المحتوى الرئيسى

حلب ليست نزهة فى آخر الطريق

12/24 15:17

اقرأ أيضا: خوان مانويل سانتوس الأزهر .. والدين والسلطة والسياسة كيف يكون الناس (حراسًا على عبوديتهم)؟ المسيحيون العرب والأمة النائمة لا تتركه يموت ولا تدعه يحيا

الزعيم الصينى الشهيرماوتسى تونج (1893-1976) له مقولة معبرة قالها فى تسجيله لتجربة حروب العصابات التى خاضها الشعب الصينى لتحرير نفسه تقول(كسب الأرض ليس سببًا للفرح وخسارة الأرض ليست سببًا للأسف, فحتى إذا احتللنا المدن, سنكون غير قادرين على الاحتفاظ بها, بالعكس حين تكون قواتنا الخاصة غير كافية فإننا عندما نتنازل عن المدن فسيكون لدينا الأمل باسترجاعها, ومن غير المناسب أن ندافع عن المدن إلى الحد الأقصى، لأن هذا يقود فقط إلى التضحية بقوتنا الفعالة).

ما حققه نظام الأسد فى حلب ليست نزهة فى آخر الطريق كما يقولون, لن يحدد ذلك المصير النهائى لكل ما جرى ويجرى فى سوريا من 2011م ولن يغير مسار الصراع نفسه ولن يعيد للأسد السلطة الشرعية التى فقدها من 2011. ستبقى الحقيقة المؤكدة التى تقول إننا أمام شعب قام بثورة على نظام شديد الطغيان شديد الطائفية شديد الفساد يحكم بالحديد والنار من عام 1970م والهزيمة العسكرية للفصائل ليست هزيمة للثورة نفسها فالثورة لم تكن بالأساس مشروعًا عسكريًا, بل مشروع تاريخى وأخلاقى وسياسى واقتصادى واجتماعى هكذا الثورات وهكذا كان الربيع العربى كله تلاعب من تلاعب وخان ومن خان وطمع من طمع وخدع من خدع . فى سوريا وليبيا أنتجت الثورة صراعًا مسلحًا لأسباب كثيرة وليس هذا موضوعنا هنا. ما أريد قوله أن الثورة أحرزت إنجازات ليست هينة وليس أقلها إسقاط شرعية النظام إلى الأبد فلن يتمكن الأسد ولو واصل الحرب ألف عام من أن يستعيد سوريا القديمة الموحّدة التى خسرها بعد اندلاع الثورة قد يستطيع استعادة أجزاء من بلد حطمته حربًا دولية !! بلد أصابته كوارث لم يتعرض لها أى بلد عربى آخر فى التاريخ الحديث. لن يقدر على استبقاء نظامه, بغض النظر عن ما حدث فى حلب وغيرها.. لن يمكنه أن يحقق الأمن والاستقرار بطريقة القوة المفرطة كما يحدث من عام 1970م مهما فعل مع حلفائه لن يكسب المعركة الشاملة لأن تحقيق هذا الهدف انتهى وقته تمامًا ومضى وانقضى.. قدراته وطبيعة نظامه وتوجهاته لن تسمح له بذلك ولأن تطبيق الحل الشامل _حين يأتى موعده _ يرتكز على أساس خروجه من السلطة.. وهو يعى ذلك جيدًا واستنتج أنه لا يستطيع الاستمرار فى الحكم إلا إذا استمر القتال ويلتقى فى ذلك مع المصالح الغربية وإسرائيل وإيران.

المثير للدهشة فعلاً أن البعض مازال يسوق الأكاذيب الضخمة التى كان يبيعها الأسد الأب من 1970 فبالرغم من أنه كان من عتاة الإجرام فى التاريخ الحديث إلا أنه تلاعب وتراقص كما يحلو له لشرعنة وجوده فى الشرق الأوسط  كقوة إقليمية كبرى.. كانت الثورية الاشتراكية واحدة من أهم  أدوات شرعنته ولما لا وهو الوليد الشرعى للمرحلة التى دشنها البكباشى والمشير فى سورية من 1958 حين ذبحت الشرعية الدستورية على مذبح الشرعية الثورية, لم يكن الشعب السورى بعيدًا عن أغانى أم كلثوم ومقالات هيكل.. بالفعل كانت هناك فئات سورية كبيرة تؤيد هذا الخطاب والسوريون عمومًا أهل جدل وكلام. هؤلاء هم من يقفون الآن خلف هذا النظام كى يمنحوه عمقًا قوميًا وتاريخيًا, تراهم وتسمعهم فى قناة الميادين مثلاً.                          يحدثونك عن الصمود والممانعة والمقاومة والإمبريالية وكل هذا الهرى الذى مات ولا يجد من يدفنه. أيضًا شكلت السياسات الاجتماعية والاقتصادية إحدى شرعيات النظام(إنتاج القمح محليًا..إلخ) استمر ذلك حتى عام 2005  حتى أسفرت عن أنيابها (مملكة الأسد) العائلية ..أحد أهم مولّدات الثورة..  ولا ننسى بالطبع شرعنته لنفسه بالعلمانية ومحاربة الطائفية ومكافحة الإرهاب خاصة بعد أحداث سبتمبر كما كل الأنظمة فى المنطقة.. ماذا بقى من كل هذه الشرعيات المتأكلة المتعفنة؟ فالنظام بات مجرمًا عالميًا وليس محليًا فحسب والمقاومة والممانعة غرقت فى بحور الدم السورى ولم يعد يهتم أحد بخطبهم ودهولتهم! أيضًا سيبلغ به التبجح فى قصة الطائفية التى يقاومها إلى حد استقدام الميليشات الطائفية من أفغانستان!!. تبقى محاربة الإرهاب ورقة النظام التى يلعبها دوليًا/ إقليميًا والوقت يواتيه فى أوروبا وأمريكا خاصة مع قدوم ترامب وتصاعد اليمن الأوروبى على الرغم من أن هذه الورقة لم تعد محليًا وإقليميًا بالقوة التى تمنحه الاستمرار.. هنا سيكون علينا أن نقول بكل اليقين والأمل أن الثورة السورية نجحت.. بالفعل نجحت وأهم زوايا نجاحها تعرية كل مرتكزات هذا النظام الفاشى العنصرى.. أى مستقبل قادم لن يكون فيه أحد من مملكة الأسد التى يبنونها من عام 1970.. الثورة السورية انتصرت حين أزالت من أمام العالم العربى والإسلامى بل والعالم أجمع كل هذه الأوهام التى استمرت قرابة نصف قرن.

فى النهاية أود أن أشير إلى معنى فى منتهى الأهمية والخطورة  أشار إليه عدد من الباحثين ولم ينتبه إليه كثيرون أثناء أسوأ مذابح القرن.. ولهم العذر بطبيعة الحال.. وهذا المعنى هو تدمير المدن والحواضر التاريخية الكبرى فى سوريا وقد كان تدمير حلب القديمة هو الحلقة الأكثر مأساوية فى سلسلة تدمير هذه الحواضر السورية التى اعتمدها الابن وأبيه منذ تدمير أحياء حماة القديمة عام 1982م مرورًا بتدمير حمص القديمة ودرعا البلد هذا التدمير الواسع  فى منتهى الخطورة وهو مقصود ويريدون به إعادة تكوين الطبقات والجماعات والأرياف والمدن كما يخططون كان هذا جوهر سياسة النظام من عام 1970 وهو العمل الذى لم يكمله الأسد الأب ويكمله ابنه الآن .. الأسد الأب لم يكن بحاجة لكل هذا الدمار للمدن والحواضر القديمة لأنه استطاع الوصول إلى ما يريد سريعًا بعنف وحشى رهيب أشار إليه د/بشير نافع حين نقل أحد المراقبين قوله إن بشار قال فى حضور قاسم سليمانى وماهر الأسد ومندوب عن حزب الله(لقد لقناهم فى حماة درسًا أسكتهم أربعين عامًا.. وسنلقنهم فى حلب درسًا يبقى معهم مائة عام) .

 الروائى والقاص خالد خليفة، الفائز بجائزة نجيب محفوظ للرواية عام 2013 وصاحب الإدراج  العالمى بكونه من أهم  مائة روائى فى التاريخ  له رواية مهمة قرأت على نطاق واسع وأيضًا ترجمت إلى ثمان لغات بعنوان(فى مديح الكراهية) كتبها عام 2006 قد تختلف معه أو تتفق فى بعض أرائه.. المهم أنه أشار إلى سياسة العنف الدموى الهائل التى يسلكها النظام قائلاً: إن النظام فى سورية تعامل مع الأحداث منذ عام 2011 بنفس الطريقة التى تعامل بها فى فترة الثمانينيات, مارس القمع والقسوة المفرطة واستخدم نفس الأدوات, ناسياً أن ما يحدث اليوم ثورة لا حزباً يصارعه كما نسى أن مشكلة السوريين اليوم أصبحت أكبر ومطالبهم أكثر إلحاحاً كالكرامة وصعوبة الحصول على لقمة العيش وإحساسهم بانعدام العدالة).

فى الرواية يعرفنا خالد على بعض أحياء حلب القديمة، حيث يسكنها بعض أبطال وبطلات الرواية. فيصف على لسان إحدى بطلات الرواية خوف رجال المخابرات من المدينة عندما تقول لنفسها فى أثناء التحقيق معها(إنهم لا يعرفون أسرار بيوتنا, ولا مداخل المدينة, ما يجعل هذه الأحياء منطقة آمنة). من أجل ذلك كانت سياسة الأسدين تدمير المدن القديمة وتهجير سكانها فالمستبد لا يسمح بوجود أسرار للبيوت لا يمكن الوصول إليها كما أنه لا يقبل أن يكون للمدينة أبوابًا مجهولة لا يعرفها، لذلك فأسهل ما يمكن عمله هو استخدام الطائرات والبراميل المتفجرة والحرائق لتفريغها ممن بقى حيًا من سكانها.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل