المحتوى الرئيسى

بالفيديو والصور..حارة السقايين:«أبوك السقا مات عطشان»

12/28 18:09

على بعد خطوتين من سرايا عابدين مقر حكم مصر سابقًا، سجل التاريخ حكايات تداولتها الأجيال حتى وقتنا هذا؛ حواري صغيرة يفوح منها رائحة التاريخ... حواري منطقة عابدين هي الرحم المصري، الذى خرج منه جميع الطوائف، من الوزير إلي الغفير، تسمع بداخلها أصوات وصرخات لثورات ومظاهرات، تسمع دقات قلوب أصحابها البسطاء الذين لا حول ولا قوة لهم، وتسمع أصوات حناطير السلاطين.

ولعلي من أبرز هذه الحواري، حارة السقايين، التى يعتبرها المصريين أول وزارة للري بمصر، بل من الممكن أن تكون أول من عملوا فى الحماية المدنية للسيطرة على الحرائق، ولذلك من الطبيعي أن يكتب فيها الأشعار، ويتغني لها العظماء، فمن منه لم يحفظ أغنية شريفة فاضل، التى أعاد غنائها محمد منير، وهي" إن كنت جاى تغني روح اسال قبل أنا مين.. متروحش تبيع الميه فى حارة السقايين".

لم تكن أغنية شريفة فاضل هي الوحيدة لحارة السقايين، بل كنت محور رواية الأديب الراحل يوسف السباعي "السقا مات"، ومن هنا أخد الأطفال يمرحون مع طائر الببغاء ويقولون "أبوك السقا ماااات" ليرددها خلفهم.

كل ذلك لما يكن كافيًا فكتب لها الأديب الساخر بديع خيري قصيدة تعبر عن همومهم، ولحنها سيد درويش، وغناها نجيب الريحاني، بعنوان" يهون الله يعوض الله ع السقايين دول شقيانين".

وخرج من حارة السقايين، رجال تميزو بالقوة لتحملهم أعباء مهنتهم، ولكن يظهر عليهم علامات الزمن، يرتدي جلباب، ويضع على ظهره قطعة جلد وحزام عريض لربطه، وبذلك يتجنب سقوط الماء على جلبابه، وحافي القدمين حتى أخدت شكلاً مفلطحاً من فرط الوقوف والمشي ليلاً ونهارًا، وأكتسبت ملامحه لون الشمس القمحي، يحمل على ظهره قربة مصنوعة من جلد الماعز، والمملوءة بالماء العذب من نهر النيل، مزودة بقطعة  نحاس عمودية، ويصب من خلالها المياه.

فعند شروق شمس كل يوم، يهرول السقا إلى نهر النيل بقربته ويملأها ويشد رقبتها بالحبل، ويغلقها جيدًا بسدادة خشبية، ثم يعرها بالمستكة، بل ويضع فيها ماء الورد وأحيانًا يضيف إليها النعناع على حسب طلب الزبائن، كما يضع مادة الشبة لتنقية المياه من رواسب طمي النيل والشوائب.

يتجول السقا فى شوارع المحروسة، بين المجاذيب وأصحاب الوظائف المرموقة، يعرفه المواطنين من صوته المرتفع مناديًا "سقه الماء… سقه الماء"، فلم تكن تعرف القاهرة بعد شبكات المياه ولا حتى الصنابير، فكانت تعتمد عليه فى توصيل المياه إلى منازلهم.

لم يقتصر دور السقائين فى ذاك الوقت على توصيل المياه إلى المنازل، بل لعبوا دورًا كبيرًا فى إخماد الحرائق، فكان هؤلاء السقاة يهرعون إلى إخماد نيران الحرائق، فإذا شب حريق في مكان ما، أسرعوا بقربهم وبراميلهم، وأعانهم في ذلك كل من كان لديه وعاء.

كان يتقضي السقا أموال بسيطة ثمنًا لتوصيل المياه، فقد إختلف ثمن المياه تبعاً لوفرتها أو قلتها فكان السقا سنة 1830 يتقاضي ثمن قربة المياه التي يحملها مسافة ثلاثة كيلومترات من 10 إلي 30 فضة، وهي أقل تعريفات العملة المصرية.

أما المنازل فيحصل علي ثمن خدمته عن طريق علامة أو شرطة يضعها علي باب المنزل، كلما أتي ببرميل ثم يكرر العلامات، ولكن هذه الطريقة عرضة للمسح فلجأ إلي طريقة أخري بإعطاء صاحب المنزل مجموعة من الخرز، وكل مرة يأتي بالماء يأخذ واحدة، وعندما ينتهي الخرز، يتقاضي أجرتة كاملة من صاحب البيت.

وحتى لا نتوه فى دهاليز التاريخ ، دعنا نشاهد المنطقة بالعيون الحالية ، فظهرت حالة حارة السقايين حاليًا في صورة سيئة للغاية، ويعتبر أغلب البيوت بها من الطراز القديم جدا، وآيل للسقوط، ولم يعد بالحارة وفرة في المياه كالسابق، فالمياه في المنازل تنقطع من حين إلى آخر، وتحتاج "مواتير" ووسائل ضخ حتى تصل للمنازل والأدوارالعلوية، ويخلو الشارع تمامًا من حتى اي"مياه للسبيل"، فحين مرورك بالشارع من أوله إلى آخره، لايوجد "كولدير"، أو "كولمن"، أو حتي "قلل" ليشرب المارة منها.

ويعتبر أغلب الأهالي من البسطاء للغاية، ويحاول بعضهم شراء الأدوات الخاصة بالحرفة التي يحترفها ويضعها أمام منزله ليكتسب منها قوت يومه، فمنهم من يعمل بالنجارة، أو "المكواة"، أو بيع بعض السلع البسيطة، أو عامل بقهوة.

قال عبد المجيد أشرف، فى العقد الخامس من عمره، إن قديمًا كانت الحارة اسم على مسمى بشكل حقيقي، وكان أهالي حارة السقايين يسقون أهالي المنطقة المجاورة بأكملها، وكان عملهم وهمهم الأول والأخير هو بيع الماء فقط، وأن الحارةسميت بذلك، لأن معظم من يسكنون بها، يمتهنون مهنة بيع الماء، ولكنها لم تعد إسمًا على مسمى، لأن المياه تنقطع بشكل كبير، قائلًا" زمان كان إسمها سقايين وفيها سقايين، دلوقتي إسمها زيماهو بس مفيش مياه"

أوضح أشرف، أن الوقت الحالي، يعتبر أهالي "حارة السقايين" بسطاء للغاية، ويمتهن أغلبهم حرف بسيطة، منها من يعمل بالنجارة، وآخر يشتري بعض البضائع الخفيفة ليبيعها داخل منزلة، مشيرًا إلى أنه من الضروري النظر بعين الرأفة والمساعدة لهذه الحارة، خاصة بعد غلاء الأسعار حاليًا.

وقطع منه الحديث الحاج محمد الصعيدي، فى العقد السادس من عمره، وأكد أنه يوجد بئران تحت أقدم المنازل، طرف "حارة السقايين"، كانوا يستخدمون سابقًا لملئ الأدوات الخاصة بالسقايين، ويحملونها بعد ذلك ليذهبوا بها إلى الشوارع والمناطق المجاورة، ويكتسبون الأموال بشكل مرضي جدً لهم، ولأسرهم.

أردف الصعيدى، أن المياه في"حارةالسقايين"، تنقطع باليوم وفي أوقات أخرى إلى يومين كاملين، وأن الكهرباء هي الأخرى تنقطع من فترة إلى الثانية، ويعيش أهالي حارة السقايين بدون مياه وكهرباء في أوقات كثيرة، مشيرًا إلى أن الحارة تعتبر من المناطق الأثرية الكبيرة وأنه يجب الأهتمام بها أكثر من ذلك، مناشدًا المسؤلين زيارة الحارة، والنظر لطلبات الأهالي.

عبد الرحمن هشام، فى العقد السابع، رأى أن حارة السقايين تعد من الحارات الهامة لأنها تحمل فصيل مهم من الشعب المصري، وهم الفقراء، بالإضافة إلى أن بها مسجد وكنيسة يبعد الأول عن الثاني القليل من الأمتار، وأن الأهالي ييعيشون في سلام ومحبة تامين في هذه المنطقة ويقفون جوار بعضهم البعض في السراء قبل الضراء.

وأشار هشام، إلى أن المياه في الحارة لاتأتي إلا بـ"المواتير" ووسائل رفع وضخ المياه، ودون ذلك لاتأتي إلا قليلًا، مشيرًا إلى أن معظم الأهالي يعتبرون من الفقراء، ويحصلون على طعامهم بشكل صعب، ويتحملون شراء "المواتير" ووسائل الضخ بالكاد.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل