المحتوى الرئيسى

حياة جديدة.. أستراليا "3"

12/30 22:30

إنها الحياة لا تعرف كيف تباغتك... قالت الفتاة، الآن عرفت إجابات عن أسئلة كثيرة... عرفت سبب انشغاله عني وإصراره الدائم على أن أتابع حياتي حتى لو لم يكن هو معي.

ليتني ما عشت حتى هذا اليوم... من قبل لم أكن أشعر بثقل السنين، أما الآن فقد أصبحت هشة وأي شيء يبكيني.

ما زلت أتذكر لقائي الأول معه، كان ذلك أمام الشجرة الصفراء، حيث كان الخريف، حينها بدأت القصة... لكني نسيت أن أخبره بأن الذاكرة لا تنسى، ومهما حاولنا، فإننا لا نشفى من ذاكرتنا.

وقفت حائرة أمام شكوى الفتاة، وأمام ذلك البوح الأنثويّ... فقد كان قلبها مجروحاً. صدق نزار قباني حين قال "كل شيء يتحوّل إلى ماضٍ إلا اللّحظة الّتي ينكسر فيها القلب تبقى حاضرة إلى أن تموت". لكن ماذا سأفعل مع هذه المسكينة، وأنا لا أملك أمام هذا الكم الهائل من الأسئلة المربكة إلا ألم الإجابة، فهذا الرجل هو من أسعدها وأشقاها، مد يده لها، وبعدها تخلَّى عنها، دللها ومن ثمَّ أهان أنوثتها.

في الواقع، لا أحد يشك في نوايا الحب الإجرامية... ورغم انتشار الخيبات العاطفية إلا أنك كلما ازددت حباً أرداك الحب قتيلاً... إلا أنني أؤمن بأن أقصر الطرق للحب هي تلك التي تسيّرك وأنت مغمض العينين، فتقودك نحو قدرك العشقي. هذا القدر الأعمى البصيرة الذي مهما حاولت فيه جاهداً تنبيه العاشق، إلا أنه سيقع فيه لا محالة.

وما الذي سيفعله هذا العاشق المسكين، وجميع مناطق التفكير والمنطق قد أصبحت عنده معطلة، لذلك قالوا "الحب مطب والعاشق أعمى". أما عنِّي فأعتقد أن مخاطر الحب تكمن حين نبدأ بنشر آمالنا في حلم، ونبدأ بالانتظار، حينها ستعود تلك الأحلام لتخبرنا بأنه لا يوجد لنا أي حبيب ينتظرنا.

اليوم هو عطلة، ولا شيء أجمل من أن يتذكرك أحدهم وأنت في وحدتك ليخبرك بأنه سيصطحبك معه في نزهة. ذهبنا معاً في السيّارة إلى منطقة تسمّى وادي باروسا Barossa Valley. هذا الاسم كان قد أطلقه "وليام لايت" المؤسس الأول لمدينة أديليد على هذا الوادي الجميل، حيث يبعد الوادي عن مدينة أديليد بالسيارة حوالي عشرين دقيقة.

عبرنا أراضي منبسطة من مزارع الكروم التي لا يحدّها بصر. وفي لحظة ما لاحت لي من بعيد مقدمة لجبال خضراء وهي تحتضن أشجار الصمغ، علَّ هذه الشجرة الضخمة، هي نفس الشجرة التي قطع منها شيخ قبيلة وادي باروسا غصنين، ومن ثمَّ أهداهما للأمير تشارلز وزوجته كاميلا، حين زارا الوادي. حيث يعتبر هذا جزءاً من الترحيب التقليدي لأهل البلد، كما يستخدمون تلك الأغصان لإبعاد الذباب المنتشر في فصل الربيع.

عمارة الأبنية بدأت تختلف، وبدا السحر الأوروبي واضحاً على المباني التراثية، والمخازن العتيقة، وأكواخ الحجر، وكأنها امتداد للوسط الطبيعي الذي يحتضنها... تشاهد أهالي المنطقة كباراً وصغاراً فتشعر بما في صدورهم، لكل منهم أحلامه وآماله، فبعضهم يبيع الفواكه والخضراوات، والآخر الخبز الطازج والحلويات. فهو أفضل مكان للشراء المباشر من المزارعين، وهو من أكثر المحطات شعبية لشراء الزهور والعسل وزيت الزيتون والتوابل والمكسرات والشيكولاتة.

حملتنا خطواتنا الحالمة للجلوس في أحد المتنزهات، الذي تتناغم فيه ألوان الطبيعة بشكل جميل... تزاحمت الصور في ذهني... فسحبتني معها إلى دهاليز الذاكرة... وضعتني وجهاً لوجه مع السيران الشامي العتيق، وتناول الطعام في البستان أو على ضفة النهر. فلا توجد جلسة أجمل من تلك التي يتعادل فيها الأغنياء والفقراء في الحصول على نصيبهم من جمال بلدهم. اخترنا أحد المقاعد الخشبية الموجودة تحت شجرة صمغ كبيرة.

تسلَّل نسيم عليل من أرجاء المحيط، وبدأ يتودد إلى وجنتي في لطف، وشعرت بكثير من الانتعاش. في هذه اللحظة دخلت فتاة جميلة في عمر الشمس، ترتدي بنطالاً خفيفاً، وقميصاً أزرق اللون بأكمام طويلة. اتخذت لنفسها مكاناً على أحد المقاعد الخشبية بجوارنا، ووضعت إحدى ساقيها بلا مبالاة على حافة حجر صغير. كانت تضع قلادة فضية كبيرة، وبعض الأساور التي كانت تتحرك مع حركة يدها من تحت الكم. وهي تتكلم مع شخص ما على الهاتف المحمول.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل