المحتوى الرئيسى

قرار مجلس الأمن 2334 ودلالته واستراتيجية مواجهة إسرائيلية

12/30 21:32

كان تناغم انتهاء ثمانية أعوام من الجمود السياسى بين إسرائيل والفلسطينيين مدويا: قرار مجلس الأمن 2334. وحدث ذلك نتيجة استراتيجية فلسطينية تفضل المواجهة مع إسرائيل فى المؤسسات الدولية على المفاوضات، ونتيجة سياسة وسلوك إشكاليين لكل من إدارة أوباما وحكومة نتنياهو. وأوصل هذا القرار عملية السلام التى تسعى لتحقيق حل الدولتين، إلى أدنى نقطة منذ 2008.

لقد أوصل الرئيس أوباما ورئيس الحكومة نتنياهو إسرائيل إلى حضيض سياسى صعب، وإلى قرار شديد الإشكالية بالنسبة لإسرائيل وبالنسبة إلى عملية السلام فى آن معا. لقد ألحق أوباما فى خطوة معادية لإسرائيل واضحة وقاسية الأذى بأهم حليف له فى الشرق الأوسط. وقدم نتنياهو بقصر نظره وبالطريقة التى أدار فيها السياسة الخارجية الإسرائيلية، فى نهاية سنة 2016، هدية دبلوماسية إلى الفلسطينيين الذين جرت تبرئتهم من تحمل مسئولية الجمود فى عملية السلام، وحصلوا على هدية سياسية مهمة من المجتمع الدولى.

إن عدم استخدام الإدارة الأمريكية حق الفيتو منح هدية أغلى من الذهب إلى رافضى إجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، وأضعف إلى حد كبير فرص معاودة المفاوضات الثنائية بين الطرفين فى المستقبل المنظور، فالفلسطينيون لا يستطيعون السماح لأنفسهم باتخاذ موقف أكثر اعتدالا من موقف مجلس الأمن وسيستنتجون بأن التجاوب مع مطالبهم سيأتى من الأمم المتحدة وليس عن طريق المفاوضات مع إسرائيل. وفى المقابل، إسرائيل ليست مستعدة لبدء مفاوضات مع شرط مسبق يقضى بترسيم وتحديد الحدود بينها وبين الدولة الفلسطينية العتيدة. وعوضا من «الانسحاب من أراضٍ إلى حدود معترف بها وآمنة» وفق القرار 242، ستطالب إسرائيل بحدود 1967 كنقطة انطلاق بما فى ذلك القدس الشرقية. ومرة أخرى، كمؤشر على القطيعة بين حكومة إسرائيل والبيت الأبيض من المهم التشديد على أن إدارة أوباما لم تبذل أى جهد من أجل تنسيق مواقفها مع إسرائيل ومحاولة التخفيف من القرار، وتحييد الألغام التى ينطوى عليها فيما يتعلق باستئناف المفاوضات وفرص التوصل إلى حل الدولتين.

القرار إشكالى فى سبعة أبعاد:

1 ــ بالنسبة لإسرائيل، فإن المقاربة فى أساس القرار 2334، والقائلة إن «ما ينطبق على حائط المبكى ينطبق على مستوطنة يتسهار» أو «ما ينطبق على أحياء راموت فى القدس ينطبق على مستوطنة ألون موريه»، تسقط كل فرص إجراء مفاوضات هدفها الدفع قدما بحل الدولتين.

2 ــ يقوّى القرار الرفض الفلسطينى واستراتيجية الامتناع عن المفاوضات مع إسرائيل، على أمل حدوث إملاء دولى لأطر الحل. بناء على ذلك، فإن القرار سيشجع الفلسطينيين على التمسك برفض العودة إلى المفاوضات وعلى عدم إبداء مرونة.

3 ــ زاد القرار من خطر ملاحقة إسرائيل على المستويين السياسى والعسكرى أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى. وفى أجواء «المطاردة القانونية» للزعماء والقادة العسكريين، سيكون من الصعب إجراء مفاوضات سلام.

4 ــ حركة نزع الشرعية عن إسرائيل ومقاطعتها ستقوى وستحظى بدعم معنوى وسياسى، وهذا يمكن أن يترجم بخطوات قانونية وسياسية وجماهيرية واقتصادية.

5 ــ القرار سيطرح المشكلة الإسرائيلية كموضوع خلافى بين الديمقراطيين والجمهوريين وسط الجمهور الأمريكى، وسيشكل خطرا على دعم الحزبين لإسرائيل، والذى يعود إلى سنوات طويلة.

6 ــ يتضمن القرار مساسا بالردع الإسرائيلى الذى يستند فى جزء كبير منه إلى التحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة ودعمها لإسرائيل.

7 ــ التقرير بشأن الموضوعات التى تطرّق إليها القرار والذى من المفترض أن يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة كل 3 أشهر، سيضمن اهتماما دائما بالمشكلة على حساب موضوعات أكثر أهمية، وسيغذى حملة متواصلة معادية لإسرائيل.

على الرغم من كل ذلك، من المهم التشديد على أن القرار لم يُتخذ تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولذلك فهو لا يسمح بفرض عقوبات وبأن تتخذ الأمم المتحدة خطوات عملية أخرى ضد إسرائيل من دون قرار آخر. ويمكن تقدير أن الإدارة الجديدة فى الولايات المتحدة التى ستكون أكثر دعما لإسرائيل من إدارة أوباما، ستستخدم حق الفيتو ضد أى محاولة لتمرير قرار على أساس من هذا البند.

من الأفضل أن تتبنى إسرائيل استراتيجية فعالة ترتكز إلى اتفاقات مع الولايات المتحدة تفرق بين المستوطنات فى الكتل الاستيطانية الكبرى والمستوطنات المعزولة، حيث يجب أن تجمد إسرائيل أعمال البناء. وفى نظرة أوسع، يتعين على إسرائيل أن تثبت التزامها بأفق الدولتين فى المستقبل من خلال سلسلة خطوات هدفها إحداث تغيير فى التوجهات الحالية تقدم هى على المبادرة إليها. فى هذا الإطار، يجب على إسرائيل المبادرة إلى خطوات تهدف إلى تشجيع بناء مؤسسات فلسطينية فاعلة وتوسيع حكمها الذاتى، وترسيخ منظومة اقتصادية فلسطينية مستقرة، وإنشاء بنية تحتية تتيح تواصلا بين أجزائها ــ كل هذا كأساس لدولة فلسطينية عندما تنشأ ظروف قيامها. ومن المهم من أجل تحقيق هذه السياسة مشاركة الدول العربية البرجماتية بدعم من إدارة ترامب وبقيادتها. ومن المفهوم أن مثل هذا التغيير فى السياسة ستكون له انعكاساته فى الساحة السياسية فى إسرائيل. وفى هذه الساحة يجب على رئيس الحكومة لجم الخطوات المتطرفة لليمين الهامشى، الذى بات يوجه فى الفترة الأخيرة خطوات الحكومة من خلال سياسة تشريعية تسىء إلى مكانة إسرائيل فى الساحة الدولية.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل