المحتوى الرئيسى

باسل نوفل يكتب: عندما تتعلم الشعوب الأدب | ساسة بوست

12/28 14:34

منذ 1 دقيقة، 28 ديسمبر,2016

من قال أن الشعوب قوية؟! من قال إن الشعوب تنتصر في النهاية؟! من قال إن الشعوب دائمًا على حق؟! من قال إن الشعوب على وعي دائم ولا يتم تحريكها دون أن تدري؟!

كل هذه الأكاذيب هي التي درسناها في كتب التاريخ المملة والسخيفة في مدارسنا البسيطة، إنها الكتب التي لا تحاكي شيئًا من الواقع، إنه التاريخ المزيف الذي ندرسه والذي حول الخونة إلى أبطال والأبطال إلى خونة، إنه الكتاب نفسه الذي همش أسماء عديدة أو ذكرها على  استحياء في سطر أو اثنين مبهمين، لا يدركهما الطالب ويتحاشى المعلم سؤاله عنهم في أوراق الامتحانات التي ينسى الطالب إجاباتها بمجرد تسليم ورقة الإجابة.

الأمثلة لا تحصى، فلو نظرنا إلى التاريخ المصري سنجد اسم محمد نجيب يعرف كأول رئيس في مصر، ولا يدرك الطالب حتى ينتهي من تعليمه لماذا أتى هذا الرجل وما هدفه؟! ولا كيف أو لماذا رحل؟! فقط لأن هناك من لا يريدك أن تعلم الحقيقة كاملة.

في السعودية يخبرونهم بأن عبد العزيز وحد القبائل وأسس المملكة العربية السعودية، لكنهم لا يخبرونك بخيانته للدولة العثمانية وتحالفه مع الإنجليز، ولا بطشه بالقبائل، يخبرونك أيضًا أن الملك سعود عزل ولا يخبرونك لماذا، يتحاشون إخبارك عن حركة الأمراء الأحرار في السعودية ومقتل الملك فيصل، وفي الامتحان يسألونك: من هو خادم الحرمين الشريفين؟!

إنها الأسباب نفسها التي لا يدرسونك فيها شيئًا عن حرب اليمن، وأسبابها، ولا عن السبب الحقيقي لضياع فلسطين، ولا أيلول الأسود، وهو الكتاب نفسه الذي يوهمك أن الشعوب تنتصر في النهاية، ولا يخبرونك بالحقيقة المرة، أن انكسارات شعوبنا تفوق انتصاراتها، وأننا استسلمنا للغزاة مرات عديدة فقدنا فيها هويتنا وأصبحنا ندافع عن هوية من كنا نحاربهم بالأمس، فنحن لا نعترف بأننا خسرنا لدرجة أننا بتنا ندافع عمن كنا نحاربهم بالأمس، دعوا الشعوب تتوهم أنها دائمًا منتصرة، ليأتي عدو جديد نستسلم له وندافع عنه متوهمين أننا ندافع عن هويتنا أيضًا، وهكذا، المهم أن تنام مطمئن البال وأنت مقتنع تمامًا أننا لا ننكسر ولا نستسلم وننتصر في نهاية الأمر، أتدري لماذا؟! لأنك انكسرت وضاعت هويتك وبت تدافع عمن كسروا آبائك وأجدادك، فقط كي لا تنكسر في كتب التاريخ، أما الأسوأ فهو أن من تدافع الكتب عنهم اليوم لا يملكون هوية أو أيديولوجية، إنها عصابة تحكمك ويجب أن تدافع عنها فقط لا غير، كي تزين كتب التاريخ باسم قائد «سفاح» جديد وانتصار شعب «غلب على أمره وأقنعوه أنه اختار، وانتصر.

دعونا ننظر إلى ثورات الربيع العربي، الثورات التي دفعت فيها شعوبنا ثمنـًا باهظـًا، الدماء والمال، فماذا حدث لها؟! في البداية وجدنا دعمًا كبيرًا من المشرق والمغرب، الكل سأم هذه الأنظمة القمعية المتخلفة، وبات يبحث عن أنظمة جديدة، لكن الأزمة أن جميع أنظمتنا غير مرضي عنها من كل دول العالم، ولكنها غير مغضوب عليها، بمعنى أنها أنظمة تعرف حجمها الحقيقي، لا تستطيع أن تواجه إلا شعوبها، بينما تقدم التنازلات للأنظمة التي حولها كي ترضى وتغض الطرف عنها، أما المشكلة فهي أن طموحات الشعوب تفوق حكامهم، أما المعلومة التي لا يجرؤ أحد على إخبارك بها، أن السواد الأعظم من هذه الشعوب لا يقل دموية أو ديكتاتورية عن حكامهم، ويسعون للتغيير لزيادة امتيازاتهم فقط لا غير، لا للدفاع عن العدل والمساواة بين الجميع، أما القلة المضحية والمؤمنة بالتغيير نحو الأفضل فهي لا تملك البديل، وتحارب من الجميع حكومات وشعوب.

لقد حاول الغرب تغيير الأنظمة العسكرية التي تحكمنا بأخرى ديمقراطية، دعموا شعوبنا بقوة بالسلاح والمال والإعلام وأحيانـًا بالقوة المباشرة مثلما حدث في ليبيا، فماذا كانت النتيجة؟! عندما وجدوا أن التغيير واختيارات الشعوب ستأتي بخيار يتعارض مع مصالحهم، اختاروا التراجع تاركين الشعوب في منتصف الطريق، كالزوجة المتمردة على زوجها الظالم، والتي وقف الحي كله بأكمله معها، ودعمها للمضي في طريق التمرد، وترك منزلها، حينها فقط أدرك العالم حجم المسؤولية الملقاة على عاقته، تراجع الجميع عن إيوائها، فعادت منكسرة ذليلة إلى زوجها الذي انتقم منها أشد انتقام.

أما الخليج العربي – باستثناء قطر – فقد حارب ثورات ودعم ثورات أخرى، حارب الثورة المصرية والتونسية والبحرينية، ودعم الثورة السورية، فقط لأن مصالحه تقضي بذلك، الجميع كان يستهدف إسقاط بشار، ولكن بشارًا كان ذكيًا وأدرك اللعبة، وجه كل ضرباته صوب شعبه وأفرج عن قيادات عديدة من التيارات الأكثر تطرفـًا، تركها تنمو وتتوحش بانضمام أشد إرهابيي العالم خطورة، ابتلع الإرهاب المعارضة الشعبية وفتك بها شأنه شأن النظام، بينما التقطت دول الخليج الطعم بكل سذاجة وقدمت الدعم للأكثر نجاحًا على الأرض، فبات العالم أمام خيارين؛ الأسد أو داعش، فاختار مرغمًا بشارًا أو إبقاء الوضع على ما هو عليه، وبات الشعب السوري كالزوجة التي طلقت من زوجها بالقوة وتزوجت رجلاً أسوأ منه رغمًا عن الجميع، وباتت تعيش وحيدة بين ظلم الزوج الجديد الذي يأبى أن يتركها أو الزوج القديم الذي لا يفتأ يهددها بالثأر منها في كل يوم وكل لحظة.

تعالوا إلى اليمن فتلك قصة أكثر درامية، دعم الخليج وعلى رأسه آل سعود علي عبد الله صالح على حساب شعبه، وعندما تيقن الجميع من صعوبة إبقاء الوضع على ما هو عليه، اختاروا نائبه عبد ربه منصور لإسكات الشعب وإبقاء النظام القديم ومصالحهم في اليمن، أما صالح فرفض الاستسلام وتحالف مع العدو إيران، وتحول الصراع من ثورة شعبية إلى صراع مذهبي تشعله السعودية وإيران، وضاعت أحلام الشعب اليمني في التغيير، والذي بات كالزوجة التي رفضت محاولات والدها على إجبارها على الزواج بالرجل الذي اغتصبها ليغير رأيه ويزوجها رغمًا عنها لابن عمه، لكن العريس الأول لم يستسلم ولا ابن عمه، وباتت تعاني من اقتتالهما وتركها كـ «البيت الوقف» معذبة بين طرفين لا تبغي أيًّا منهما.

إن شعوبنا العربية انكسرت وأذلت وأهينت وفقدت إيمانها بنفسها، رضيت بالهوان والهوان لم يرض بها، فقدت القدرة على الصمود أو المواجهة، لم تمتلك البديل ففضلت الصمت، رفض البعض الاعتراف بانكساره ودعم وجوهًا جديدة من الأنظمة القديمة نفسها، بينما تمت التضحية بكل من تجرأ ورفع شعار الثورة، السجون تمتلأ بهم، تستمتع بهم وهم يرتدون ألوان الأبيض والأزرق والأحمر، لذلك دعونا نعترف، نعم لقد غلبت شعوبنا بعد أن تخلى العالم عنها، بعد أن فشل قادة المعارضة في التوحد لمصلحة شعوبهم، فمنهم من خان وعقد صفقات مع الأنظمة القديمة، ومنهم من اختار الهروب، ومنهم من اختار الصمت متلاشيًا غضب نظام كان على شفا الانهيار، يأس العجائز فقبلوا بالضنك  كعادتهم انتظارًا للموت، أما الشباب فاختاروا السجون أو الهجرة سواء أكانت شرعية أم غير شرعية تنتهي به غرقـًا في البحار، ومن تمرد منهم استقبل بالاعتقال والرصاص، أما البقية فقد اكتفوا ببعض العبارات الغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل