المحتوى الرئيسى

الديمقراطية الفتيَّة في تونس أمام اختبار عودة مقاتلي داعش

12/26 18:29

تبدو السلطات التونسية حاليا في وضع لا تحسد عليه، فمن جهة تشتد الضغوط الداخلية والمطالب بعدم السماح للمقاتلين التونسيين في صفوف الجماعات الإرهابية بالعودة إلى بلادهم، ومن جهة أخرى تواجه البلاد انتكاسة جديدة فيما محاولاتها تحسين صورتها في الخارج؛ بعد تورط أنيس العامري في حادثة الدهس في برلين مخلفا 12 قتيلا في ثاني هجوم كبير يقف وراءه تونسي في أوروبا خلال أشهر بعد حادثة الدهس المشابهة بنيس الفرنسية في يوليو الماضي والتي خلفت 84 قتيلا. وقد أدى هجوم برلين إلى تسليط المزيد من الضوء حول مسألة تعجيل إجراءات ترحيل المهاجرين المغاربيين إلى بلدانهم وهو الموضوع الذي اتهمت فيه وسائل إعلام ألمانية تونس بالتلكؤ وعدم التعاون. كل هذه المعطيات طرحت من جديد السؤال القائم منذ سنوات: ما العمل مع العائدين من بؤر الإرهاب إلى تونس؟

الجدل حول الموضوع في تونس يُظهر وجود تيارين على الأقل، الأول يرفض رفضا قاطعا عودة المقاتلين التونسيين إلى بلدهم بل ويطالب بسحب الجنسية منهم على اعتبار أنهم سيشكلون خطرا على أمن البلاد. بينما يرى التيار الثاني أن الحل يكمن في قبول هؤلاء على أساس أن تتم محاسبتهم ثم محاولة إدماجهم مرة أخرى.

سحب الجنسية، هل هو الحل؟

تعتبر تونس من أكبر مصدري الجهاديين إذ تقدر الحكومة أنه منذ عام 2011 غادر 3000 شخص البلاد إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، لكن تقارير دولية ومن بينها تقرير صدر عن خبراء من الأمم المتحدة نشر في يوليو من العام الماضي قدر عددهم بنحو 5500. وأفاد وزير الداخلية التونسي الهادي مجدوب بأن عدد العائدين من بؤر التوتر ناهز 800 شخص، بعضهم ملاحق قضائيا وآخرون يخضعون للمراقبة أو الإقامة الجبرية.

الجدل حول العائدين إلى تونس بدأ يتصاعد منذ بداية الحديث عما يُطلق عليه في تونس مشروع قانون التوبة، وهو مصطلح كان أطلقه الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي في أواخر 2014 ولقي دعما بعد ذلك من طرف راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية، لكن صيغته حتى الآن غير معروفة، إذ لم يتضح بعد ما إذا كان سيُطرح كقانون خاص أو كبند من قانون الإرهاب، كما ليس واضحا ما إذا كان المقصود بالتوبة عدم محاسبة هؤلاء المقاتلين على نشاطهم الإرهابي أم لا وهو ما يؤجج الجدل حول الموضوع.

في هذا السياق حذرت نقابة أمن تونسية مما أسمته "صوملة" البلاد في حال عاد جهاديون تونسيون من الخارج مطالبة الحكومة بمنعهم من العودة وإسقاط جنسياتهم، وأشارت إلى "وجود حراك كبير من بعض الحقوقيين والمنظمات الذين يشكلون عنصر إسناد خلفي للتنظيمات الارهابية"، كما خرجت تظاهرت لمنظمات من المجتمع المدني أمام البرلمان ضد "التوبة" وعودة المقاتلين إلى تونس. فيما رأى راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الاسلامية المشاركة في الحكومة وتعتبر ثاني قوة نيابية في البرلمان، إنه لا يمكن "فرضهم" على دول أخرى.

ويرى الدكتور عبد اللطيف الحناشي، أستاذ الفكر السياسي المعاصر في جامعة منوبة بتونس، والخبير التونسي في شؤون الإرهاب أن المطالب بسحب جنسية الجهاديين العائدين غير واقعية بحكم أنها تتعارض مع الفصل 25 من الدستور التونسي الذي يحجر سحب الجنسية التونسية من أي مواطن أو تغريبه أو تسليمه أو منعه من العودة إلى الوطن. ويضيف الحناشي في تصريحات لـDW عربية: "الحل يكمن في قبول المقاتلين العائدين على أساس أن تتم محاسبتهم خاصة وأن القضاء التونسي يحكم على كل من ثبت حمله للسلاح بعقوبات لا تقل عن 20 سنة سجنا. بعد ذلك ينبغي العمل على تأهيل هؤلاء على كل المستويات".

تورط التونسي أنيس عامري في هجوم برلين ركز الأنظار على ظاهرة الإرهاب القادم من تونس

لكن الخبير التونسي ينتقد في نفس الوقت عدم وضوح ما يسمى بقانون التوبة. ويشير إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن تونس لا تتوفر على الإمكانيات الكافية لتأهيل وإعادة إدماج هؤلاء خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد وحتى الدعم الذي تقدمه بعض الدول الغربية في هذا الإطار يبقى غير كاف في نظر الحناشي. "عدد السجون في تونس لا يتجاوز 28 سجنا على الأكثر وكلها مكتظة جدا، بالتالي أين سيبقى هؤلاء عندما يعودون؟ وأين هي الإمكانيات لتأطيرهم؟"، يقول الخبير التونسي. وكان الغنوشي من جانبه قال في تصريحات أدلى بها خلال خلال اجتماع مع قواعد حزبه يوم الأحد إنه "ينبغي أن نتعامل مع الموضوع بجدية ونتحمل مسؤوليتنا. القضاء والشرطة والتربية وعلماء النفس والإعلام كلهم سيتعاملون مع هذا المرض".

من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي المقيم في لندن كميل الطويل أن هذا الجدل ليس بجديد وهو جدل لن ينتهي. ويضيف في حوار أجرته معه DW عربية أن هذه الإشكالية مطروحة في أكثر من دولة، حتى في بلد كبريطانيا يطرح دائما سؤال: كيف ينبغي التعامل مع من رجعوا من بؤر ساخنة خاصة من قاتلوا مع داعش وغيرها من التنظيمات المتطرفة؟. المشكلة التي تواجه السلطات مع ما يسمى بقانون التوبة حسب الطويل هي أنه لا يمكن التأكد من صدق نواياهم وما إذا كانوا بالفعل تخلوا عن الفكر المتطرف وتبني العنف بل قد يستغلون مبادرة كهذه للتخطيط لعميات جديدة داخل تونس. وعلى هذا الأساس يرى المحلل السياسي أن الأمن القومي لأي دولة يجب أن تعطى له الأولوية في مثل هذه الحالات حتى إن تطلب الأمر تقييد حرية الأفراد الذين يُعتقد أنهم يحملون أفكارا متطرفة ومع ذلك لا يرى الطويل في سحب الجنسية من هؤلاء القررا الأمثل، "سوى إذا ما أعلنوا أنهم يفضلون جنسية ما يسمى دولة الخلافة مثلا على جنسيتهم".

تونس المشغولة بمحاربة الإ{هاب داخل البلاد وارتفاع بطالة الشباب تواجه ضغوطا متزايدة

ويعطي الطويل أمثلة للطرق التي يمكن عبرها احتواء هؤلاء المقاتلين العائدين الذين يعلنون تراجعهم عن الأنشطة الإرهابية، وذلك من خلال اختبارهم بحيث يطلب منهم إعطاء معلومات قد تدل على إرهابيين آخرين أو تحبط عمليات يتم التخطيط لها. ويقول الطويل إن في بريطانيا مثلا مقاتلين عادوا من بؤر كانوا يقاتلون فيها بعدما أدركوا أنهم كانوا مخطئين، وهو اليوم يساعدون في مراكز أبحاث في فهم ظاهرة التطرف وسبل التصدي لها.

الضغوط على تونس تتزايد من الخارج أيضا خاصة بعد اعتداء برلين الأخير والذي تبناه تنظيم داعش ونفذه تونسي يدعى أنيس عامري، فقد أعاد هذا المعطى النقاش حول تباطؤ ترحيل المهاجرين المغاربيين الذين رفضت طلبات لجوئهم، كما شكل مناسبة لتوجيه الانتقادات للدول المغاربية وخاصة تونس بسبب ما وصفته وسائل إعلام ألمانية وسياسيون ألمان المماطلة وعدم التعاون في هذا الموضوع. وفي هذا السياق نفى مسؤول بوزارة الخارجية التونسية اليوم الاثنين وجود أي تقصير محتمل في ملف ترحيل المشتبه به في حادثة الدهس في برلين أنيس العامري، بعد طلب تقدمت به السلطات الألمانية في ذلك ولقي الموافقة النهائية قبل يومين من تاريخ الهجوم.

موقع تاغس شاو الألماني تطرق في مقال للأسباب التي تجعل ترحيل المهاجرين المغاربيين معقدا، وجاء فيه أن الدول المغاربية عموما لا ترى مصلحة في استرجاع هؤلاء المرحلين، ففي تونس مثلا يصل معدل البطالة في صفوف الشباب إلى أكثر من 30 بالمائة وهو ما يدفع بعدد كبير منهم أصلا إلى مغادرة البلاد، وإرجاعُهم يعني تأزيم الوضع أكثر. ويضيف المقال أن عودة هؤلاء يعني ضرورة تقديم رعاية لهم ومراقبتهم أيضا وهو ما يشكل عبئا كبيرا على دولة كتونس، الديمقراطية الناشئة، والمنشغلة أيضا بمحاربة الإرهاب داخل البلاد وعلى حدودها وخصوصا مع ليبيا المضطربة.

أكدت السلطات الإيطالية رسميا اليوم الجمعة (23 كانون الأول/ ديسمبر 2016) مقتل أنيس عامري المشتبه به في تنفيذ الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين، في اشتباك مع الشرطة في مدينة ميلانو.

مصطفى عامري والد أنيس أمام منزل العائلة. أنيس من مواليد عام 1992 وهو مولود في حي حشاد بمنطقة الوسلاتية التابعة لولاية القيروان. وقال مسؤول أمني تونسي إن له أخا واحدا وأربع شقيقات. كما ذكر أن أنيس عامري أوقف مرات عدة بسبب المخدرات قبل الثورة، التي أطاحت مطلع 2011 بنظام زين العابدين بن علي.

بسبب تاريخها الإسلامي تعد القيروان عاصمة روحية لتونس. وفيها الجامع الكبير، الذي أسسه عقبة بن نافع. لكن المدينة تحولت في الأعوام الأخيرة إلى مركز للسلفيين المتشددين في تونس. واندلعت مصادمات في سنة 2013 بين الشرطة ومؤيدي جماعة "أنصار الشريعة" المتشددة في القيروان، بعد أن منعت السلطات التونسية ملتقى سنويا تعقده الجماعة في المدينة ويحضره الآلاف منهم.

غادر أنيس تونس في سنة 2009، وبحسب أخيه عبد القادر، هرب أنيس من الفقر في تونس وكان "يريد بأي ثمن تحسين الوضع المادي لعائلاتنا التي تعيش تحت خط الفقر كأغلب سكان الوسلاتية." وذكر عبد القادر عامري أن أنيس حكم عليه في تونس بالسجن 4 سنوات بسبب إدانته في جرائم سرقة وسطو.

وذكرت صحف إيطالية أن أنيس أعلن أنه قاصر عندما قدم طلب اللجوء وتم ارساله إلى مركز لاستقبال اللاجئين القصر في مدينة كاتانيا في جزيرة صقلية. وفي 24 تشرين الأول/ اكتوبر 2011 أُوقف مع ثلاثة من مواطنيه بعد حرقهم مدرسة، وحكم عليه بالسجن لأربع سنوات، وأمضى عقوبته في كاتانيا ثم في عدة سجون في صقلية. ولأنه لم يكن من المساجين المنضبطين، لم ينل أي خفض لمدة عقوبته وأمضي فترة العقوبة بالكامل في السجون.

بعد خروجه من السجن سنة 2015 أُرسل إلى مركز لتحديد هويته وصدر بحقه قرار طرد من إيطاليا. وقالت صحيفة "ميلانو" إن إجراءات تحديد الهوية الضرورية لترحيله "لم تقم بها السلطات التونسية ضمن المهل القانونية"، ما يفسر اضطرار ايطاليا "للإفراج عنه". ومن ثم دخل ألمانيا وقدم فيها طلبا للجوء في تموز/ يوليو 2015. واشتبهت الشرطة الألمانية باتصاله بالتيار السلفي، وتم تصنيفه كـ "شخص خطر."

كان أنيس يخضع للتحقيق منذ آذار/ مارس الماضي، كُلِّفت به نيابة برلين بتهمة "الإعداد لعمل إجرامي خطير يشكل خطرا على الدولة." لكن التهم أسقطت لغياب الأدلة الكافية، ومن ثم توقفت مراقبته في أيلول/ سبتمبر الماضي. وأمضى أنيس عامري وقته متنقلا في مختلف أنحاء ألمانيا، لإخفاء أثره على ما يبدو.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل