالحياة على طريقتهن، يفرشن الملاءات على حافة الحمام، ويأتين بحلل المحشي، ويأكلن وسط غناء المسجل العالي، ووسط رقص وضحكات بعضهن على أنغام الحالة «السريالية» العامة المحيطة بمشهد الحمام. تمضي الكاميرا أيضًا لتغوص بنا مع البطلات الثلاث في مياه حمام السباحة، وفي لقطات عبقرية تحت الماء تستطيع مديرة التصوير تجسيد حالة الفقد التي تعصر قلب ليلى، يخيل إليها أنها تشاهد ابنها تحت الماء، تمد يدها إليه، وتحتضنه، قبل أن تغيب عن الوعي. ترقب الكاميرا تعبير النشوة الطفولية على وجه عزة تحت المياة وفرحتها بالمايوه، قطعة الملابس التي تمثل بالنسبة لها مقاومة الحرمان والقدرة على امتلاك الأشياء والاستمتاع بها. أيضًا تنقل إلينا شعور شامية بعودة الروح لأنوثتها المطمورة، يتغلغل الماء تحت المايوه الذي يغطي جسمها بالكامل، تشعر بالبرودة تمس كل بقعة في جسدها، تشعر أنه أكثر من مجرد موديل أصم للرسم.

تقوم كابتن «مارجريت» – هالة صدقي – بانتشال ليلى قبل أن تغرق، تحتضنها شامية وتنجح في إفاقتها، تبكي ليلى لأول مرة منذ وفاة ابنها، تزغرد النساء أن ليلى قد ارتاحت أخيرًا. في نفس الوقت يسأل النساء شامية عن طبيعة عملها، تحكي لهم عن وظيفتها التي ورثتها عن أمها وخالتها، وتمثل لهم الأوضاع التي تتخذها أمام الفنانين، تضحك النسوة، بينما تنساب الدموع في عيني شامية، يطيبن خاطرها معترفات بأنها مسكينة وأن وظيفتها عبء ثقيل، وليست فرصة للانحلال كما كانوا يظنون.

يسترق «إبراهيم» (أحمد داود) النظر من ثقوب في فراشة الخيامية التي تحيط حمام السباحة حماية للسيدات من المتلصصين، تلفت عزة انتباهه بالمايوه ذي الألوان الزاهية – المايوه الوحيد في الجمع النسائي – وبضحكتها العالية، وبطاقتها الطفولية التي لا تنضب، يقابلها في الطريق ليلًا ويخبرها أنها معجب بها، ويريد رقم تليفونها، تبدو متشككة في البداية من نواياه، لم يسبق لأحد أن صارحها بمشاعر حب أو إعجاب، الكل ينظر إليها كـ «عبيطة الحارة» وفقط. تخبره أنه ليس لديها موبايل، ويعدها أنه سيشتري لها واحدًا.

من حمام السباحة إلى عالم القلوب

تتصاعد أحداث الفيلم وهو يتابع قصص الثلاث نسوة، اللائي، وعلى الرغم من وجودهن على هامش الحياة، حيث لا يلاحظهن أحد على الإطلاق، ولا يعنين شيئًا لأي أحد من ساسة الدولة أو المسئولين فيها، إلا أنهن يعنين لبعضهن البعض الكثير، يصارح أحمد شامية بأنه لم يتوقف عن حبه لها، وأن ظروفه العائلية والاقتصادية كانت سبب ابتعاده عنها. أحمد الذي ترك العمل في الخليج ورجع صفر اليدين بعد أن تم فسخ عقده. صعد يومًا إلى سطح المستشفى الخليجي المكلف بحراستها وأطلق وابلًا من رصاص طبنجته في الهواء، «عمري ما لمست الطبنجة، أمال أنا فرد أمن إزاي؟ ولزمتي إيه؟» هكذا يقول لصديقه الكابتن بهجت معبرًا عن أزمة «رجولة» وأزمة «هوية» وأزمة «تمكين» في المجتمع المصري كله، وليس شقه الذكوري فقط.

كابتن بهجت يتوقف عن إرسال رسائل نصية قصيرة لهاتف ليلى، يحاول فيها مواساتها ودفعها للمضى قدمًا في حياتها، يبدو أنه كان واقعًا في حب ليلى منذ زمن، والآن وبعد أن بكت ليلى واستراحت، فالأفضل له أن يتحرك للفوز بقلبها. يستطيع أخيرًا إقناعها بتغيير اللمبة الحمراء الخافتة، ويقوم بمساعدتها على تركيب لمبة بيضاء متألقة تنير ابتسامة وجهها.

«علي» المتشدد يحاول تلويث سمعة عزة بعد أن رفضت محاولاته الفجة لتقبيلها، يحاول أن يفضحها في القرية؛ فيمنعه أبوه «فرغلي» – فاروق الفيشاوي- وأخته ليلى، ويهم بضرب أبوه، لكن الحارة تمنعة وتلفظه خارجها.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل