المحتوى الرئيسى

ماذا لو استيقظت فوجدت نفسك وحيدًا في الفضاء؟ عرض لفيلم «Passengers» - ساسة بوست

12/27 12:04

منذ 2 دقيقتين، 27 ديسمبر,2016

ماذا لو وجدت نفسك وحيدًا على جزيرة نائية، وتأكدت تمامًا أنك ستظل عليها بلا أمل في العودة إلى وطن؟ هل ستقدر على تقبّل فكرة أنك ستقضي بقية حياتك وحيدًا؟ سنوات طويلة لا تحدث أحدا سوى الأشجار والأحجار ومياه البحر وطيور السماء؟ حتى توم هانكس في فيلم «Cast Away» كاد أن يجن بعد شهور قليلة من وجوده وحيدًا على جزيرة نائية، بعد أن تحطمت الطائرة التي كانت تقله، وسقطت في عرض المحيط.

ماذا تفعل لتجد من يؤنس وحدتك؟ ولأي حد سوف تضحي لهذا الهدف؟ هل ستتخلى عن بعض مبادئك في سبيل حماية نفسك من الجنون أو الانتحار؟

هذا ما يحاول فيلم الخيال العلمي الجديد «Passengers» الإجابة عليه عبر بطل الفيلم جيم بريستون (يؤدي دوره كريس برات نجم فيلم Guardians of The Galaxy)، الذي لا يجد نفسه حبيسًا لجزيرة، وإنما حبيسًا لمركبة فضاء عملاقة تقطع مسافات شاسعة بين النجوم بسرعة تقترب من نصف سرعة الضوء. ويجد نفسه وحيدًا رغم وجود أكثر من خمسة آلاف شخص على متن نفس السفينة، لكنهم جميعًا في سبات عميق، لن يقوموا منه قبل 90 سنة!

رحلة نجمية في أعماق الكون

تدور أحداث الفيلم في المستقبل، حيث البشر يستوطنون الكواكب الواقعة في الأحزمة الكوكبية القابلة للحياة، حول النجوم التي لا تزال شابّة، وتُسيّر الشركات الخاصة رحلات تجارية يحمل كل منها آلافًا من البشر على متن سفن فضائية سياحية مجهزة بالكامل لخدمة وراحة ورفاهية المسافرين الذين يودون بدء حياة جديدة على بعض عشرات السنين الضوئية من كوكب الأرض.

إحدى تلك السفن النجمية تسمى «آفالون» وتحمل 5000 مسافر و 259 من طاقم السفينة، تتجه إلى مستعمرة كوكبية تسمى «هومستيد2» في رحلة تستغرق 120 سنة بتوقيت كوكب الأرض، ويتم فيها وضع جميع مسافري وطاقم السفينة في وضع من السبات العميق لا يستيقظون منه إلا قبل الوصول لوجهتهم بقليل، حيث يتم إيقاظ طاقم السفينة أولا قبل الوصول بعدة شهور، ويعمل الطاقم على إيقاظ باقي المسافرين لاحقا، بعد تجهيز السفينة لاستقبالهم ومعيشتهم.

وخلال أول ثلاثين عامًا من الرحلة تمضي السفينة الضخمة، التي تشبه «نحلة» اللعب التي يلهو بها الأطفال، حيث تدور ثلاثة جوانب عملاقة تشبه الأقواس في حركة مغزلية دائمة حول محور طويل يربط محرك السفينة المعتمد على مفاعل نووي، بمقدمة السفينة التي تنشر درعًا للطاقة يقي السفينة من خطر النيازك والكويكبات الصغيرة التي يمتلأ بها الفضاء البين-نجمي. تمضي السفينة في سلام دون أي تحكم من جانب الأرض، لأن الإشارات تستغرق سنوات طويلة للانتقال من الأرض للسفينة التي تمضي بسرعة فلكية، والعكس. يتحكم في كل تفاصيل رحلة السفينة كمبيوتر مركزي قوي، متصل بمئات الروبوتات والنظم الآلية الأخرى.

ثم يحدث أن تقابل السفينة زخات نيزكية عنيفة يقاومها درع الطاقة بشدة حتى يعبر منها بعد مقاومة طويلة تهتز فيها السفينة اهتزازات عنيفة، يبدو بعدها وكأن السفينة قد عبرت الأزمة بسلام إلا أن شيئا يحدث ينبئ بالعكس، من الواضح أن عطًاا فادحًا حدث جعل أحد المسافرين يستيقظ فجأة من سباته الصناعي على عكس المخطط له.

تحتوي السفينة على آلاف من حجيرات السبات العميق المصفوفة بعناية ومربوطة بالكمبيوتر المركزي لمراقبة إشارات المسافرين والطاقم الحيوية، والعناية بضخ الغذاء والأكسجين لدمائهم وكذلك تدليك عضلات أجسادهم، يتم وضع المسافرين في تلك الحجرات على الأرض قبل إقلاع السفينة عبر أجهزة وترتيبات خاصة، والمفترض ألا تنفتح أي من تلك الحجرات قبل مرور 120 سنة من السفر عبر الفضاء.

تنفتح حجرة المسافر «جيم بريستون» وتبدأ مضيفة افتراضية تظهر كهولوجراف في الهواء في إرشاده لما سيقوم بعمله، تطمأنه أنه سيعاني قليلا من غثيان ودوار ما بعد السبات العميق، وترشده إلى حجرته – التي تبدو مثل حجرة فندق فاخرة – حيث تنصحه بالراحة وبشرب الكثير من السوائل. وحينما يستيقظ جيم بعد نوم عميق تظهر له المضيفة مرة أخرى، وتخبره أن عليه التوجه إلى غرفة أخرى لحضور محاضرة تدريبية حول أساسيات العيش في مستوطنة هومستيد 2، يذهب جيم إلى قاعة المحاضرة حيث لا يوجد غيره، وتبدأ سيدة أخرى – هولوجرام أيضًا – في إلقاء المحاضرة موزعة انتباهها بين حضور وهمي، يفهم جيم أن شيئا خطأ يحدث، فيسأل السيدة – التي تتمتع بذكاء اصطناعي يتيح لها فهم الأسئلة والرد عليها – عن سبب عدم وجود باقي أفراد مجموعته. يصاب بالرعب، يدور في جميع أنحاء السفينة الشاسعة بحثًا أن أي شخص، يصرخ ويطرق على جميع الأبواب بلا مجيب. يدرك جيم الكارثة، لقد استيقظ قبل الجميع بـ 90 سنة كاملة!

يحاول جيم بشتى الطرق إصلاح حجيرة السبات الخاصة به والعودة مرة أخرى للنوم، إلا أنه يفشل في ذلك، يحاول الاتصال بالأرض لكنه يدرك أن الاتصال سيستغرق عشرات السنوات ليصل للأرض وليستقبل ردا. يشعر بالضياع التام.

يؤنس وحدته قليلا روبوت ذو مظهر بشري يدعى «آرثر» (يؤدي دوره الممثل الإنجليزي مايكل شين) يقف في مشرب السفينة، ويبدأ في مباشرة العمل وتلميع الكؤوس وإعداد المشروعات بمجرد إداركه أن أحدا استيقظ. يلعب مايكل شين دورا معقدا للغاية، الروبوت ذو الذكاء الاصطناعي المتقدم الذي يفترض أن يتعاطف مع أزمة جيم ويخفف من روعه، هذا على الرغم من إمكانيات الروبوت المحدودة التي مهما تطورت لن تبلغ أصالة العطف والحب البشري. إلا أن شين يقدم الدور بذكاء شديد جدا، ويستعيض عن نقص إمكانيات التعاطف بحس فكاهي راقٍ للغاية، ربما كان شين أفضل من لعب دور الروبوت الذكي المرح في تاريخ أفلام الخيال العلمي، أفضل كثيرًا من «جارفيس» في Iron Man، ومن «أندرو مارتين» في Bicentennial Man، ومن «تارس» في Interstellar.

ينصحه آرثر بأن يعيش حياته قليلا، ويشغل نفسه بالإمكانيات المذهلة الموجودة على السفينة، وبالفعل يبدأ جيم في استكشاف أجزاء السفينة، هنا يأخذنا المخرج «مورتن تيلدام» – سبق وقدم قصة حياة مخترع الكمبيوتر آلان تورينج في فيلم The Imitation Game – في رحلة بصرية رائعة داخل البناء المعماري المذهل للسفينة، والذي تم تنفيذه بشكل مبهر ليمثل تجربة رفاهية لا تنسى للمسافرين عبر متن السفينة في حال استيقاظهم. يستكشف جيم المطاعم وحمامات السباحة وساحات التريض والأجنحة الفندقية الفاخرة والوافذ الزجاجية الضخمة المطلة على عظمة الكون بالخارج، وكل ذلك مؤتمت ومتصل بأجهزة الذكاء الاصطناعي طول الوقت.

يمضي جيم عامًا كاملًا على متن السفينة، وفي كل يوم يحكم اكتئاب الوحدة قبضته على روحه ليختنق جيم ببطء، ولا يهون عليه كونه مسافرًا على متن واحدة من أعظم معجزات البشر التقنية، ولا تسليه مشاهد الكون الرائعة التي يتطلع إليها من حين لآخر بعد أن يلبس ملابس الفضاء ويخرج خارج السفينة ليسبح في الفراغ مراقبا النجوم والمجرات والسحب النجمية بألوانها المذهلة التي لا يضاهيها أي مشهد على الأرض.

يؤكد فيلم Passengers، وبعمق، فكرة عدم قدرتنا كبشر على العيش في جزر منعزلة، وأننا كائن اجتماعي لا يستطيع أن يفرط في وجوده مع آخرين مهما كان المقابل. وعلى عكس موجة أفلام التسعينات وأوائل الألفية الجديدة التي تناولت الأزمات الكبرى التي قد تعرض البشر للإبادة، مثل غزو الكائنات الفضائية والكوارث الطبيعية والحرب مع روبوتات عالية الذكاء، ثم قدرة البشر على تخطي ذلك وإعادة إعمار الأرض. على عكس ذلك ينتمي Passengers لفئة الأفلام الجديدة التي ظهرت منذ بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين والتي يترك فيها الإنسان الأرض ليبحث عن وطن جديد في أعماق الفضاء يمكنه من البداية من جديد. الساخر هنا أن جيم ترك وطنه الأصلي الأرض ليموت وحيدًا في الفضاء في الطريق لوطن لن يصله.

يمر جيم يومًا بجوار حجيرة السبات الخاصة بإحدى المسافرات، ينظر إلى ملامحها الملائكية من خلال الغطاء الزجاجي الشفاف للحجيرة، يطالع معلومات عنها من الشاشة الصغيرة المجاورة، ويعلم أنها كاتبة وصحفية. تشغل الفتاة «أورورا لين» – الجميلة جينيفر لورانس الحائزة على جائزة الأوسكار – تفكير جيم، يظل أيامًا طويلة يقرأ كل أعمالها المتوفرة على الإنترنت. تجتذبه شخصيتها وطريقة تفكيرها.

هنا ينقلب مسار الفيلم، مع تفكير جيم في إيقاظ أورورا لتؤنس وحدته المفروضة عليه خلال عشرات السنين القادمة، يحاول جيم منع نفسه مرارا خلال أيام طويلة من تنفيذ الفكرة، إلا أنه يفشل. يكاد ينتحر ذات يوم بإلقاء نفسه في الفضاء دون الاحتماء بالبذلة الفضائية، لكنه يمتنع في آخر لحظة.

يصل جيم إلى نقطة عدم الاحتمال، إما أن ينتحر أو يوقظ أورورا. وبالفعل يوقظ أورورا، لكنه لا يخبرها أنه أيقظها، وأنّ عطلًا ما بالسفينة أيقظه وأيقظها هي الأخرى من السبات الآلي.

الحب في مقابل أزمة وجود

تمضي باقي أحداث فيلم Passengers في محاولة جيم وأوروا تجاوز فكرة إمضاء حياتهم الباقية على السفينة فقط بصحبة آرثر ولا أحد غيره، ثم يبدو أنهما تجاوزا ذلك – بروحهما المغامرة التي أتت بهما لهذا المكان في الأصل، روح المخاطرة واستكشاف المستحيل – ويقعان في غرام بعضهما البعض.

نرشح لك

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل