المحتوى الرئيسى

كيف تصنع صحيفة جماهيرية في 3 شهور؟.. الإجابة: محمود عوض

12/27 19:08

كتب- أحمد الليثي ويسرا سلامة:

شرط واحد وضعه محمود عوض أمام رئيس حزب الأحرار لتقبل رئاسة تحرير الجريدة "اتسلم العمل دون تدخل، ولكم صفحة وحيدة -رقم 2- تنشر أخبار الحزب، وليس لكم شأن فيما يُنشر"، كان ذلك في في خواتيم عام 1985، حينها كانت الجريدة توزع نحو 15 ألف نسخة.. فيما أضحت ملء السمع والبصر بعد أقل من 90 يوم بفضل أفكار "عوض".

للمرة الأولى يوضع اسم عوض رئيسا للتحرير، قرر وقتها الاعتماد على صغار الصحفيين لا الأسماء المشهورة، راهن أن يصنع بهم فارقا، كان أبرزهم "عبد الله كمال" الطالب في آخر سنواته بكلية الإعلام "كان بيحبه جدا ومقدر موهبته رغم اختلافهم الفكري" يحكي الكاتب الصحفي نصر القفاص.

أجلس الكاتب الكبير تلاميذه كمدرب يضع خطة لمباراة المكسب فيها لا فرار منه، أوضح لهم أن العنوان الصارخ دون معلومة "تضليل"، والمعلومة دون حبكة صحفية "اجتهاد لا موهبة فيه"، لذا خرجت الجريدة معلنة عن رؤية صحفية مختلفة، خلطة لا يتقنها إلا من علِم لـ"الصنعة" جلالها وتأثيرها.

في صبيحة 25 فبراير من العام 1986 كانت البلاد تضج بمظاهر عساكر الأمن المركزي احتجاجا على أوضاعهم، تعددت أماكن الأحداث بين القاهرة والفيوم، الإسكندرية وأسيوط وسوهاج والإسماعيلية وعدد من المحافظات، عندها قال عوض لرفاقه "سنسابق الكاميرات.. سنصنع عددا صحفيا بروح المراسل التليفزيوني"، وزع رئيس التحرير محرريه كلٌ في موقع للأحداث وطالبهم بالكتابة عن خلفيات ما جرى وتبعاته، الخروج بقصص طازجة تخلو من نمطية بيانات السلطة والروايات الرسمية المعلبة، لذا لم يكن مستغربا أن يصل توزيع الأحرار إلى 140 ألف نسخة.

يروي عبد الله كمال –في مقال سابق- عن دور الأستاذ عوض في الأحرار بأنه كان ملهما في الصحافة والإنسانية، داعما للشباب كأصحاب التجربة وعمادها، يشرح كيف أفرد له مساحة بباب عن أخبار الجامعات وهو لم يزل طالبا بالسنة الأخيرة في إعلام القاهرة، وعن الروح السائدة في المكان. يقول كمال إنه في إحدى المرات أرسل عوض الساعي ليحضر له العشاء فكان "كباب وكفتة"، وقبل أن يغادر الساعي سأله "شوف مين سهران وهات لهم عشا"، فرد "هاياكلوا فول وطعمية زي كل يوم"، قبل أن يعترضه عوض "تجيبلهم زي اللي أنا باكله".

لم تكن تعنيه المحسوبيات، معياره الوحيد هو الكلمة، من يستحق أن يحملها وإلى من تُبعث؛ لذا كانت زيارات مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار لمكتب رئيس التحرير لا تُفضي إلى شيء، في كل مرة يعرض عليه نشر مقالا لأحد قيادات الحزب، فيمزقه عوض مؤكدا أنه لا يستحق النشر "القارئ يحتاج إلى كلام مفيد".

"انفراد: تغيير وزاري على الأبواب" كان ذلك عنوانا لقصاصة حملها "كامل مراد" في زيارة أخرى لعوض، مؤكدا له أن ذلك سبقا صحفيا وفي كل مرة يقول عوض "من المصدر؟" وتأتيه الإجابة باردة "يا سيدي لو طلع صح نبقى كسبنا ولو غلط عادي، هو لازم نجيب المعلومة من رئيس الجمهورية"، يحتد الكاتب الكبير وهو يرد بعصبية "أنا معنديش خبر يتكذب.. والمعلومة دي الصحفي الشاطر يعرف يجيبها من الرئاسة غير كدة مش هنشر".

"محمود عوض عمل إشهار ضوء أن هناك شئ حقيقي ممكن يتعمل" يعلق الكاتب عبد الله السناوي على "تجربة الأحرار"، موضحا أنه كان حزبا لا يمثل قاعدة في الشارع لكن تأثيره ظل صحفيا بتجربة "عوض" الدسمة.

باتت الجريدة محرابا يدافع عن حرية الرأي دون حسابات، يقف في صف الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين في معركته ضد الشيخ الفاسي، بعد منع نشر مقاله في الأهرام، وكان الأستاذ بهاء قد دون نقدا لاذعا لوزير الأوقاف وللدولة التي تحتفي بشيخ "مُدعي" -على اعتبار أنه رئيس المجلس العالمى للصوفية واشترى عددًا غير قليل من علية القوم وكبار وصغار الصحفيين بأمواله التي كان ينفقها بالملايين- حسب رواية بهاء، وبعد رفض نشر الأهرام للمقال ظل الأستاذ بهاء يرسل المقال ذاته يوميا، فيما كان عوض وجريدته الأحرار ساحة مفتوحة للدفاع عنه ضد سطوة الدين والمال. بينما كانت تتعالى نبرة الإخوان المسلمين داخل "الأحرار" بقيادة نائب الحزب صلاح أبو إسماعيل.

13 عددا فقط من الأحرار، خرجت تحمل توقيع عوض رئيسا للتحرير ، قفز في منتهاها التوزيع إلى 140 ألف نسخة، قبل تلك الليلة.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل