المحتوى الرئيسى

كتاب «غضبة لله».. قصة الشعراوي والحكيم وحديث الأخير «مع وإلى الله»

12/29 16:13

الشيخ محمد متولي الشعراوي: أول مرة أسمع فيها أن الله كلم أحدًا من البشر من غير الأنبياء والرسل

توفيق الحكيم: رجال الدين كانوا أكثر الناس خوفا على إيماني

يوسف ادريس: الشعراوي يتمتع بكل خصال راسبوتين المسلم

محمد احمد المسير: يا أيها الحكيم قليلا من الرشد والحكمة

الأهرام: سنظل الحصن الحصين لحماية المبادئ الروحية والدينية

نشر توفيق الحكيم على مدى أربعة أسابيع ابتداءً من 1 مارس 1983 سلسلة من المقالات بجريدة الأهرام بعنوان “حديث مع وإلى الله” واليت كانت تنشر بعنوان حديث الثلاثاء وقد أثارت سلسلة المقالات جدلا كبيرا في الأوساط الدينية..

بحثنا نحن في شبكة الإعلام العربية “محيط” في أرشيف المتحدة للنظم والمعلومات حتى وجدنا بعض منها هذه المقالات واليكم بعض الاقتباسات:

”ومن أكون أنا حتى تحدثني أنت بالوحي.. لن يقوم إذًا بيننا حوار إلا إذا سمحت أنت بفضلك وكرمك أن أقيم أنا الحوار بيننا تخيلاً وتأليفًا. وأنت السميع ولست أنت المجيب بل أنا في هذا الحوار المجيب عنك افتراضًا، وإن كان مجرد حديثي معك سيغضب بعض المتزمتين لاجترائي في زعمهم على مقام الله سبحانه وتعالى، خصوصًا وحديثي معك سيكون بغير كلفة. لا أصطنع فيه الأسلوب الرفيع اللائق بارتفاعك ولا بالوصف العظيم المناسب لعظمتك..”

”وفجأة.. حدث العجب.. حدث ما كاد يجعلني يغشى على دهشة، فقد سمعت ردًا من الله. أو خيل إليّ ذلك: وهل إذا درست الحساب بنجاح والتحقت بمدارس العلوم كنت ستراني؟ هذا ما سمعته، وهذا يكفيني ليجعلني أعتقد أن الله قد سمح أخيرًا أن يدخل معي في حديث.. وسأنتهز الفرصة وأبادر فأسألك ياربي بفضك العميم أن يتخذ الحديث شكل “الأخذ والرد” أو “الحوار” حتى لا يطغى سردي، فلا يبرز جوهر المسائل. فهل أنت موافق ياربي العظيم؟

”معنى ذلك أن الأديان نسبية، لأن البشرية نفسها نسبية.. وكأنك ياربي تلمح إلى ما سوف يكتشفه العلماء بعد قرون..”

”ولكن ياربي بعض رجال الدين عندنا يرون مصير هؤلاء العلماء من غير المسلمين النار، لأنهم لم يقولوا لا إله إلا الله: شهادة لغوية.. مع أن العلماء قالوها بالممارسة وليس باللفظ”.

”.. لأن البشرية بعد أن أدخلتها ياربي في مرحلة المعرفة الفكرية للخالق والمخلوق بعقلها المفكر فقد تركتها لهذا العقل. وهذا آخر مراحل البشرية”. الى هنا اقتباسات توفيق الحكيم.

أول من تصدى للهجوم على الحكيم أيامها الشيخ الشعراوي فكتب مقالات في جريدة اللواء الإسلامي ومنها هذه الاقتباسات:

”هل نحن محتاجون لعالم مثل اينشتين ليقول لنا إن الله موجود وآيات الله في الكون بارزة منذ بدء الخليفة.. الشمس.. والأرض.. والقمر.. والنجوم.. والمطر.. والزرع.. والإنسان ذاته.. إلخ”.

”هذه أول مرة اسمع فيها أن الله كلم واحدًا من البشر من غير الأنبياء والرسل.. وكان له الحق- ولكل منا الحق- في الحديث «إلى» الله، ولكن اعتراضي على أن حديث توفيق الحكيم «مع» الله وأن الله تحدث إليه، وفى دفاعه عن نفسه يقول إنه تخيل ذلك، فهل خيال البشر يدخل فيه كلام الله معهم مباشرة أو عن طريق ملك (مثل جبريل عليه السلام)؟ وما هي الكيفية التي تم بها هذا الحديث؟. وكل من ينقل عن الله حديثا لم يقله الله فله الويل والله يقول عن رسوله (ولو تقّول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد حاجزين) فهل أباح توفيق الحكيم لنفسه ما لم يكن مباحا لمحمد صلى الله عليه وسلم”؟

”لقد شاء الله ألا يفارق هذا الكاتب الدنيا إلا بعد أن يكشف للناس ما يخفيه من أفكار وعقائد كان يهمس بها ولا يجرؤ على نشرها.. وشاء الله ألا تنتهى حياته إلا بعد أن يضيع كل خير عمله في الدنيا فيلقى الله بلا رصيد إيماني.”

دخل المعركة الى جانب توفيق الحكيم كل من (يوسف ادريس) والدكتور (زكي نجيب محفوظ) بسلسلة من المقالات في جريدة الاهرام، كان أشهرها مقال ليوسف أدريس بعنوان «عفوًا يا مولانا» ومنها هذه الاقتباس والتي وصف فيه الشيخ الشعراوي بأنه:

”يتمتع بكل خصال راسبوتين المسلم.. قدرة على إقناع الجماهير البسيطة.. وقدرة على التمثيل بالذراعين وتعبيرات الوجه وقدرة على جيب كبير مفتوح دائما للأموال.. وأنه يملك قدرات أي ممثل نصف موهوب”.

وانضم إلى المعركة عدد من رجال الدين مثل الشيخ المسير وصلاح ابو اسماعيل فقد كتب الدكتور محمد أحمد المسير تحت عنوان “أدب الحديث عن الله” مقالا نشرته جريدة اللواء الإسلامي في 10 مارس 1983 يقول فيه: إن الطامة الكبرى هي في إقامة نفس هذا الحوار أساسًا فهو افتراء وكذب وخداع ولا يغني عن ذلك أن يقول الحكيم: “أقيم أنا الحوار تخيلات وتأليفا”.

ويتساءل المسير: (أين نحن اليوم مما يفتريه الحكيم في مثل قوله: “وفجأة حدث العجب حدث ما كاد يجعلني يغشى علي دهشة فقد سمعت ردًا من الله أو خيل إليّ ذلك وهل إذا درست الحساب بنجاح والتحقت بمدارس العلوم كنت ستراني؟ هذا ما سمعته وهذا يكفي ليجعلني أعتقد أن الله قد سمح أخيرًا أن يدخل معي في حديث”.

إن هذا الشكل من الحديث جرأة على الله وإهدار للمقدسات واعتداء على شرف الكلمة وضياع لمعالم الحق وتدليس شنيع، يجب التوقف عنه وإيقافه حتى لا يسقط القلم من يدي الحكيم ويكون هذا آخر ما كتب!!).

إن علماء الطبيعة الذين لم يقروا بالوحدانية شهادة لغوية، وعلى حد تعبيره يعدهم الحكيم بالجنة خالدين فيها أبدًا وكأنه قد نصب نفسه محاميًا وقاضيًا، والقضية ببساطة شديدة أن الدين اعتراف ومنهج أو يقين وسلوك، وليقرأ الحكيم قول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (النساء – 150). إن حديث الثلاثاء الأول يحوي كثيرًا من القضايا الفارغة ولكن يا أيها الحكيم: قليلا من الرشد والحكمة وسق ما شئت من قضيا نناقشها معك ونستعرض أدلتها سويا فالحق أحق أن يتبع.

أما المرحوم المستشار محمود عبد الحميد غراب رئيس محكمة الجيزة حينها فكتب في جريدة النور يقول ولتوفيق الحكيم سابقة أخرى على صفحات مجلة أكتوبر عندما أجرى حوار مع ملك الموت بأسلوب ساخر معه حول الأجر الإضافي ومن يساعد ملك الموت وكان هذا الحديث في واقعه مقدمة لتجرؤ ذاك التوفيق بعد ذلك على سخريته من الله جل في علاه، فهو إذن سبق إصراره بمعاندة الله والنيل من الذات العلية المقدسة، مثله في ذلك كمثل إبليس اللعين الذي استكبر على الله ورد عليه بأسلوب المكابرة قائلا: “فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم”.

مرشد الإخوان عمر التلمساني يدخل المعركة

أثارت هذه المقالات الغضب على الحكيم، بل إنها فتحت عليه أبواب النقد من كل ناحية، فكتب عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين آنذاك بجريدة النور في 9 مارس 1983 مقالا تحت عنوان: “أهكذا تختم حياتك أيها الحكيم”؟

يقول فيه: هل نسي هذا المتحدث مع الله أن العليم الخبير قد قال بالقول القطعي الثبوت القطعي الدلالة: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من رواء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم}. فإذا كان هذا هو كلام الذات العليا التي يقول الأستاذ أنها ردت عليه فأيهما نصدق كلام الله وقرآنه أم كلام الكاتب الضليع الفيلسوف الحكيم؟!

أما أنا فليس لي خيار؛ فالله عندي أولى بالتصديق والتسليم بكل ما يقول كائنا من كان أو انتحل لنفسه ما لا يمكن أن يقره عاقل أو حصيف، ولئن أباح الأستاذ الحكيم لنفسه أن يبني كلامه على سياحة في عالم الخيال فهل يبيح لنفسه الاستخفاف بعقول القراء ظنا منه أنهم ضاربون مثله في بيداء الخيال، يا دكتور إن جاز أن يكون الخيال أساس الحكايات والروايات والتندرات التي تأتي بالمئات فلن يرضي مسلم لنفسه أن تكون وسيلته مع الله قائمة على الخيال.

ويسأل التلمساني الأستاذ الحكيم: هل تبين لنا معني قولك إن الأديان نسبية تختص بها أرض دون أرض؟

إن الإسلام جاء لأهل هذه الأرض التي نعيش وتعيش عليها ولم يخاطب به الله إلا البشر الموجودين على سطح هذه الأرض، أي أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يخاطب بهذا الدين أبناء آدم الموجودين فوق الأرض التي عاش عليها أينشتين وكاستلر مثلا اللذين قدمتهما لنا؟ وكيف نعلم على وجه اليقين أن هناك أديانا غير ما نص عليه القرآن؟ أم أنك تريدنا على أن نسير معك في عالم الافتراضات؟ ثم ما الداعي إلى هذه الزعزعة الدينية التي جئت لنا بها على آخر الزمان؟

ألا يكفي المسلمين حملات ظالمة وتشكيك مريب حتى تضاعف متاعبهم بمثل هذا الكلام؟ إني أعتقد تماما أنك مسلم وكل المسلمين وأنت منهم يؤمنون بكل حرف جاء في كتاب الله والصحيح من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت كذلك ولا شك، وقرآننا والذي أنزل عليه يؤكدان أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وهذا القول الواضح لا يحتاج إلى تفسير أو شرح أو بيان كما أن الله يقول: {إن الدين عند الله الإسلام} كما يقول: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.

فماذا تريد بقولك: “إن من الطبيعي والمنطقي أن مثل هؤلاء العلماء المؤمنين بك سوف يكون مصيرهم مغفرتك وأنت الغفور، إذن فهذا دين جديد لأن الإسلام يستلزم -لأن يكون إسلاما- الشهادة بألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أي أن المسلم لا يكون مسلمًا إلا إذا شهد بالوحدانية والرسالة المحمدية وبغير ذلك لا يكون مسلمًا، وقد جاء في القرآن أن المشركين يؤمنون بوجود الرب العظيم ويقولون عن آلهتهم: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}.

فهم قد آمنوا بالله ولكنهم كفروا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فكان جزاؤهم النار عقوبة ومصيرًا، كما أن القرآن تحدث عن “التثليث” واليهود بما قد قرأته فعلا وعلمته وآمنت به كمسلم، فهل علمت سيادتك أن علماءك الذين تحدثت عنهم، وقلت على أساس من المنطق الذي جئنا به سيغفر الله لهم كفرهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أم أنك علمت منهم علم اليقين أنهم أسلموا بها ولكنهم لم يشهروا هذا الكلام، ألا ترى معي أن دخول الجنة والرضاء من الله قاصر على المسلمين حتى العصاة منهم والمؤمنين التائبين أم لك في هذا المجال رأي آخر أخبرنا مأجورا مشكورا يا أستاذ الجيل.

ومصيبة المصائب أن يذكر سيادة الدكتور الحكيم -والكلام للتلمساني- وعلى لسان الخلاق العظيم (فأنا الله لست فوق القانون ولكني الحريص عليه) إن الله سبحانه لم يقل مثل هذا الكلام حتى ولا لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، إني لن أقرأ لك بعد هذا وأطالب المسئولين جميعهم بما فيهم رجال الأزهر الشريف أن يمنعوا الاسترسال في نشر مثل هذا الكلام إنها ليست حرية رأي تلك التي يتعلل بها المتناولون لمقدساتنا الدينية ولا خير في أي حرية تؤدي إلى نشر مثل هذا الكلام في صحف بلاد دينها الرسمي الإسلام وشرع الله مصدرها الرئيسي في تقنين القوانين، الحلال بين والحرام بين ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ومن وقع في محارم الله فمصيره معلوم وغير مجهول، إني أسمو بك وأبرأك ولا أرضى لك أن تكون ممن “أضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة والسلام على من اتبع الهدى والتائب من الذنب كمن لا ذنب له”.

تطورت الامور الى حد تكفير يوسف ادريس والحكيم وزكي نجيب محمود في بعض خطب الجمعة وعلى منابر جوامع القاهرة فلم تجد الاهرام بدًا من وضع حد لهذه المعركة فكتبت تقول:

”في الأسابيع الماضية ظل الحكيم في حالة مناجاة علوية للذات العلية، وبكل القدسية والخشوع، وبكل إيمان المجتهدين تكلم عن النفس وعن حركة الكون وعن قدرة الله الذي ليس كمثله شيء.

كان في قمة مناجاة الحضرة العلية، وكان عملاقا في رؤيته لحركة الحياة وفلسفة الإيمان.. كان سهلا ممتنعا في كل ما تناوله في خشوع وخضوع لله، كان شامخًا في فكره وإيمانه..

وسيظل الأهرام الحصن الحصين لحماية المبادئ الروحية والدينية، ويدفع عنها أي محاولة للشك والتشكيك، وإذا كان الحكيم في عمق تفكيره وفي صفاء إيمانه قد جسد الشموخ الفكري في مناجاته للذات العلية، وتعرض لما تعرضت له حرية الرأي التي كانت عماد الفلسفة الإسلامية في حركة التنوير، فإن الأهرام لن يسمح بأن يكون نافذة أو منبرًا لأي إرهاب فكري يدعى لنفسه حقا إلهيا، في مصادرة فكر أو تفكير صاحبه..”

لم تهدأ نار معركة الحكيم بمرور الوقت، وطالت أغلب الفعاليات في مصر وقام مجموعة من العلماء بدعوة الأديب توفيق الحكيم لمناقشة علمية هادفة في جريدة اللواء الإسلامي واستمرت الندوة أربع ساعات كاملة، واشترك فيها كل من الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، والدكتور الحسيني هاشم الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية آنذاك والدكتور موسى شاهين لاشين أستاذ التفسير والحديث بجامعة الأزهر والمناظر البارع والدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ الحديث بجامعة الأزهر وقد وافق الشيخ محمد متولي الشعراوي على الرد على ما أثاره الحكيم في الندوة وفي مقالاته من آراء تمس العقيدة الإسلامية.

ومما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي معقبا على ما جاء في ندوة اللواء الإسلامي: الأستاذ توفيق الحكيم لم يقل لنا كيف كلمه الله.. هكذا مواجهة أم أرسل إليه ملكا أم ماذا حدث؟ وما هي الكيفية التي تم بها الحديث فإن كان الحديث من الله تخيلا أن الله يقول فكأن الأستاذ توفيق الحكيم قد قيد مرادات الله بمراداته، أي أنه قد قيد إرادة الله بإرادته هو؛ فما يريده عقل توفيق الحكيم يقوله الله سبحانه وتعالى في مقالاته وما لا يريده لا يقوله.

وتقييد إرادة الله بإرادة البشر هو خطأ ثان ارتكبه الأستاذ توفيق الحكيم، وأعتقد أنه خطأ جسيم لا بد أن يعتذر عنه ويستغفر الله؛ فما من بشر مهما بلغت عبقريته يستطيع أو يسمح له بتقييد إرادة الله بحيث يجعل الله سبحانه وتعالى خاضعًا لإرادة بشر، يقول ما يقوله هؤلاء البشر ولو تخيلا، ذلك اجتراء على الله جسيم وكل من يجترئ على الله سبحانه وتعالى بأن ينقل عنه عز وجل ما لم يقله موعود بالويل؛ فما بالك بمن قيد إرادة الله بإرادته يجعل الله يتكلم متى شاء توفيق الحكيم ويجعل الله يسكت متى شاء توفيق الحكيم أن يسكت الله ويجعل الله يحكم عباراته وكلماته عقل توفيق الحكيم وفكره.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول لرسوله وأحب خلقه إليه {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ* لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} إذا كان هذا هو حديثه مع رسوله.. أيبيح الله سبحانه وتعالى لتوفيق الحكيم ما لم يبح لمحمد عليه الصلاة والسلام أعتقد أن هذا غير مقبول.

ويقول الشعراوي: الكلمة عند عباد الله محدودة بكمال المتكلم فجاء توفيق الحكيم ليخضع كمال الله الأزلي إلى كماله المحدود، ويجعل الله سبحانه وتعالى يتكلم بلسان توفيق الحكيم وفكره وعقله، وكأنه في هذه الحالة قد أخضع فكر لخالق وقوله لفكر المخلوق فهل يصح هذا وهل يمكن أن يضع فكر خالق لفكر مخلوق بحيث يتساوى الفكر بينهما؟ وهل من الممكن أن أخضع أنا المخلوق الضعيف فكر الله لفكري فأتحدث عنه وأتكلم عنه أليس هذا خطأ؟!

على أن المسألة كلها في رأيي، سواء مما نشر أم من الندوة التي استمعت إليها والتي قام بها “اللواء الإسلامي” أن المسألة كلها دنيوية يراد بها دنيا أكثر مما يراد بها دين ولو أريد بها الدين لكانت هناك عناية في الأحاديث المستشهد بها، ولكانت هناك دراسة في الأخطاء الإيمانية الكثيرة التي وقع فيها الأستاذ توفيق الحكيم عن نسبية الإيمان والذين يدخلون الجنة دون نطق شهادة أن لا إله إلا الله ودون أن يؤمنوا بالله وعلى ما قاله عن الأنبياء وعصمتهم.

في تلك الفترة نشر أول كتاب عن المعركة بعنوان “غضبة لله” لمحمد خالد ثابت والمفاجئة كانت ان صاحب الكتاب كان ابن الشيخ خالد محمد خالد الذى كان يردّ فيه على توفيق الحكيم في شأن مقالاته التي نشرها في جريدة الأهرام ـ آنذاك ـ تحت عنوان “حديث مع الله” والتي لاقت استهجانا عامًا.

وحكي لي احد المقربين من اسرة الشيخ خالد محمد خالد ان ابنه محمد كان قد مرت حياته – منذ بواكيرها – بتقلبات عدة، من جنوح فكري، إلى بوهيمية، إلى رومانسية حالمة – وفي جميعها كان مشتغلاً بشتى أنواع الفنون خاصة الرسم والمسرح..

ثم انتهت تلك المرحلة بأزمة نفسية شديدة أسلمته إلى اللجوء للدين، ثم التشدّد في مرحلة الخروج مع جماعة التبليغ، ثم العودة إلى وسطية الإسلام وبساطته، ثم الاستقرار على جوهر الإسلام وحقيقته فاستغل والدة حالة الاستقرار وطرح عليه فكرة كتابة “غضبة لله”.

الحكيم يعتذر بحقيقة المناجاة مع الله

نشر الحكيم بعدها هذه الأحاديث في كتاب مستقل عام 1983، وأسماه “الأحاديث الأربعة والقضايا الدينية التي أثارتها”، وقال الحكيم في مقدمة كتابه: “هذا الكتاب” الأحاديث الأربعة يضم الأحاديث التي نشرت بعنوان “مع وإلى الله” والتي أثارت الضجة المعروفة بين الناس مع أنها لم تزد عن كونها نوعا من المناجاة مع الله تعالى.. أستدرك وأقول: “إنها مناجاة بلغتي الخاصة وثقافتي الخلاصة تعبيرًا عن حبي الخالص لربي” فلن أقبل الفكر الذي يصدر بلا تفكر عن غير عقلي الذي خلقه الله ليفكر ولا أرتدي بلا مناقشة ما خرج من قلب وعقل الآخرين دون تأمل فيه وتمحيص، أما الضجة التي حدثت فهي طارئة ودخيلة على القضية التي سأفرد لها مكانا نظرا لأهميتها، هذا وقد رأيت عند إعادة الطبع في هذا الكتاب استبعاد كل الكلمات والأسطر التي كتبت تخيلات منسوبة إلى الله مراعاة للحساسية الدينية التي لا أريد إطلاقا أن تسبب إزعاجا لأي مؤمن، كما حرصت على تخريج الأحاديث الشريفة والأفكار التي وردت في الأحاديث الأربعة والتي قال عنها بعض العلماء إنها أحاديث موضوعة ضعيفة أو غير موجودة فعدت إلى المصادر التي استقيتها منها فإذا بها أحاديث حسنة الإسناد لا يكاد يخلو منها كتاب من أمهات الكتب الإسلامية!

وأضاف الحكيم إلى كتابه فصلا بعنوان: “أنا مسلم… لماذا؟” أجاب فيه عن السؤال بالقول “أنا مسلم لما جاء في الإسلام من عناصر ثلاثة: الرحمة، العلم، البشرية وقبل ذلك وفوق ذلك لأني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ثم لأني مؤمن بالرحمن الرحيم وهي الصفة التي وصف الله تعالى بها نفسه ونكررها في كل ساعة: بسم الله الرحمن الرحيم”.

وذكر في هامش كتابه إن حديثي مع الله وإلى الله في مقالاتي الأربع التزمت فيه أدب الحديث مع ربي: كررت أكثر من مرة أنه لم يخاطبني وإنما أن الذي أجيب مستلهما ما يمكن أن يكون رد الله على تساؤلاتي مستلهما من قرآنه الكريم وسنة نبيه صلوات الله عليه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل