المحتوى الرئيسى

وسط الأزمات وارتفاع الأسعار.. المصريون يستدعون ثقافة التخزين في السنوات العجاف

12/30 23:19

منذ نصيحة النبي يوسف -عليه السلام- لملك مصر بحفظ المحاصيل للسنوات العجاف، والتخزين ثقافة مصرية يمارسها الجميع كلما لاحت في الأفق أزمةٌ ما في سلعة يرتفع سعرها أو تختفي من السوق.

ويلجأ المصريون عادةً إلى تخزين كميات كبيرة من السلع والأطعمة والمنتجات الأساسية لفترات طويلة؛ تحسباً لاختفاء هذه المنتجات، وخاصة التي يعتمد عليها الشعب المصري في حياته اليومية.

وعاد الشعب المصري مؤخراً لثقافة التخزين، في ظل ارتفاع الأسعار واختفاء العديد من السلع من الأسواق؛ وذلك لمواجهة الأزمة ولو لعدة أشهر.

تحدثت "هافينغتون بوست عربي" مع العديد من المواطنين المصريين حول تخزين السلع المختلفة حالياً، وأسباب لجوئهم إلى ذلك؟

أحمد حسن، اشترى كمية من الدواء أكثر من المعتاد ووضعها في حقيبته، متمتماً بلهجة مصرية: "محدش عارف بكره نظامه إيه!". واستشهد بالآية الكريمة: "وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف"، مضيفاً: "شراء ما يلزمنا من الدواء أو السلع لن يمنعنا من مواجهة موجة الغلاء، ولكن سيحمينا على الأقل لعدة شهور، خاصة أن كثيراً من الأدوية تختفي من السوق".

ومثله أيضاً، اشترى حسن، خطيب مسجد في منطقة بولاق بالجيزة، أضعاف كمية الدواء التي كان يشتريها كل شهر له ولوالدته المريضة، ما أصاب الصيدلي بالدهشة، لكن الخطيب قال: "وسائل الإعلام تشير إلى موجة ارتفاع أسعار مرتقَبة، لذا قررت شراء كمية تكفيني لعدة أشهر".

خطيب المسجد المصاب بالقلب، يشرح بأن تخزين الدواء ليس لمواجهة ارتفاع الأسعار فقط، ولكنه كثيراً ما يريد شراء الأدوية ولا يجدها؛ "نظراً لتعاملي مع إحدى الصيدليات الشهيرة باستمرار، فإنها توفر لي ما أحتاجه".

ساهم في تخوف المصريين وإقبالهم على تخزين الأدوية ما أكدته العديد من الصحف المصرية، من أن مجلس النواب سيوافق على قرار الحكومة برفع أسعار الأدوية.

وقالت مصادر لصحيفة الوطن المصرية، إن مجلس الوزراء وافق بالفعل على القرار، وإنه تم عقد جلسة نقاشية مع مجلس النواب من حيث الشكل فقط؛ لعدم إهانة صورة المجلس، وإن القرار متفَق على إصداره.

وتشهد مصر موجة من الغلاء تكاد تكون يومية، فمعظم السلع الأساسية ارتفع سعرها باطراد خلال الأشهر الماضية فقط، وفقد الجنيه المصري أكثر من 130% من قيمته منذ عملية تحرير سعر الصرف أمام العملات الأجنبية، بعد أن قرر البنك المركزي تحرير سعر صرف الجنيه (تعويم الجنيه) في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليرتفع بعدها سعر الدولار الأميركي من 8.88 جنيه، إلى ما يقرب من 20 جنيهاً بالبنوك الرسمية.

كثير من المصريين لجأوا إلى تخزين السلع ومستلزماتهم؛ نتيجة ارتفاع أسعارها بشكل يومي تقريباً، إضافة إلى أن بعضها يختفي أساساً من السوق. ولكن، هل تنجح سياسة التخزين الآن كما نجحت في أزمنة مضت؟

يحكي التاريخ أن المصريين اتبعوا عادة التخزين مع كل أزمة تمر بها البلاد، ربما منذ أيام سيدنا يوسف والرؤيا التي رآها الملك "عزيز مصر" وتم تفسيرها بأنه سيأتى 7 سنين عجاف تمر بها البلاد فأوحى الله إلى سيدنا يوسف بالنصح بالتخزين.

وكانت طريقة التخزين في ذلك الوقت ترك البذور أو الحبوب في سنابلها -مثل الأرز والقمح والذرة- حيث تترك على حالتها بعد حصادها من الأرض؛ لأن وجود الغلاف عليها يمنع تعرضها للرطوبة.

وقد نجحت نصيحة سيدنا يوسف حينها وخرجت مصر آمنة بعد السنين العجاف.

ثم بدأ تطوير أسلوب التخزين من "الصوامع الطينية" التي كانت موجودة في كل منزل بالريف المصري، إلى أن أصبحت صوامع حديدية متسعة تستعملها الشركات حالياً، مثل المطاحن والمضارب.

وبعد هزيمة مصر في حرب يونيو/حزيران 1967، عاد الشعب إلى التخزين مرة أخرى، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي خلال فترة الحرب.

مصطفى إسلام، سائق ميكروباص، لجأ إلى تخزين عدد من "جراكن البنزين والجاز"، بعد أن سمع أقاويل عن ارتفاع أسعار البنزين مع بداية العام الجديد.

يقول إسلام، لـ"هافينغتون بوست عربي": "إن أسعار البنزين والسولار مرتفعة من الأساس حالياً، ولكن تخزين عدد من الكميات يكفيني لمدة معينة ويخفف المصيبة قليلاً".

وكشف العديد من نواب البرلمان عن ارتفاع جديد في أسعار الوقود، ستفرضه الحكومة في يناير/كانون الثاني؛ تنفيذاً للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بهدف الحصول على باقي شرائح القرض، بحسب مصادر صحفية.

وسبق أن توقعت شركة بلتون المالية، أن ترفع الحكومة في مصر أسعار البنزين والسولار نحو 100 أو 150%، موضحة أن تعويم الجنيه واتفاق أوبك دفعا فاتورة الدعم للزيادة بنحو 150% لترتفع إلى 90 مليار جنيه.

ولم ينقطع المصريون في بعض المناطق بـالريف عن عادة تخزين بعض السلع من الأرز وغيره مع بداية كل عام أو مع موسم الحصاد في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر. لكن اللجوء إلى التخزين حالياً أصبح ما يشبه الظاهرة؛ تجنباً لأزمة اختفاء السلع مثلما حدث مع السكر، والزيت، والأرز، وغيرها.

فلم يعد التخزين قاصراً على الفقراء فقط، وإنما أصبح نوعاً من الثقافة العامة. ويقول فهمي حسانين، مستثمر ورجل أعمال، لـ"هافينغتون بوست عربي"، إنه اتفق وبعض أصدقائه على "تخزين السلع الأساسية التي نحتاجها يومياً… قررنا شراء عدد من أرادب الأرز وتوزيعها على كل بيت بحيث تكفينا عدة أشهر أو عاماً".

ويتابع فهمي: "اتفقنا أيضاً على الاشتراك في شراء عجول وذبحها وتوزيعها علينا. كنا سابقاً نستخدم الثلاجات لحفظ عدة كيلوغرامات من اللحوم، وكذلك بعض السلع من بقوليات وأجبان وغيرها لتكفينا عدة أيام. أما الآن، فالأوضاع تشعرنا بالقلق، والأسعار لا تتوقف عن الارتفاع، لذا نعمل على أن نضمن غذاءنا ولو لبضعة أشهر أو لعام بأسعار اليوم".

اللجوء إلى خبز "العيش" بالمنزل بدلاً من شرائه أيضاً، رأى فيه البعض حلاً لجانب من الأزمة، فاستعانوا بأقاربهم في الريف والمناطق الزراعية لخبز كميات من الخبز وإرسالها كل شهر لتكفي مدة طويلة.

ولا يتوقف التخزين على سلع بعينها؛ بل يمتد من الأرز إلى الذهب، كما فعل أحمد، الشاب العشريني من منطقة باب الشعرية بالقاهرة، والذي اشترى 80 غراماً من الذهب المستعمل عيار 21 في مايو/أيار الماضي، وقت أن كان سعر الغرام 370 جنيهاً، بالمبلغ الذي كان بحوزته وقتها. فقد نصحه بعض أصدقائه بشراء الذهب وقتها؛ لأن سعره سيرتفع، وبالفعل تخطى غرام الذهب الآن بعد نحو نصف عام من شرائه 600 جنيه، أي نحو الضعف.

بعض المواطنين قالوا لـ"هافينغتون بوست عربي"، إنهم لجأوا أيضاً إلى تخزين عبوات ألبان الأطفال، خاصة بعد الأزمات التي شهدتها تلك السلعة الفترة الماضية.

إقبال المصريين على التخزين تخوفاً من اختفاء السلع أو ارتفاع أسعارها مستقبلاً، ربما كان له آثار سلبية، حيث يستغل بعض التجار توقعات ارتفاع الأسعار وإقبال المواطنين ليرفعوا الأسعار أو ليخزّنوا هم السلع إلى حين ارتفاع الأسعار لمزيد من الربح.

ويتعمّد بعض المستوردين تخزين سلع معينة لفترة؛ نظراً لعلمهم بنية رفع أسعارها في وقت محدد، وبعدها يبدأون في ضخها بالسوق بعد أن ترتفع الأسعار بالفعل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل