المحتوى الرئيسى

بالفيديو .. لعنة الفراعنة تصيب نزلة السمان.. والأهالي: التهجير على جثثنا

12/25 13:50

منذ زمن بعيد، جاء رجل من بلاد المغرب العربي، إلى حضن الجبل أعلى هضبة الهرم، وفي أحضان الأهرامات عاش مع سكان تلك البقعة التي باتت فيما بعد مزارًا للسائحين من كل حدب وصوب، واتخذ منها بيتًا له ومكانًا للاعتكاف والتعبد، فحسبه الناس وليًا من أولياء الله الصالحين، فظلوا يقيمون له حلقات الذكر، حتى بعد وفاته لتحل عليهم بركة "الشيخ حمد السمان".

وفي تلك البقعة، كانت تهبط طيور السمان بعد انتهاء وقت فيضان النيل، ولهذا وذاك سميت بـ"نزلة السمان"، بحسب روايات علماء الآثار، وبعد آلاف السنين باتت "البقعة" على حافة الانهيار.

"جاثمة فوق صدر الهرم، تحجب الشمس والنور والحياة"، هكذا وصف زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق "نزلة السمان"، في مقال له منذ 5 سنوات، ممتدحًا قرار أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق بتطوير المنطقة، التي يعتبرها ساكنوها بمثابة الروح التي تبعث الحياة في الجسد، فإن ذهبوا عنها ذهبت عنهم أرواحهم، فهي بالنسبة لأهلها مثل الماء للسمك لا يستطيع أن يخرج منه.

هنا في أعماق "نزلة السمان"، الطريق الصاعد ومعبد الوادي لهرم الملك "خوفو"، والمدينة الهرمية التي عاش فيها الكهنة الذين كانوا يقومون بطقوس إحياء عقيدة الملك، هنا كان الميناء الذي يربط نهر النيل بالأهرامات، كما تقول وزارة الآثار، ولهذا تعتزم إزالة نزلة السمان باعتبارها ملك للآثار، بينما ينفي الأهالي وجود أثار أسفل منازلهم، ويتوعدون "الإزالة على جثثنا"، يعتبرونها ملك آباءهم ولا حق فيها لأحدًا غيرهم، متهمين "الآثار" بأنها تعمل لمصالح كبار المستثمرين وبخاصة الأجانب.

وللوقوف على مطالب الأهالي توجهنا إلى البلدة، وبمجرد أن وطأت أقدامنا المنطقة صب الأهالي جم غضبهم علينا، وكأننا خصمًا لهم وطرفًا في النزاع، تشككوا فينا بأننا تابعين لهيئة الآثار، وبعد أن علموا هويتنا، قال أحدهم" طالموا أنتوا صحافة بقى بلغوا الآثار لو حد جه هنا يهد بيوتنا هنحفر قبره وندفنه".

اصطحبنا "مجدي أبو حازم"، أحد أهالي النزلة، لمنزله البسيط المبني بالحجر الأبيض الفرعوني وسقف خشبي، والذي لا يفصله عن منطقة الأهرامات سوى سور خرساني أقامته وزارة الآثار قبل 12 عام، لم يرث عن أجداداه المنزل فقط، ولكنه ورث أيضًا عربة وخيول، يكسب منهما قوت يومه، فالمنزل بالنسبة له ليست جدران تأويه وأولاده وأحفاده، ولكنها سبيل للحياه فيه يحيا ويموت دونه.

منذ أكثر من 30 عام سمع " أبو حازم" كغيره من الأهالي عن مخطط لإزالة النزلة بدعوى أنها منطقة أثرية، وفي عام 1999 حرمت وزارة الآثار على أهل المنطقة تنكيس المباني أو هدمها وحتى تطويرها إلا بتصريح مسبق، طبقًا للقرار رقم18 لسنة 1999، فبدت المنازل وكأنها عشوائية، وبات الأهالي يترقبون التهجير بحذر ورفض، وتعاقبت الحكومات ولم يتم الهدم، حتى جاءت حكومة "محلب" وعزمت التنفيذ.

العقبة التي تقف في طريق تطوير نزلة السمان هي وزارة الآثار، بحسب قول "أبو حازم"، موضحًا" البلد دي مش ناقصها غير أنها تطور المنازل بس وزارة الآثار موقفة حالها، أي واحد بيحط طوبة بيتحبس ويدفع غرامة، بس التهجير على جثتي، أنا عندي أموت ويضربوني بالنار ولا أسيب بلدي".

وبينما يتحدث "أبو حازم"، اختلطت نبرات صوته العالي بصراخ سيدة في عقدها الخمسيني "والله ما هنسلم ولا هنسيب بيوتنا، اللي هيجي يزيل هندفنه هنا، عاوزين يشلونا يودنا فين، دي بيوت أجدادنا وعيالنا وأكل عيشنا "، كلمات قالتها "السيدة"، وسارت نحو منزلها الذي يبعد أمتار قليلة عن الأهرامات، وانتقلنا نحن لـ"سن العجوزة التي تعد جزءًا من النزلة، والمطلوب إزالتها باعتبارها عشوائية تشوه المنظر الجمالي للأهرامات.

وفي "سن العجوزة "، ترى الشمس حاضنة للأهرامات والمنازل، تشعر وكأن المكان ينبض بشموخ الأجداد والفراعين، وبينما تتجول بين حواري المنطقة، وتشرد بخيالك في روعة المكان، يتخلل لمسامعك صهيل الحصان، يقوده صاحبه مسرعًا ناحية الأهرامات بحثًا عن الرزق.

اتهامات بالعمل لمصلحة الأجانب والكبار

وأمام أحد البيوت كان يجلس "شعبان سيد"، ذو الـ 67 عام، معالم وجهه توحي بأنه عانى كثيرًا، فخيوط التجاعيد كادت تخفي ملامح الوجه، بمجرد أن جئنا بسيرة "تطوير النزلة"، هاج بصوتٍ خشن وبنرات غاضبة "يشيلونا ده إيه ده، هنروح فين، والخيل بتاعتنا تروح فين، ونأكل عيالنا منين، أحنا ناس غلابة، مش كفاية حالنا واقف من ساعة الثورة ما قامت".

ومن داخل منزل "سيد" خرج نجله الأكبر، ليوضح رأي أهالي النزلة في التطوير قائلًا "احنا مع التطوير، لكن الإزالة لا، مستحيل نسيب بيوت أجدادنا، أدونا تصريح واحنا نبني بيوتنا بالألماظ لو عاوزين، حكاية أن فيها آثار ده خديعة علشان الآثار تستولى عليها وتبعها للمستثمرين الأجانب ورجال الأعمال ".

وأثناء حدثنا لـ"سيد وابنه"، تجمع حولنا عدد أخر من الأهالي، منهم "يسري متولي إبراهيم"، والذي حدثنا عن معانتهم قائلًا "أحنا هنا قاعدين مرتاحين وسط أهالينا، هنسيب كله ده وأكل عيشنا ونروح فين، أصلًا مفيش آثار هنا بدليل أنهم حفروا علشان الصرف الصحي وملقوش حاجة، هما بيعملوا كده علشان الكبار هيستفادوا فيشردونا ويشردوا عيالنا، بس والله تلاتة اللي هيجي جنب بيتي هقطع أيده، ضربوا الأعمور على عينه، كده ميت وكده ميت".

التعويض: شقق مقابل فيلات ومساحات شاسعة

المنازل بـ"نزلة السمان" عبارة عن مساحات شاسعة، بعضها 300 متر، والبعض الأخر 750 متر، وهناك ما هو أقل وأكبر، وعدد ليس بقليل من الفيلات، وهو ما كان له أثر فى زيادة غضب الأهالي ورفضهم للإزالة بعد أن علموا بمساحات الوحدات السكانية البديلة، التي ستعوضهم بها وزارة الإسكان عن منازلهم.

فالمخطط الاستراتيجي الذي أعدته الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، يشمل نقل سكان سن العجوزة الذى يبلغ عددهم 7760 نسمة، ويعيشون على مساحة 29 فدانا، إلى منطقة "وقف غالب" التى تبلغ مساحتها 4.9 فدان بشارع العروبة بالهرم، حيث يحصلون على 1870 وحدة سكنية و13 محلًا تجاريا، وسيتم إنشاء 684 شقة و67 بازارا، و4 ورش حرفية.

كما يشمل المخطط نقل السكان إلى منطقة "وقف الست العباسية" بالمريوطية، و التى تبلغ مساحتها 12.3 فدان، وسيتم إنشاء 1200 شقة، و132 بازارا، و9 ورش حرفية، أما عن مساحة الوحدات السكانية، فتراوحت ما بين 59 متر في الدور الأرضي، و65 مترا فى الأدوار المتكررة، ووحدات أخرى بمساحة 85 مترا.

و تشمل المرحلة الثانية من المشروع تطوير مساحة 52 فدانا بمنطقة نزلة السمان، التى يبلغ عدد سكانها 18 ألف نسمة، بحيث يحصل السكان على 3758 وحدة سكنية و59 محلا تجاريا، والمرحلة الثالثة تشمل تطوير 59 فدانا آخر بالنزلة، والتى يسكنها 100 أسرة، على أن يحصلون على 250 وحدة، و9 محال تجارية.

" شقة بالمساحة دي هعمل بيها إيه، هتكفيني أنا ولا عيالي المتجوزين، وأخواتي وعيالهم، يعني إزاي بيتي 750 متر يدوني شقة قد علبة الكبريت، وكمان هيبعدونا عن أكل عيشنا"، هكذا عبر "محمد" أحد الأهالي عن رفضه للبدائل التي طرحتها وزارة الإسكان.

وفي "نزلة السمان" ينقسم الأهالي إلى عائلات و سكان، وجميع من قابلناهم من العائلات رفضوا الإزالة، وأما عن السكان فكثيرًا منهم وافق على الإزالة شريطة أن يتم تعويضهم بنفس مساحة المنزل الذي يسكنون فيه، وتوفير فرصة عمل.

"طالما لمصلحة الدولة، يهدوا من حقهم يحافظوا على آثار بلدنا، في هنا بيوت عشوائية ومينفعش القرف والعك ده في وش السياحة، بس بشرط يسلموني بيت من بابه يكون بنفس المساحة"، كلمات أبدى بها "سعيد الحمري"، أحد سكان سن العجوزة، عن تأييده للإزالة.

العائلات والأهالي لم يقف بهم الحال للحديث عن رفض المشروع عند مؤتمر صحفي عقدوه منذ أيام، ولكنهم شكلوا "الجمعية الأهلية لتنمية وتطوير نزلة السمان"، وجمعوا خلالها توقيعات برفض الإزالة.

المستشار العام للجمعية، شاهين أبو الفتوح، اصطحبنا في جولة إلى مقابر النزلة، فرأينا هناك صخرة "حيطة الغراب" والتي تدعي الحكومة أنها ستسقط فوق أهالي المنطقة، في حين أن تلك الصخرة فوق المقابر وبعيدة عن المساكن، وقال إن الحكومة تعتمد في تقاريرها عن النزلة على حقائق مكذوبة وجهل بالتاريخ، فتلك الصخرة تمثل قيمة أثرية على مستوى العالم.

ووصف أبو الفتوح، مشروع تطوير النزلة بـ "تدليس" يتبعها مجموعة من الوزراء على رئيس الجمهورية، وأنهم يسيئون استعمال قرارت الرئيس، ويحاولون تفجير قنبلة العشوائيات في وجه النظام الحاكم، مشيرًا إلى قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، رقم 293 لسنة 2014 بتفويض رئيس الوزراء في بعض الاختصاصات المنصوص عليها في القوانين واللوائح والقرارات في مجالات التصرف بالمجان في أملاك الدولة، ونزع ملكية العقارات للمنفعة العامة، وحماية الآثار.

وتوجه أبو الفتوح، بسؤال إلى ليلى إسكندر، وزيرة الدولة للتطوير الحضارى والعشوائيات،" هل معنى التطوير الحضاري أن اتجاهل 250 ألف نسمة مصرية على أرض نزلة السمان، وهدم منازلهم وتشتيت العائلات؟، وأين الرؤية المستقبلية لوضع أهالي النزلة بعد الإزالة؟".

وانتقد أبو الفتوح، دور محافظ الجيزة، واصفًا إياه بـ" سلبي ومكتبه مفتوح فقط لبعض القادرين ولأصحاب المصالح ولا يعمل لمصلحة الأهالي"، لافتًا إلى أن الجمعية وضعت رؤية بديلة لتطوير النزلة بدلًا من الإزالة، وتشمل اهتمام الحكومة بالتوسعة وتحويل المنازل إلى أكبر فندق أهلي على مستوى العالم، فمن يمتلك غرفة فارغة بمنزله يحولها لفندق للسياح مما يسمح بتبادل الثقافات بين الشعوب وأن تستغل الحكومة الخيالة في تنمية رياضة الفروسية، بما يُدر على مصر أموال طائلة.

وقال المستشار عمرو خطاب، رئيس الجمعية الأهلية لتطوير وتنمية نزلة السمان، إن مشروع إزالة النزلة أعده مستثمر أجنبي منذ 2009، منتقدًا ما وصفه بتضارب تصريحات الحكومة فتارة يقولون تطوير فقط وتارة يقولون إزالة.

محافظ الجيزة: تطوير وليس إزالة

وردًا على االإتهامات التي وجهها الأهالي، قال على عبد الرحمن، محافظ الجيزة، إن الأهالي لن يتركوا أماكنهم فالمشروع تطوير وليس إزالة بحيث سيتم إزالة الجزء المتهالك ونقل سكانه إلى منطقة العمرانية مع تعويضهم، ولن يتم ذلك كله إلا برضاء الأهالي.

وعن تمويل مشروع تطوير النزلة أوضح عبدالرحمن، أن الممولوين يتمثلون في الحكومة المصرية، ورجال أعمال مصريين والبنوك، وسيسمح لدخول مستثمرين أجانب في المشروع.

الآثار: الأرض ملكنا بالقانون وهنزيل بالرضى

وبعد أن انتهت جولتنا بـ"نزلة السمان"، أجرينا اتصالًا برئيس قطاع الآثار يوسف خليفة، لنسأله حول حقيقة وجود آثار أسفل منازل النزلة، فأكد أن هناك أكثر من دراسة أثبتت وجود معبد الوادي والطريق الصاعد بالمنطقة، بما يجعلها منطقة آثرية يطبق عليها القانون رقم 17 لسنة 83، والذي يقضي بحماية الآثار واعتبار الأراض أرض آثرية.

وتسائل خليفة "إزاي نزلة السمان مش آثار وهي في قلب الآثر؟"، مؤكدًا أنه لن يتم إزالة المنازل إلا بعد توفير مساكن بديلة للأهالي أفضل بكثير مما يمتلكوها حاليًا، لافتًا إلى أن المساكن البديلة تبعد عن النزلة بحوالي 900 متر فقط، وذلك حتى يتسنى للأهالي ممارسة أعمالهم الخاصة بالخيول والبازارات وغيرها من الأعمال المتعلقة بالسياحة.

وأضاف "أحنا محتاجين أهالي النزلة ومحتاجين خيولهم وشغلهم لأن ده بيخدم السياحة"، مشددًا أنه لن يتم البدء في المشروع إلا برضاء الأهالي، مشيرًا إلى أنهم متخذين كافة الاحتياطات الأمنية تحسبًا لأي ردود فعل غاضبة من الأهالي وقت البدء في هدم المنازل.

وردًا على اتهامات الأهالي بأن المشروع يهدف خدمة كبار رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، أكد رئيس قطاع الآثار أن جميع الاستثمارات ستطرح لرجال الأعمال المصريين على حد سواء دون تمييز لأحد لأنه مشروع قومي، مع إمكانية السماح للمستثمرين الأجانب بإقامة فنادق على أرض المخابرات على أن تخضع لإشراف الوزارات المعنية.

وعن الجهات الممولة للمشروع قال خليفة، أن كافة الوزارات المشتركة بالمشروع وهما "الإسكان والتعمير والأوقاف و الآثار والسياحة"، ستشارك في التمويل.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل