المحتوى الرئيسى

كيف أصبح الحلم كابوساً؟! | المصري اليوم

12/27 01:30

عندما تضع اسم «جنوب السودان» على محرك البحث، ستجد ما يكفى من عناوين لإدهاشك وإثارة فزعك على السواء.

الدولة الجديدة التى تأسست عملياً فى العام 2011، بعد استفتاء تاريخى، اختار فيه «الجنوبيون» فى جميع أرجاء السودان الخروج من الوطن الأم لبناء دولة منفردة يتحقق لهم فيها ما افتقدوه من «تنمية وعدالة»، ويتخلصون بها مما لحق بهم من «تمييز»، ويوقفون بها «حرباً أهلية» اندلعت بين السودانيين لعقود، حتى أنهاها الشريكان «البشير وسيلفا كير» بتعزيز الانفصال، كانت الأخبار عنها قبل خمس سنوات تتحدث عن الحلم والأمل والإشراق، وكانت الكلمات الرسمية للزعماء السياسيين تَعد بجنّة أفريقية على ضفاف النيل الجنوبى، وطىّ صفحة الجنوبيين مع الآلام.

اليوم تستطيع أن تقرأ هذه العناوين على محركات البحث: «الأمم المتحدة: إبادة جماعية على وشك الحدوث بجنوب السودان. جنوب السودان يشهد عمليات تطهير عرقى مروعة. عدد اللاجئين من جنوب السودان يقترب من المليون لاجئ».

خمس سنوات فقط من «الاستقلال» وصلت بجنوب السودان إلى مثل تلك العناوين، وسط كوارث إنسانية ربما لا تجد لها مكاناً لافتاً على أجندة الإعلام العربى، بفعل تصدر أولويات ملفات التنازع الإقليمى الأكبر فى سوريا والعراق واليمن وليبيا.

خمس سنوات فقط من «السلطة» كانت كافية أن ينقلب رفاق السلاح- الذين قاتلوا معاً نظام «الشمال» لسنوات تحت لواء الحركة الشعبية- ليقاتلوا بعضهم البعض، وينكثوا وعودهم للجنوبى المسكين الذى بشّروه بالخلاص، فإذا بهم ينقذونه من الرمضاء ليلقوا به فى النار.

هل كان من الأفضل أن يذهب الجنوبيون بدولة غير مكتملة الأركان والمقومات، وقادتها ونخبها غير مكتملى النضج، ولم يغادروا بعد مواقعهم كقادة تمرد وحروب عصابات ليكونوا رجال دولة، أم النضال فى إطار وطن واحد من أجل التنوع والتعدد والسودان الواحد الذى يتسع للجميع؟

كان الثانى خيار القائد التاريخى لجنوب السودان «جون جارانج»، الذى ظل حتى وفاته إثر سقوط طائرته، يُعرّف نفسه باعتباره النائب الأول للرئيس السودانى، ومن قبل ذلك زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان. كان يقول إنه يرغب فى تحرير السودان، كل السودان وليس الجنوب فحسب.

لكن تلامذته، وإن ملأوا العالم زهواً قبل خمس سنوات بنجاحهم فى تحرير الجنوب من الشمال، أسقطوا هذه المنطقة المنكوبة فيما هو أصعب من تسلط دولة الشمال وتمييزها الصارخ.

كان الانفصال خياراً ثنائياً بين شريكى الحكم السودانى وقتها، حزب المؤتمر الوطنى الذى يتزعمه الرئيس السودانى عمر البشير، ونائبه وقتها سيلفا كير، زعيم الحركة الشعبية. كان اتفاق السلام يقضى ببذل كل الجهد لجعل خيار الوحدة محبباً لدى المواطنين الذين سيصوتون للاستفتاء، لكن الدولة السودانية لم تُرد ذلك، أراد البشير الخلاص من الجنوب بكل «صداعه» ليتفرغ لمشروع «إسلامى نقى» بعد طرد الآخر من دولته، وهو ما زفه للسودانيين بالفعل بعد إعلان نتائج الاستفتاء، وفضّل سيلفا كير دولة يحكمها بمفرده فى الجنوب بدلاً من أن يظل رجلاً «ثانياً» إلى الأبد، فى وطن يحتاج جهداً لتعزيز تنوعه.

وبين الطرفين مجتمع دولى واسع، انحاز لما يطرحه من مبادئ حقوقية، لكنه وهو يدفع باتجاه انفصال الجنوب غَضَّ الطرف كثيراً عن غياب مقومات الدولة كاملة، حتى إن آخر تقرير أممى صدر فى سبتمبر الماضى يتهم النخبة العسكرية فى الجنوب، بمن فيهم رئيس الدولة سيلفا كير ونائبه الذى ينازعه السلطة «رياك مشار»، بالاستفادة المادية من الحرب الأهلية، مع تقصى حالات فساد وشركات للأبناء، تجعل الحرب مشروعاً ناجحاً لبضعة أفراد، فيما يكتوى الناس بنار الحرب وآلامها. ما جعل الممثل الأمريكى الكبير «جورج كلونى»، الذى كان من أوائل المتحمسين لهذه الدولة الوليدة، يطلق النداءات التى تدعو العالم للتدخل الحازم لوقف هذه الحرب وتلك الممارسات.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل