المحتوى الرئيسى

اجتماع فيينا والأطراف السورية.. الفرص والتهديدات

12/25 13:43

لطالما وقفت تفسيرات بيان جنيف المتضاربة عائقاً موضوعياً أمام تحقيق تغيير سياسي حقيقي في سورية، وعلى الرغم من خلو هذا البيان من أي بند يُحتم بشكل صريح خروج رأس النظام من السلطة، إلّا أنه تضمن بنوداً أخرى مردُّ تطبيقاتها سيؤدي بالإطاحة بنظام الذي ثارت ضده كل طوائف المجتمع السوري على الأقل.

اجتماع فيينا.. السياق والمخرجات المثبتة

إلا أن سير العملية السياسية التي تفترض إيجاد مناخات تلجُ في عمليات التفكير لبناء الأطر التنفيذية لهذا البيان، اعترضه الكثير من العقبات والتحديات، منها ما يتعلق بمنطق إدارة الصراع التي مارست ضغطاً واضحاً على قوى المعارضة عبر الالتفاف على جوهر المسألة في سورية، سواء على صعيد تكريس نموذج الهدن المحلية، أو من خلال تعويم برامج ومسارات موازية تركز جميعها على المشترك مع النظام عوض إيجاد حلول حقيقية ومديدة للمشكلة السياسية التي سببها استمراره في الحكم طيلة العقود الخمسة الماضية.

كما أن جزءاً أساسياً من هذه العقبات فرضته مفرزات الصراع والعنف الممنهج للنظام الذي أضاف على معادلة المشهد إرهاب الجماعات العابرة للحدود، الأمر الذي ساهم في ظهور التململ الدولي مع تعزز حالة المراوحة في المكان دون تحقيق أي تقدم يذكر على المشهد السياسي.

ومع محاولات دي مستورا المتعددة لإيجاد تفسير روسي أمريكي مشترك حول النقاط الخلافية لبيان جنيف، نجح في نهاية المطاف بأن يُساهم في استصدار بيان رئاسي لمجلس الأمن في 17أغسطس 2015 يؤيد فيه خطته في مفاوضات متعددة المسارات والمجموعات الأربع التي دعا إليها، رسّخت يقيناً الرغبة من خروج عقدة جنيف رويداً، رويداً، حتى الوصول إلى صيغة تُرضي النظام أولاً، وتلزمُ داعمي الثورة إقليمياً لاحقاً.

كما تضمنت هذه الخطة أيضاً الدعوة لتشكيل مجموعة دعم دولية مكونة من الولايات المتحدة وروسيا بالإضافة إلى مجموع الدول الإقليمية ذات التأثير المباشر على المشهد العسكري والسياسي في سورية، وهو ما تم تحقيقه مؤخراً في فيينا.

لقد جاء التصعيد الروسي الأخير في سورية واشتراك سلاحه الجوي في ضرب المعارضة السورية كمتغير جديد في المعادلة السورية لينسف مجموعة من الثوابت في التفاعلات الدولية والإقليمية التي ترسخت أثناء سنوات الصراع، ونجح في إرساء قواعد جديدة للعبة وثَبّتَ عدة معطيات نذكر أهمها:

1 - الحيلولة دون تدخل أية قوة إقليمية أو دولية أخرى في الصراع لصالح المعارضة السورية بشكل مباشر.

2 - ضمِنَت روسيا في تواجدها على الميدان السوري ضرورة إشراكها على نحو مُرضي في أية تسوية سياسية في سورية، فاكتسبت إلى جانب حق النقض في مجلس الأمن حق نقض آخر ولكن في ميدان المعركة هذه المرة.

3 - كَفَت موسكو واشنطن شر تصدُر المشهد، وباتت الأخيرة راضية في موقعها المتفاعل مع الواقع الجديد، وتنازلت بمحض إرادتها لروسيا في قيادة المشهد العسكري وبالتالي السياسي في سورية، بعد أن حصلت على ما تريده من الملف ا لسوري كصفقة الكيماوي أو تطويع هذا الملف في حلبة المفاوضات النووية مع إيران. 

4 - بات الأسد وحليفه الإيراني أسرى إرادة بوتين السياسية وأضحى هو الضامن لالتزامهما في مُخرجات الحل النهائي في سورية.

وبناءً على ما تقدم، وبعد أقل من شهر على تدخلها العسكري عزمت موسكو على دعوة مجموعة الدعم الدولية (ISSG) للتباحث في سُبل إطلاق العملية السياسية والتي صدر عن هذه المجموعة خلال مناقشاتها حول كيفية وضع حد يسّرع بإنهاء "النزاع السوري" بياناً ثبَّت المعطيات التالية:

1 - الربط الوثيق بين عملية وقف إطلاق النار وبدء العلمية السياسية وفقاً لبيان جنيف عام 2012.

2 - اجتماع المشاركين بعد شهر لمناقشة التقدم المحرز.

3 - تعهد الدول الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بتأييد قرار يؤيد العملية السياسية بالإضافة إلى تمكين بعثة مراقبة وقف إطلاق النار التي ستقر آلياتها من قبل الأمم المتحدة باستثناء جبهات لائحة الجماعات الإرهابية التي تضم تنظيم الدولة وجبهة النصرة، بالإضافة إلى قائمة أخرى ستعمل الأردن على المساعدة في تطويرها مع عدد من ممثلي المخابرات للدول المشاركة وذلك قبل بدء العملية السياسية.

4 - الإطار الزمني للعملية السياسية كما هو محدد بالشكل التالي.

5 - اعتبار أن المبادئ التوجيهية التي تم تحديدها في اجتماع 30 أكتوبر 2015 في فيينا مبادئ أساسية وهي قائمة على: الالتزام بوحدة واستقلال سورية وسلامتها الإقليمية والتأكيد على الطابع غير الطائفي، حماية مؤسسات الدولة حماية حقوق جميع السوريين بغض النظر عن العرق أو الطائفة.

6 - اتخاذ خطوات فورية من قبل المجتمعين لتشجيع تدابير بناء الثقة التي من شأنها أن تُساهم في استمرارية العملية السياسية وتمهيد الطريق لوقف إطلاق النار في سورية.

7 - ضرورة اتخاذ خطوات لضمان المساعدات الإنسانية على وجه السرعة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2169، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية حل قضية اللاجئين.

8 - الموافقة على الضغط على كافة الأطراف لوضع حد لاستخدام الأسلحة العشوائية.

9 - التأكيد على قرار مجلس الأمن 2199 الذي يدعو إلى الالتزام بوقف التجارة غير المشروعة في مجال النفط والآثار والرهائن والتي تستفيد منها المجموعات الإرهابية.

يطرح بيان فيينا نفسه كإطار دولي لحل القضية السورية وفق مبادئ جنيف 1، ويسعى لأن يكون ذو صيغة إلزامية لجميع الدول المدعوة عبر الدفع لتبني مجلس الأمن لقرار يُؤكد على مخرجات هذا البيان، ويضيق الهوامش المتاحة لتلك الدول (التي لم تكن موقعة على بيان جنيف).

الجديد في اجتماعات "مجموعة الدعم الدولية"، ظهور ملامح الوفاق بين  الولايات المتحدة وروسيا في الخطوط العريضة خصوصاً حول قضايا الإرهاب وما يترتب عليها من تصنيفات جديدة قد تطال بعض فصائل المعارضة في لوائح الإرهاب الدولية، كما أنه يمكن تسجيل الاتفاق الأولي في مواقف الدول المشاركة في الاجتماعات مع ما تصبو إليه روسيا، ليبقى في آخر المطاف المحور الثلاثي (السعودية وقطر وتركيا) دون غيره فقط في مناوأة التوجه الروسي وبدعم أمريكي مبطن لا يعول على استمراريته، الأمر الذي يحتم عليهم تغير قواعد تعاطيهم مع إدارة الملف السوري بحكم الانعكاسات المتوقعة لنتائج عدم المعالجة الحقيقية لجذور الصراع ومسببات الإرهاب في سورية على بُناهم وأمنهم الداخلي.

وفي هذا السياق وبأدوات سياسية باتت قليلة، يضطلع الثلاثي السابق ذكره (السعودية وقطر وتركيا) للعب "دور محامي الدفاع" في محفل دولي حدد أطر عمله بثلاثة أهداف عريضة: إعلان وقف إطلاق نار وطني شامل، وتصنيف كتائب المعارضة بين معتدل وإرهابي وإلزام الدول الحاضرة فيه، وإطلاق عملية التغيير الدستورية لتأسيس مرحلة حكم جديدة في البلاد، فيما يؤجل البت في عدة قضايا جوهرية لاتزال تُشكل مُهددات موضوعية لعملية التغيير وديمومتها (كمصير نظام الأسد والوضع القانوني لكافة المقاتلين الأجانب خاصة تلك التي تدور في فلك النظام كحزب الله وأبي الفضل العباس وغيرهما، والعدالة الانتقالية وصلاحيات الحكم الانتقالي وأهدافه ومهامه...إلخ) لحين يتم الاتفاق على تفاصيل تحقيق الأهداف السابقة والتي غالباً ما تؤدي إلى تغييرات طفيفة (بما فيها رحيل رأس النظام مع بقاء نظامه) كترضية رمزية لشعب مكلوم شرد ثلثه، وفقد قرابة نصف المليون من أبنائه بين شهيد ومفقود.

وريثما تستقيم وتتضح أبعاد وغايات العملية أكثر، ينبغي أن يدفع المحور الثلاثي باتجاه ثلاثة أمور:

1 - رعاية ترتيب الصف المعارض وتنحية الجهود الإقليمية الأخرى الرامية إلى تمييع هذا الصف الذي تريده هشاً، والعمل على دعم كافة الفعاليات الرامية لذلك (كمؤتمر الرياض المتوقع تفعيله قريباً)، وتكوين فريق مفاوض صلب يستند إلى مرجعية سياسية موحدة تعكس الواقع السياسي والعسكري المحلي ويراعي التمثيل الحقيقي لهذا الواقع.

2 - الدفع باتجاه شمول قائمة الإرهاب قوى وكتائب أجنبية تقاتل إلى جانب النظام كالميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية، والعمل جدياً على عدم التوظيف السياسي لورقة الإرهاب من قبل روسيا وبعض دول المنطقة.

3 - الاستمرار في اختبار جدية الفاعل الروسي وادعاءاته بقبوله للتفاوض عبر طرح مبادرات مكملة "لإطار فيينا" تحسن ظروف ومناخات التغيير السياسي الحقيقي، وتضمن موازنة المصالح الأمنية والجيوسياسية في المنطقة.

آن لشعارات امتلاك زمام المبادرة وطنياً أن ترى طريقها التنفيذي، فالواقعية السياسية والقراءة الموضوعية لجل الغايات الإقليمية والدولية تستوجب ارتقاء العمل الوطني ليندمج الأثر العسكري مع السياسي، ويتكامل معه ضمن استراتيجية وطنية خالصة، وإدراك حقيقة أن نجاح المساعي الدولية في إجراء تسوية سياسية شاملة مناط بدرجة الشرخ الذي تعاني منه البُنية السياسية والعسكرية لقوى المعارضة. وفي هذا الصدد نُقدم كمقترح مجموع الإجراءات التالية:

أولاً: إدراك حقيقة تكاد تكون مطلقة وهي أن معظم القوى الإسلامية ستجدُ نفسها في موقع المتهم، وأن عزوفها عن مواجهة تحدي التصنيف لا يضعها في مواجهة العالم بأجمعه فحسب بل تدفع المشهد العسكري إلى المزيد من التشظي والاقتتال الداخلي أولاً، وإلى تقويض العمل الوطني برُمته لاحقاً. حيث أن إدراجها على لوائح الإرهاب يعني إدراج جميع من يتعامل معهم لاحقاً، بالإضافة لمن تعامل معهم سابقاً مع أثر القرار الرجعي على نفس اللوائح، مُشرعنة بالتالي أداة ابتزاز دولية لن يُوفروا جهداً في استخدامها كلما استدعت الحاجة.

ثانياً: تشكيل قيادة سياسية موحدة تضم الطيف الكامل لقوى المقاومة الوطنية لقوى الاحتلال الإيراني والروسي والاستبداد، من كتائب إسلامية وجيش حر، وجبهة جنوبية وأحزاب وكافة الفعاليات السياسية والمدنية والمحلية. وتلبية أية دعوة من المحور الثلاثي في هذا السياق.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل