المحتوى الرئيسى

كيف يتصيدنا التكفيريون؟ | المصري اليوم

12/30 22:19

نحن لسنا على ما يُرام! وكيف نكون ومازلنا نناقش أمورًا ونتناحر حول أمور حسمَها العالمُ وانتهى منها منذ قرون، ولم يعد يذكرها إلا عبر سطر فى كتاب التاريخ أو سطرين، يقرأها التلاميذُ ووجوههم تكسوها الدهشة والتعجّب! انتهى العالمُ المتحضّرُ من قضايا التنوير فى القرن الخامس عشر، بعد عشرة قرون قضاها فى الظلام القروسطى، وبدأ منذ ذلك العهد فى بناء مجتمعات صحية تبتكر وتُبدع وتخترع وتُصنّع وتُصدّر للعالم عصارات فكرها وفنّها وعلمها. بينما نحن نعود القهقرى إلى المربع رقم «صفر»، بعدما «كِدنا» أن نبرحه قبل ثمانين عامًا. ومن المحزن، والمُخزى، أن الوليد بن رشد حمل مشعل التنوير الأول فى القرن الحادى عشر، لكن رجالا يكرهون الحياة والحق أطفأوه قبل أن تمتدّ لنا جذوةٌ من ضيائه. وحين ظهر من بيننا رجالٌ ونساءٌ أذكياء مثقفون حاولوا إعادة إشعال ما انطفأ، حوربوا وقُتلوا وسجنوا، وكأننا أمةٌ تكره النور وتعشق الظلام! نحن على غير ما يُرام مادمنا حتى الآن لم نر مدرسة أو جامعة أو ميدانا يحمل اسم «ابن رشد» أو «فرج فودة» أو «نصر حامد أبو زيد» أو سواهم من حاملى مشاعل التنوير. أولئك الذين نذروا أعمارهم حتى يُعيدوا ثوبَ الدين ناصعًا فى أذهان الناس والعامة، بعدما لوّثه تجّار الدين الارتزاقيون ولطّخوه بسموم أفكارهم وشهواتهم ومطامعهم. نحن لسنا على ما يُرام مادامت حكوماتُ مصر المتعاقبة وحُكّامُها المتعاقبون غير قادرين على الجهر بأسماء التنويريين الأوائل، والراهنين، وتكريمهم بعدما غُدروا وقُتلوا وكُفّروا وسُجنوا، وتم تشويه سيرتهم فى عقول البسطاء وكتب التاريخ المزورة. وكأن مصرَ، أعتذر، ليست مصر بل القائمين عليها، كأنهم ينهجون خطّة ممنهجة لتفريغ مصر من نخبتها الفكرية لتقبع الجميلةُ الحزينةُ تحت طبقات الظلام لا تبرحها. وكأن مصرَ، أعتذر مجددًا، أقصد القائمين على مصر، سعداءُ بما ينسبه التكفيريون للإسلام من أدران ودموية فكانوا بئس دُعاة له، وغدوا هم الُمنظَّرين الرسميين لما تفعله داعش عمليًّا من نحر أعناق وتمزيق أوطان.

أقولها باطمئنان، وبمرارة فى حلقى، أن سيلَ الاغتيال الأدبى والمعنوى والأمنى لمثقفى مصر لن يتوقف، مادمنا لم نستطع بعد تكوين جبهة صلبة من المستنيرين فى وجه الظلاميين، ويظل أسدُ التكفير والترويع والقتل والسجن وتشويه الدين ينهشنا فرادى مع كل نهار جديد. المثقفون فى مصر، بكل أسف، مشتتون وغير متفقين على التكتّل جبهةً واحدة. لا أعنى الاتفاق على رأى واحد، فذاك مرضٌ وفقرٌ، والاختلاف ثراءٌ وغِنى، إنما أعنى الاتفاق على مبدأ التنوير ومحاربة الظلام يدًا واحدة، وليس كلما سقط منّا أحدٌ بكيناه يومين، ثم يُنسى ويمضى إلى حيث يمضى المنسيون. المثقفون فى بلادى، يتناحرون على صغائر، مشغولون بنزيف يومهم وأزمات بلادهم، فلا يجدون العزيمة لمناهضة الظلاميين، فتستأسد علينا الخفافيشُ قناصةُ الأفكار ويتصيدوننا طريدةً طريدة. وكلٌّ أتٍ دورُه.

ونحن صغارٌ، علمونا أن فى الاتحاد قوّة وفى التشرذُم ضعفًا وانكسارًا. قالوا لنا: «تأبى الرماحُ إذا اجتمعنَ تكَسُّرا/ وإذا افترقن تكسّرتْ آحادا». وحكوا لنا قصة: «الثيرانُ الثلاثة»، الشهيرة، التى انتهت على لسان الثور الأبيض قائلا وهو يحتضر: “أُكلِتُ يوم أُكِل الثور الأسود”.

أيها المثقفون، فى مصرَ وفى أرجاء العالم العربى السعيد، أُكِلنا جميعًا يومَ أُكِل «طه حسين» و«فرج فودة» و«نجيب محفوظ» و«نصر حامد أبو زيد». بل منذُ أُكِل ابن رشد، والسهروردى والحلاج وابن عربى.

سيتصيدوننا واحدًا إثر واحد طالما لا نكوّن جبهة تنوير صلبة لا يقوون عليها. سيلقون بشباكهم السوداء علينا، فنسقطُ واحدًا واحدًا لأن بيننا الخائفَ والمرتعبَ والمذعورَ والمُزايدَ والمراهق والمُسطّح والطامعَ والأنانيَّ. سنقعُ جميعُنا فردًا فردًا مادام المثقفون مُشتتين متناحرين وفرقاءَ.

ليس أمامنا إلا تكوينُ جبهة تنوير صلبة لكى نقشِّر أكوامَ الصدأ عن العقول ونزيح طبقات الظلام الكثيفة عن الأدمغة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل