المحتوى الرئيسى

الإلكترونات تتعدى حدود السرعة

12/30 15:33

استمرت سرعة المكونات الإلكترونية بالازدياد عبر السنين، الأمر الذي ساعد على تصنيع أجهزة تكنولوجية وحاسوبية قوية عالية الجودة؛ ومؤخرا قام باحثون من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنلوجيا في زيوريخ ETH بالبحث في إمكانية السيطرة على الإلكترونات السريعة في الحقول الكهربائية بشكل تام، وتبصراتهم هذه ذات أهمية لدراسة مستقبل الإلكترونيات التي تصل السرعات فيها إلى مرتبة البيتاهرتز. 

قد لا يكون للسرعة علاقة بالسحر إلا أنها أساس كل تكنولوجيا ساحرة، فأجهزة الحاسوب الحديثة على سبيل المثال عالية الجودة بسبب ما تحويه من مفاتيح متناهية الصغر تقوم بتوصيل التيار الكهربائي خلال فترة لا تتعدى أجزاء من المليار من الثانية؛ إضافة إلى ذلك، لولا المضمنات الكهروضوئية Electro-optic modulators فائقة السرعة والتي تقوم بنقل المعلومات عبر توصيلات الألياف الضوئية على شكل نبضات ضوئية قصيرة لما كان التدفق الهائل لبيانات الانترنت ليسهُل.

واليوم أصبحت الدارات الالكترونية تعمل بشكل روتيني على ترددات تتعدى الغيغا هيرتز gigahertz (مليار ذبذبة في الثانية) إلى التيرا هيرتزterahertz (ألف مليار ذبذبة) مما يعني أن سرعة الجيل القادم من أجهزة الحاسوب يجب أن تصل إلى مستوى البيتا هيرتز petahertz والذي هو أسرع ألف مرة من الآن؛ لكن مسألة كيفية التحكم بالإلكترونات بهذه السرعة وحقيقة إذا ما كان ذلك ممكناً أصلاً مسألة لا تزال غامضة ومجهولة.

لكن في دراسة جديدة، قام فريق من الباحثين بقيادة البروفسورة أورسولا كيلير Ursula Kellerr من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنلوجيا ببحث كيفية تفاعل الإلكترونات في حقول البيتا هيرتز؛ وخلال هذه التجربة عرّضت البروفيسورة كيلر ومساعديها قطعة صغيرة من الألماس ثخنها 50 نانوميتر لنبضة أشعة ليزر تحت حمراء لمدة زمنها عدة وحدات من الفيمتو ثانية (أي جزء من المليون من المليار من الثانية)؛ وما حصل هو أن الحقل الكهربائي لضوء الليزر والذي تردده نصف بيتاهيرتز كان يتذبذب جيئة وذهاباً خمس مرات خلال تلك الفترة الزمنية شديدة القصر مما أثار الإلكترونات. 

وفي العموم، يمكن قياس تأثير الحقول الكهربائية على الإلكترونات بشكل غير مباشر في المواد الشفافة عن طريق تسليط الضوء عبرها ومن ثم مراقبة قوة امتصاصها له؛ وفي حين تكون مثل هذه القياسات سهلة في الحقول الكهربائية المستمرة، إلا أن الحقول الكهرومغناطيسية شديدة سرعة التذبذب تشكل تحديا صعبا للباحثين.

من حيث المبدأ، يجب ألا يشغّل الضوء المستخدم لقياس سرعة الامتصاص إلا لجزء من فترة تذبذب الحقل الكهربائي، وهذا بدوره يعني أن النبض قد يستمر لأقل من الفيمتو ثانية فقط، فضلاً عن ذلك، يجب أن يكون طور تذبذب المجال الكهربائي لنبضة الليزر معروفا بدقة عند تشغيل جهاز النبض.

 لقد بحث فريق عمل البروفيسورة كيلر عن الأساسيات لحل هذه المشاكل مسبقاً في أواخر التسعينيات. تقول البروفيسورة كيلر: "آنذاك كنا أول من شرح كيف يمكن جعل طور تذبذب لنبضة ليزر مدتها بالفيمتوثانية  يستقر تماماً"، وتوضح قائلة "وذلك بدوره شرط أساسي لإنتاج نبضات ليزر في نطاق الآتوثانية".

ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم تم تنقيح هذا الأسلوب بما يمكّن الباحثين من مشاهدة النبضات الضوئية في الأشعة فوق البنفسجية القصوى التي يبلغ طول موجاتها حوالي 30 نانومتر ولا تستمر إلا لجزء من الفيمتوثانية ومتزامنة أيضا مع طور تذبذب نبضة الأشعة تحت الحمراء.

هذا وقد استخدم الباحثون في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنلوجيا في تجاربهم الأخيرة حزمة موجهة من نبضات الليزر لإثارة الإلكترونات في الألماس بوجود حقل كهربائي لنبضات أشعة الليزر تحت الحمراء؛ وبذات الوقت لقياس التغيرات في عملية امتصاص الضوء الناتجة بوجود نبض أشعة الليزر فوق البنفسجية المقاسة بالأتوثانية.

وقد لاحظ الفريق بالفعل أن عملية الامتصاص تختلف بشكل واضح متتبعة إيقاع تذبذب الحقل الكهربائي لنبضات أشعة الليزر تحت الحمراء ولفهم تفاصيل ما حصل داخل قطعة الألماس تلك كان ينبغي البحث أكثر في الموضوع، لذا قام فريق من الباحثين يرأسهم كاتسوهيرو يابانا Katsuhiro Yabana من جامعة تسوكوبا Tsukuba في اليابان بالتعاون مع فيزيائيين من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنلوجيا بمحاكاة ردة فعل الإلكترونات في الألماسة تجاه نبض أشعة الليزر تحت الحمراء باستخدام حاسوب فائق، وحصلوا على ذات سلوك الامتصاص الذي تم قياسه في زيوريخ.

وقد تضمنت عمليات المحاكاة هذه التفاعل المعقد بين الإلكترونات والشبكة البلورية للألماس، الذي نتج عنه عدد كبير مما يدعى "نطاقات الطاقة" والتي بإمكان الإلكترونات أن تشغلها. يعلّق ماتيو لوتشيني Matteo Lucchini وهو بروفيسور في فريق كيلر قائلا: "ميزة استخدام أسلوب المحاكاة مقارنة بالتجربة الحقيقية هو إمكانية التحكم بالكثير من العوامل المؤثرة في الألماس الحقيقي إما إقصاءاً أو استخداماً"، وأردف قائلا:"لذا تمكنا في النهاية من أن ننسب سلوك الامتصاص المميز للألماس لإثنين من مثل نطاقات الطاقة هذه" .

 حدود السرعة في مجال البيتا هيرتز

كان استيعاب تلك الحقائق الناتجة عن المحاكاة مهماً جداً لتفسير البيانات التجريبية، فقد تمكن الباحثون من استنتاج أن تأثير فرانز-كيلدش الديناميكي Franz-Keldych effect هو المسؤول عن عملية الامتصاص في الألماس تحت تأثير نبضات أشعة الليزر تحت الحمراء.

وعلى الرغم من أن تأثير فرانز-كيلدش على الحقول الكهربائية الساكنة كان معروفاً ومفهوماً على مدى سنوات عديدة إلا أن نظيره الديناميكي للحقول فائقة سرعة التذبذب مازال غير مثبت حتى الآن.

يشرح لوكاس غولمان Lukas Gallmann وهو باحث رئيس في مختبر كيلر قائلا: "حقيقة أنه ما زال باستطاعتنا مشاهدة هذا الأثر حتى عند ترددات إثارة ذات سرعة البيتا هيرتز تؤكد أن الإلكترونات ممكن أن تتأثر بحدود سرعة نطاق الليزر".

وتظهر أهمية التفاعل الديناميكي جلية في أي نظام لا يهيمن عليه لا ميكانيكا الكم، ولا التفاعلات الضوئية الكلاسيكية، مما يعني أن هناك نوعان من التأثيرات المادية يلعبان دورا واحدا في ذات الوقت: النوع الأول من التأثيرات هو ذلك الذي يلعب فيه الضوء دور كم طاقة energy quanta أو ما يعرف بالفوتونات photons والثاني هو ذلك الذي يتمثل في حقل كهرومغناطيسي كلاسيكي.

ويوضح العمل المنشور الآن أن تفاعل المادة مع الحقل الضوئي تتحكم به حركة الإلكترونات في نطاق طاقة واحد لا بالتنقل بين نطاقات مختلفة؛ هذا ولم يكن واضحاً في العديد من التجارب الشبيهة حتى الآن ما الذي يجري، إلا أن تجربة المعهد الفيدرالي السويسري للتكنلوجيا في زيوريخ قد سوت المسألة.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل