المحتوى الرئيسى

"بومدين".. أول رئيس عربي يطالب بنظام دولي جديد داخل الأمم المتحدة.. والثاني بعد الملك عبد الله دعمًا لمصر في حرب أكتوبر.. ناضل من أجل القضية الفلسطينية رافعًا شعار "الجزائر معها ظالمة أو مظلومة"

12/29 18:25

هواري بومدين، واسمه الحقيقي، محمد إبراهيم بوخروبة، الرئيس الثاني للجزائر المستقلة، والذى شغل منصب الرئيس من 19 يونيو 1965 بعد إنقلاب على أحمد بن بلة، والذي دبره مع طاهر زبيري ومجموعة "وجدة"، واستمر على رأس السلطة حتى وفاته في 27 ديسمبر 1978.

ويعتبر من أبرز رجالات السياسة في الجزائر والوطن العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وأحد رموز حركة عدم الإنحياز.

لعب دوراً هاماً على الساحة الإفريقية والعربية، وكان أول رئيس من العالم الثالث تحدث في الأمم المتحدة عن نظام دولي، وأول رئيس عربى يتحدث بالعربية داخل الأمم المتحدة.

هوارى بومدين، ابن فلاح بسيط من عائلة كبيرة العدد ومتواضعة الحال تنتمي إلى عرش بني فوغال التي نزحت من ولاية جيجل " منطقة القبائل " عند بداية الإحتلال الفرنسي، ولد في 23 أغسطس سنة 1932 في دوّار بني عدي " العرعرة "، ببلدية مجاز عمارعلى بعد بضعة كيلومترات غرب مدينة قالمة،.

ورغم ظروف والده المادية الصعبة؛ قررّ تعليمه ولهذا دخل " المدرسة القرأنية " في القرية التي ولد فيها، وكان عمره آنذاك 4 سنوات.

وعندما بلغ سن السادسة؛ دخل مدرسة ألمابير سنة 1938 في مدينة قالمة و تحمل المدرسة اليوم اسم مدرسة محمد عبده، وكان والده يقيم في بني عديّ ولهذا أوكل أمره إلى عائلة بني إسماعيل وذلك مقابل الفحم أو القمح أو الحطب وهي الأشياء التي كان يحتاجها سكان المدن في ذلك الوقت.

وبعد سنتين قضاهما في دار ابن إسماعيل أوكله والده من جديد لعائلة بامسعود بدار سعيد بن خلوف في حي مقادور والذي كان حياً لليهود في ذلك الوقت.

وبعد ثماني سنوات من الدراسة بقالمة عاد إلى قريته في بني عدي، وطيلة هذه السنوات كان بومدين مشغول البال شارد الفكر لا يفعل ما يفعله الأطفال، فكان يدرس في المدرسة الفرنسية وفي نفس الوقت يلازم الكتّاب من طلوع الفجر إلى الساعة السابعة والنصف صباحاً، ثم يذهب في الساعة الثامنة إلى المدرسة الفرنسية وحتى الساعة الرابعة وبعدها يتوجّه إلى الكتّأب مجدداً.

وفي سنة 1948 ختم القرأن الكريم وأصبحَ يُدَرّس أبناء قَريتِه القرأن الكريم واللغة العربية.

وفي عام 1949؛ ترك بومدين أهله مجددا وتوجه إلى المدرسة الكتانية في مدينة قسنطينة الواقعة في الشرق الجزائري، وكان نظام المدرسة داخلياً وكان الطلبة يَقُومون بأعباء الطبخ والتنظيف .

* فرار من خدمة الجيش الفرنسي إلى تونس

كانت السلطات الفرنسية تعتبر الجزائريين فرنسيين وتفرض عليهم الإلتحاق بالثكنات الفرنسية عند بلوغهم سن الثامنة عشرة، فتمّ استدعاؤه للإلتحاق بالجَيش الفِرنسي لكنّه كان مؤمناً في قرارة نفسه بأنه لا يمكن الإلتحاق بجيش العدو؛ ولذلك رأى أنّ المخرج هو في الفرار والسفر، وعندما تمكن من إقناع رفاقه بالسفر؛ باعوا ثيابهم للسفر برًا باتجاه تونس .

ومن تونس.. توجه بومدين إلى مصر عبر الأراضي الليبية، والتحق هو وصديقه "بن شيروف" بجامع الأزهر الشريف حيث درس هناك وتفوق في دراسته، وقسّم وقته بين الدراسة والنضال السياسي حيث كان منخرطاً في حزب الشعب الجزائري.

أيضًا.. كان يعمل ضمن مكتب المغرب العربي الكبير سنة 1950، وهذا المكتب أسسّه زعماء جزائريون ومغاربة وتونسيون تعاهدوا فيما بينهم على محاربة فرنسا وأن لا يضعوا السلاح حتى تحرير الشمال الأفريقي، ومن مؤسسي هذا المكتب علال الفاسي من المغرب و صالح بن يوسف من تونس وأحمد بن بلة وأيت أحمد من الجزائر وكان هذا المكتب يهيكل طلبة المغرب العربي الذين يدرسون في الخارج .

* اندلاع ثورة التحرير والمراتب التي شغلها في الجيش

مع اندلاع الثورة الجزائرية في الفاتح عام 1954، انضم إلى جيش التحرير الوطني في المنطقة الغربية وتطورت حياته العسكرية كالتالي:

1956 : أشرف على تدريب وتشكيل خلايا عسكرية، وتلقى في مصر التدريب حيث اختير هو وعدد من رفاقه لمهمة حمل الأسلحة.

1957 : أصبح منذ هذه السنة مشهوراً باسمه العسكري " هواري بومدين " تاركاً اسمه الأصلي بوخروبة محمد إبراهيم وتولى مسؤولية الولاية الخامسة.

1958 : أصبح قائد الأركان الغربية.

1960 : أشرف على تنظيم جبهة التحرير الوطني عسكرياً ليصبح قائد الأركان.

1962 : تقلد منصب وزير الدفاع في حكومة الإستقلال.

1963 : تقلد منصب نائب رئيس المجلس الثوري دون أن يتخلى عن منصبه كوزير للدفاع.

* إنقلابه على بن بلة

بعد أن حاول أحمد بن بلة تقليص نفوذ جماعة "وجدة-" وعلى رأسهم هواري بومدين-؛ قام بومدين مع طاهر زبيري وجماعة، التخطيط للإطاحة به، فتحول إنتقاد سياسة بن بله إلى إجماع بضرورة الإطاحة به والقضاء على سياسة الحكم الفردي التي يتبناها، وذلك بعد جس النبض الذي قام به بومدين وجماعة وجدة للإطارات السياسية والعسكرية للدولة.

وقبل أيام معدودة من إنعقاد المؤتمر الآفرو آسيوي؛ اجتمعوا في بيت بومدين؛ للتخطيط للإطاحة بـ بن بلة.

وفى الواحدة صباحاً من ليلة 19 يونيو تم اعتقال أحمد بن بلة في بيته، على يد طاهر زبيري، وأصبح بن بلة مسجوناً بعد أن كان يعتبر نفسه المؤسس الثاني للدولة الجزائرية بعد الأمير عبد القادر وتم ابلاغ بومدين الذي كان يقيم في وزارة الدفاع بإتمام العملية، والتى كانت تعرف بإسم " التصحيح الثوري " .

تولى بومدين الحكم في الجزائر عن طريق الإنقلاب على الرئيس المدني أحمد بن بلة عام 1965 وحتى عام 1978، وكان في أول الأمر رئيساً لمجلس التصحيح الثوري ثم تم إنتخابه رئيساً للجمهورية الجزائرية عام 1975.

بعد أن تمكن هواري بومدين من ترتيب البيت الداخلي، شرع في تقوية الدولة على المستوى الداخلي وكانت أمامه ثلاث تحديات وهي الزراعة والصناعة والثقافة، فعلى مستوى الزراعة؛ قام بومدين بتوزيع آلاف الهكتارات على الفلاحين الذين كان قد وفر لهم المساكن من خلال مشروع ألف قرية سكنية للفلاحين وأجهز على معظم البيوت القصديرية والأكواخ التي كان يقطنها الفلاحون، وأمدّ الفلاحين بكل الوسائل والإمكانات التي كانوا يحتاجون إليها، بالإضافة إلى السياسة التنموية.

كما اهتم الرئيس بومدين بالإصلاح الإجتماعي والسياسي، ووضع أسس الدولة الجزائرية، وبدأ بقانون التأميم، ثم وضع ميثاقاً وطنياً شاركت جميع فئات الشعب فيه، وانبثق عنه دستور، كل ذلك بأسلوب ديمقراطي بالمعنى العلمي الكلمة، شعاره "لا نريد تقبيل اليد".

بعد ذلك، تم انتخاب المجلس التشريعي من طرف الجماهير الواسعة، وعمل على استقطاب الكل لخدمة الوطن وتسخير أجهزة الدولة في صالح المواطن، بالإضافة إلى إهتماماته الأخرى بالثورات الصناعية والزراعية، وهى الجوانب التى شهدت طفره خلال فتره حكمه.

وبالتوازي مع سياسة التنمية؛ قام هواري بومدين بوضع ركائز الدولة الجزائرية، وذلك من خلال وضع دستور وميثاق للدولة.

وساهمت القواعد الجماهيرية؛ في إثراء الدستور والميثاق رغم ما يمكن أن يقال عنهما إلا أنهما ساهما في ترتيب البيت الجزائري ووضع ركائز لقيام الدولة الجزائرية الحديثة.

إجمالاً.. كانت علاقة الجزائر بكل الدول وخصوصاً دول المحور الإشتراكي حسنة للغاية عدا العلاقة بفرنسا، وكون تأميم البترول يعد من جهة، مثالاً لباقي الدول المنتجة يتحدى به العالم الرأسمالي؛ جعل من الجزائر ركنا للصمود والمواجهة من الدول الصغيرة.. كما كانت الثورة الجزائرية درساً للشعوب المستضعفة.

ومن جهة أخرى- وخاصة بعد مؤتمر الأفروآسيوي فى سبتمبر 1973- طالب بومدين بنظام دولي جديد، وهو من مثل تهديداً واضحاً للدول المتقدمة.

"هل الأمة العربية مستعدة لبذل الثمن الغالي الذي تتطلبه الحرية؟ وإن اليوم الذي يقبل فيه العرب دفع هذا الثمن لهو اليوم الذي تتحرر فيه فلسطين".. كلمات بومدين التى كانت دائماً ما تتسم بالدعم للفلسطينيين و القضية الفلسطينية.

ولعل من أشهر كلماته- والتى تعد حتى الآن شعار للجزائر- "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، والتى ألقاها في قمة الرباط عام 1974، والتى أكد فيها على أنه "لا وصاية على الفلسطينيين، لا تفاوض، لا تطبيع، ولا تعامل مع العدو".

وكان "بومدين" من دعاة رفع التحدي ومقاومة الإستعمار والإمبريالية، وبجهود رئيس الدبلوماسية الجزائرية آنذاك و الرئيس الحالي للجزائر عبد العزيز بوتفليقة تمكن الرئيس الفلسطينى، ياسر عرفات من إلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة عام 1976.

* حرب أكتوبر وقصته مع السوفييت

عاش بومدين ومعه كل الشعب الجزائري تلك الحرب بكل جوارحه، وشاركت جميع الدول العربية تقريباً في حرب 1973 طبقاً لإتفاقية الدفاع العربي المشترك، لكنها كانت مشاركة رمزية عدا سوريا والعراق والجزائر التي كان جنودها يشاركون بالفعل مع المصريين .

اتصل بومدين بالسادات- مع بداية حرب أكتوبر- وقال له إنه يضع كل إمكانيات الجزائر تحت تصرف القيادة المصرية وطلب منه أن يخبره فوراً بإحتياجات مصر من الرجال والسلاح، فقال الرئيس المصرى، محمد أنور السادات للرئيس الجزائري إن الجيش المصري في حاجة إلى المزيد من الدبابات وأن السوفيت يرفضون تزويده بها وهو ما جعل بومدين يطير إلى الإتحاد السوفياتي و يبذل كل ما في وسعه بما في ذلك فتح حساب بنكي بالدولار لإقناع الروس بالتعجيل بإرسال السلاح إلى الجيشين المصري والسوري.

وشاركت الجزائر في حرب أكتوبر على الجبهة المصرية بالفوج الثامن للمشاة الميكانيكية، وكان الرئيس هواري بومدين طلب من الاتحاد السوفيتي شراء طائرات وأسلحة لإرسالها إلى المصريين عقب وصول معلومات من جاسوس جزائري في أوروبا- قبل الحرب- مفادها أن " إسرائيل " تنوي الهجوم على مصر.

وباشر "بومدين" اتصالاته مع السوفيت لكن السوفيتيين طلبوا مبالغ ضخمة؛ فما كان من الرئيس الجزائري إلا أن أعطاهم شيك فارغ وقال لهم أكتبوا المبلغ الذي تريدونه ، وهكذا تم شراء الطائرات والعتاد اللازم ومن ثم إرساله إلى مصر، الأمر الذى على أثره قال السادات بعد الحرب أن جزءاً كبيراً من الفضل في الإنتصار الذي حققته مصر في حرب أكتوبر - بعد الله عز وجل - يعود لرجلين اثنين هما الملك فيصل بن عبد العزيز عاهل السعودية والرئيس الجزائري هواري بومدين .

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل