محمود الدسوقي يكتب: الوهابية في الدولة السعودية.. حين ينظرون لحلب والموصل وصعيد مصر واليمن على أنهم كفار يعشقون القتال

حين تكون مجبرا في عرض قضية تخص وطنك وإقليمك الذي يشهد منذ فترة تقطيع أوصاله واختلال الجغرافية فيه بسبب التنظيمات الممولة بتروليا  أذهب هناك لروح الوثيقة ماأخلفته  الكتابات القديمة  أقرأها وتسائل وحين تتعبك الحيرة أبدل المثل الشهير للملكة العربية السورية الشهيرة الزباء "بيد عمرو وليس بيدي" حيث تلك الأيدي التي خطت هذه الأحرف هي القادرة علي أن تهدينا السبيلا في طرق مسدودة ومغلقة.

في عام 1905م في بدايات القرن العشرين وقبل تقسيم الخريطة العربية في عام 1917م بمقدار 12 سنة كشف عرض ثقافي لكتاب أصدره أحد مؤرخي المذهب الوهابي السلفي في الإحساء في جزيرة العرب في وقت قيام الدولة السعودية الأولي  وهي الدولة التي أنشأت في منطقة  الدرعية عام 1777م واحتضنت المذهب الوهابي واستمرت في التوسع حتى استطاع العسكري المحنك إبراهيم باشا القضاء عليها الكثير من عوالم الوهابية الخفي حال ظهورهم في المنطقة العربية.

يتناول العرض الذي ينشره موقع البداية  كتاب المؤرخ الأحسائي والذي نشر في عام 1905م  والذي تناول في أحد فصوله التي تعج بمدح مؤسس الشيخ محمد ابن عبدالوهاب وورعه وتقواه رؤية المذهب الوهابي لأهالي حلب بسوريا وصعيد مصر والإحساء والبحرين والقطيف والموصل والأكراد بالعراق  بأنهم كفار من أصحاب البدع والشرك والضلال وأنهم يعيشون في جاهلية  وضلال وأنه لابد من إرجاعهم لحظيرة الدين الصحيح من وجهة نظرهم الوهابية أيضا .

لماذا ينشغل الوهابيون بهذه البلاد سوريا ومصر والعراق و من قديم الزمان يشكلون فيها تيارات سلفية ترفع مذاهبهم ويرون أنهم أحق من غيرهم بإنقاذها من الشرك والضلال ؟ وعبادة الأوثان يهدمون معابدهم وقبورهم ويجبرونهم  علي أن ينظروا لله مثل نظرتهم  تلك النظرة الأحادية الجانب ؟ هل لأنه أمر ديني أم لأنه أمر سياسي في الأساس ؟ أم لأنه حلم قديم في التواجد والغزو والتوسع ؟ الإجابة علي السؤال تقتضي منا أن ننظر للكتابات التي صاحبت مؤسس الدعوة محمد بن عبد الوهاب حيث كان عنوان أحد الكتب " روضة الأفكار والإفهام لمرتاد حال الأمام وتعدد غزوات ذوي الإسلام ؟ وهو الكتاب الذي اعتمد عليه عرض مجلة المقتطف فقامت بعرضه مع أخذ شهادات حية من أهالي نجد بسبب كثرة القتال في المنطقة بعد ظهور الحركة الوهابية.

أفاض الكتاب الذي ألفه حسين بن غنام الأحسائي مثلما نشرت المقتطف  في عرض مايفعل أصحاب البدع والكفر والضلال في  بلدان اليمن والأكراد بالعراق وحلب بسوريا وصعيد مصر ودمشق والموصل وبغداد والبصرة والقطيف والبحرين من نذور لأصحاب المقامات والشيوخ واستشهد بقصائد تدعو لترك هذا المجتمع فرارا بسلامة دينه مؤكدا " فلم يبق للراجي سلامة دينه سوي عزلة فيها الكتاب جليس " ألا تذكرك هذه الأشعار بهجرة المجتمع الكافر وعدم معايشته عليك أن تؤمن أن السلفية أقدم من الإخوان ومن ولاهم في رفع راية الخلافة بعد سقوط الدولة العثمانية التركية.

يوجد في العرض القديم لكتاب مؤرخ الوهابية عدة شهادات مهمة منها أن هناك تاريخ آخر للوهابية بعيدة عن تنظيرها الديني حيث قالت بصيغة جازمة أنه كتاب سياسي أكثر مما هو علمي لها  حيث يذكر الكثير من الوقائع المهمة بين ابن عبد الوهاب والدولة العثمانية وهو الكتاب المجهول الذي تؤكد المقتطف قائلة لورآه أحد المستشرقين لطبعه علي علاته ربما لأهميته الكبري الخافية علينا نحن حتي الآن – تري علي أي نظام سياسي كانت تتكلم الوهابية التي كانت تنظر حولها في المنطقة فتري الكفر والضلال -؟.

حين ظهر محمد ابن عبد الوهاب علي سطح الأحداث عاشت جزيرة العرب في الحجاز ونجد من الكفر المتبادل بين فريقين الفريق الأول من علماء الحرمين الشريفين الذين رفضوا هدم القباب علي قبور الصحابة والقباب الخضراء المتواجدة علي رفات زوجات النبي عليه الصلاة والسلام وأكد العلماء أن عبد الوهاب ورفاقه من  أشر الخوارج ومبدل السنة المطهرة الشريفة.

أما الفريق الثاني الذي كان يبادل الفريق الأول الرؤية المغايرة المخالفة  فكان يمثله محمد ابن عبد الوهاب هو وإتباعه الذين صمموا علي هدم القباب وتغيير معالم الجزيرة ألست معي أنهم جاءوا لتغيير الخريطة واجتثاثها – ولم لا وهو صاحب المقولة الشهيرة التي استقاها من التراث بأن صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس وهما العلماء والملوك " وهي مقولة تجعل ارتماء المذهب السياسي في قبيلة تري أنها أحق بحكم الحجاز ونجد ضروريا وفي سياقه الطبيعي أيضا.

من الغزوات والتجربة الكبيرة التي استقاها أصحاب الفكر الوهابي  من خلال التجربة جعلت المؤرخ الجبرتي والذي يبدوا أنه كان متعاطفا معهم لكراهيته لمحمد علي باشا يؤكد بمالايدع مجالا للشك أنه لولا رشوة محمد علي باشا لمجموعة من القبائل ما استطاع قتالهم أو التغلب عليهم في نشأة الوهابية في أحضان الدولة السعودية الأولي.

عاش ابن عبد الوهاب في جزيرة العرب التي تحولت فيما بعد للسعودية  حتي عمر 92 سنة وكان انجازه كبيرا في عيون مؤيديه الذين انساقوا لدعواته   في هدم القبور والقباب والأشجار والتمسك بالمذهب الحنبلي الذي وصفه أبو حامد الغزالي بالجمود الفكري إلا إن مؤلف تاريخه ابن غنام وصفه بأنه عظيم في إيمانه وأنه كان متسامحا كبيرا مع خصومه وأعدائه  وأنه ترك مجمل 9 كراريس دينية يجيب فيها عن تساؤلات أصحابه  كما أكد أن سبب غزواته كانت للنهي عن المنكر بعد أن أخرجوه من بلده العينية بعد واقعة المرأة التي اعترفت أنها مارست الزنا وهي واقعة طويلة يسهب فيها المؤرخ ابن غنام ولا داعي لسردها حتي وصوله للدرعية ومقابلته لمحمد ابن مسعود الذي وصفته المراجع الوهابية أنه كان في جاهليته حسن السيرة فعاهده علي دعوة الناس للتوحيد وتأسيس الدولة السعودية الأولي.