المحتوى الرئيسى

غريغوريوس لحام:الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق مسئولية مشتركة

12/24 09:38

حصل موقع"مصر العربية" على نص رسالة البطريرك غريغوريوس لحام، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الكاثوليك، لمسيحيي الشرق الأوسط، في احتفالية عيد الميلاد المزمع إقامتها مساء اليوم السبت، بكنيسة الروم الكاثوليك، بمنطقة الظاهر.

وتضمنت  الرسالة المبعوثة لمسيحيي الشرق الأوسط، في مقدمته مسيحيي سوريا، و حملت عنوان (المسيح وُلِد في فلسطين، والمسيحيّة وُلِدت في سوريّة) تحذيرًا مما يهدد الوجود المسيحيّ في الشرق الأوسط مهد المسيحيّة-حسب وصفه-، نظير الحروب التي تتسبّب في الهجرة المخيفة لاسيّما للمسيحيّين، خاصّة في فلسطين، سوريّة، العراق ، لبنان، الأردنّ، ومصر، واصفةً  هذه البلاد التي تمثّل نواة الحضور المسيحيّ في العالم العربيّ في مشرقنا الحبيب.

ولفت غريغوريوس في كلمته، إلى أن الحفاظ على الحضور المسيحي مسؤوليّة مشتركة بين جميع الطوائف، كما أنّها مسؤوليّة البلدان العربيّة ، لأنّ المسيحيّة تراث بآثارها الآبدة، الهياكل القديمة، الحجارة، ومعابد تدمر وبعلبك، داعيًا للاهتمام بما أسماه الحجارة الحية (الحضور المسيحي)-حسب قوله.

وقال: إن المسلم مسؤول عن الوجود المسيحي، لأنّ المسيحي أبدع في خدمة أوطانه المشرقيّة العربيّة علىٰ مدى التاريخ قبل الإسلام، ومع الإسلام.  

 وجاء نص الكلمة كالآتي: (المسيح وُلِد في فلسطين...والمسيحيّة وُلِدت في سوريّة، هاتان العبارتان تختزلان المعاني الأسمىٰ لعيد الميلاد المجيد. وجود المسيح مرتبط بوجود المسيحيّة. ووجود المسيحيّة مرتبط بالسيّد المسيح. فلا مسيحيّة من دون يسوع المسيح. ولا مسيح من دون المسيحيّة والمسيحيّين ومن دون وجودهم ودورهم وشهادتهم في العالم، لا سيّما في الشرق حيث ولد المسيح!

اليوم الوجود المسيحيّ مهدّد في الشرق الأوسط مهد المسيحيّة. مهدّد بسبب الحروب التي تتسبّب في الهجرة المخيفة لاسيّما للمسيحيّين. وهذا ما نراه بخاصّةٍ في فلسطين وسوريّة والعراق ولبنان وفي الأردنّ ومصر... هذه البلاد التي تمثّل نواة الحضور المسيحيّ في العالم العربيّ في مشرقنا الحبيب!

الحفاظ على هذا الحضور، مسؤوليّة مشتركة بين المسيحيّين من جميع الطوائف، كما أنّها مسؤوليّة البلدان العربيّة بأن تحافظ على المسيحيّة، لأنّ المسيحيّة تراث من أبرز تراثات هذه المنطقة. إنّنا نهتمّ بآثارها الآبدة... بالهياكل القديمة... بالحجارة... بمعابد تدمر وبعلبك. الآن الأمر الأكثر أهميّة هو الاهتمام بالحجارة الحيّة... بالحضور المسيحيّ!

المسلم مسؤول عن الوجود المسيحيّ: لأنّ المسيحيّ أبدع في خدمة أوطانه المشرقيّة العربيّة علىٰ مدى التاريخ قبل الإسلام ومع الإسلام. وهكذا فإنّ ثمار الميلاد والتجسّد هي الوجود المسيحيّ والدَّوْر المسيحيّ.

لدينا نموذج فريد لهذا الدور المسيحيّ وفي التواصل المسيحيّ الإسلامي، الوجود المسيحيّ تميّز وبرز في حلقة حضارة حوض البحر المتوسّط. وهذا وصف لهذه الدورة الحضاريّة الفريدة.

لا بدّ من الاعتراف بهذا الواقع، أعني بوجود المسيحيّة ودورها المميّز في كلّ أقطارنا العربيّة. إنّها حقًّا متابعة الميلاد ومفاعيل تجسّد السيّد المسيح في أرضنا المقدّسة. وهذا بفضل آبائنا الذين نشروا الإيمان بالمسيح في كلِّ الأقطار: في الشرق وإلى أقصاه، وفي الغرب وإلى أقصاه! فالمسيحيّة انتشرت من خلالهم إلىٰ أبعد من الجزيرة العربيّة في قطر والبحرين والسعوديّة والكويت... إلى الصين والهند...

العبرة في انقراض المسيحيّة القديمة من الجزيرة العربيّة لاحقًا ليس المرارة، وليس الحقد، وليست الكراهيّة، وليس التباعد... بل بالرّغم من ذلك، وبالرّغم من اضطهادات كثيرة من المسلمين على المسيحيّين، لا سيّما من خلال تصرّفات بعض الخلفاء والحكّام والولاة، وفي حقبات مختلفة! بالرغم من ذلك بقِيَ المسيحيّون والمسلمون يتعايشون في المنطقة... وأكثر من ذلك، كم من المسلمين عرفتُهم شخصيًّا في القدس، وفي سوريّة، وفي لبنان، يقولون دون حرج أنّ أجدادهم كانوا مسيحيّين!.

لا بدّ من أجل متابعة المسيرة أن يكون هناك مجال للغفران، وطلب السماح، والرحمة، والتراحم، إلىٰ هٰذا دعت وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني التي مرَّ على إصدارها خمسون عامًا (1965)، وهي بعنوان "بيانٌ في علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحيّة". مع العلم أنّ الآباء الذين كان لهم الفضل الأكبر في صدورها وفي صدور الفصل الخاصّ بالإسلام فيها، كانوا من الشرقيّين،  وعلى رأسهم بطاركة الشرق، ولاسيّما بطل المجمع الفاتيكاني الثاني البطريرك مكسيموس الرابع الصائغ.

 وقد قدَّمْتُ هذه الوثيقة بعنوان "رسالة بطريرك عربيّ مسيحيّ إلى إخوته المسلمين حيثما كانوا في العالم"، وجاء فيها: وتنظر الكنيسةُ أيضًا بتقديرٍ إلى المسلمينَ الَّذينَ يعبدونَ اللهَ الواحدَ، الحيَّ القيُّومَ، الرَّحمٰنَ القديرَ الذي خلقَ السماءَ والأرضَ، وكلَّمَ الناسَ. إنَّهمْ يسعَوْنَ بكلٍّ نفوسِهِمْ إلى التسليمِ بأحكامِ اللهِ وإنْ خفِيَتْ مقاصدُهُ، كما سلَّمَ للهِ إبراهيمُ الذي يَفخَر الدِّينُ الإسلاميُّ بالانتسابِ إليهِ. وإنّهمْ - علىٰ كونهِمْ لا يعترفونَ بيسوعَ إلٰهًا - يُكرمونَهُ نبيًّا، ويكرّمون أمَّه العذراءَ مريمَ، مبتهلينَ إليها أحيانًا بإيمانٍ. ثُمَّ إنّهمْ ينتظرونَ يومَ الدِّينِ الذي يُجازي اللهُ فيهِ جميعَ النَّاسِ بعدَما يُبعثونَ أحياءَ. مِنْ أجلِ هٰذا يقدرونَ الحياةَ الأدبيّةَ، ويعبدونَ اللهَ بالصلاةِ والزّكاةِ والصّومِ.

ولئنْ كانَ قدْ وقعَ في غضونِ الزّمنُ، كثيرٌ مِنَ المنازعاتِ والعداواتِ بينَ المسيحيّينَ والمسلمينَ، فإنَّ المجمعَ يحضُّهمْ جميعًا علىٰ نسيانِ الماضي، والعملِ باجتهادٍ صادقٍ في سبيلِ التفاهمِ فيما بينهمْ، وأنْ يحمُوا ويُعزِّزوا العدالةَ الاجتماعيّةَ والقيمَ الرُّوحيّةَ والسلامَ والحريّةَ مِنْ أجلِ جميعِ الناسِ". (وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني، رقم 3).

اكتشاف قيم إيماننا! قيم الميلاد

أمام حروب الأمس واليوم هناك مسؤوليّة كبيرة... علينا أن نكتشف قيم إيماننا المسيحيّ ومعاني الميلاد الإلهيّ، ويكتشف إخوتنا المسلمون قيم إيمانهم، لكي يجابهوا معًا ما قاله المثل اللاتينيّ ليس عن المسيحيّين، ولا عن المسلمين، ولا عن هذا أو ذاك الإنسان، أو هذه أو تلك من الشعوب، بل عن الإنسان، وكلّ إنسان، بغضّ النظر عن معتقده ولونه وجنسه وأمّته. هذا المثل هو "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان".

لا بل علينا إزاء حقائق تاريخيّة فيها ما فيها من السلبيّات، وأيضًا الإيجابيّات، أن نكتشف معًا أنّ مستقبلنا في هذا الشرق واحد! وعلينا أن نبنيَ مستقبلاً أفضل لأجيالنا الطالعة.

والعبرة أنّه قد حان الوقت للعمل معًا لأجل مستقبل أفضل لأجيالنا الطالعة لا سيّما في جوّ العولمة، وأمام موجة الهجرة من البلاد العربيّة والإسلاميّة إلى أوروبا. هذه الهجرة خطيرة جدًّا على المسلمين والمسيحيّين، ويمكن أن تفجّر صراعات دامية وحروبًا أهليّة. وتؤجّج مشاعر اللامسيحيّة واللا كجإسلاميّة، والإسلاموفوبيا.

وهذا ما بدأنا نشهده في أوروبا حاليًّا، في الهجمات على باريس وبروكسل وفي المظاهرات في ألمانيا، وإحراق مخيّمات اللاجئين في مناطق ألمانية، وإحراق العنابر التي كانت مجهّزة لاستقبال النازحين في السويد.

معًا على الطريق مسيرة الميلاد

آن الأوان لكي نحقّق ما دعا إليه بطاركة الشرق الكاثوليك: "معًا على الطريق! مسيحيّين ومسلمين على الطريق!" والمهمّ أيضًا أن تتابع المؤسّسات المسيحيّة التربويّة والثقافيّة والعلميّة والصحيّة والاجتماعيّة، أن تتابع رسالتها اليوم كما في التاريخ رسالة الميلاد!

خارج هذه البلاد المقدّسة سيكون أكثر صعوبة أن نحافظ على هذا الإرث الخاصّ بكلّ منّا والمشترك بيننا... ومسؤوليّتنا مشتركة في أن نحافظ عليه هنا والآن وغدًا. نحن بكلّ تواضع معلّمو الحياة والعيش المشترك.

هٌوِيّة وانفتاح! الميلاد هُوِيّة وانفتاح!

الهُويّة دون انفتاح ومشاركة وتفاعل واحترام متبادل واعتراف بالآخر وبكل مكوّنات شخصيّته (دينه-حقوقه-معتقده)، تعني قوقعة وانعزالاً ممّا يولّد الخوف والعداء ... وربما العنف والإرهاب والحرب... كما أنّ انفتاحًا من دون هُوِيّة يعني فراغًا وتبعيّة وانعدام الشخصيّة والكرامة والحقوق. إلى هذا يدعونا الميلاد بمعانيه السامية!

رسالتنا هنا في الشرق مميّزة فريدة عالميّة تاريخيّة لا أحد غيرنا يقوم بها. فنحن أبناء الأنبياء والرسل، أبناء الكتب المقدّسة، أبناء الميلاد! وكلّ منّا مسؤول عن الحفاظ على تاريخه ومعتقده ودينه وتراثه.

أنت ابن الشرق! أرض الميلاد

يا أخي المسيحيّ، هذه الرسالة الملقاة على عاتقكَ هي أنّكَ من بلدٍ هو مهد المسيح والمسيحيّة، وتبقى رسالتَكَ حتى لو نزحتَ أو هاجرتَ ... وطنُكَ يبقى رسالتَكَ، ومسيحيّتُكَ تبقى رسالتَكَ أينما كنتَ وأينما رحلتَ. ولماذا تخاف من صعوبة وأزمات ومآسي الحياة في بلدك؟ هل من حياة بلا ألم أو مرض أو أزمة في العالم؟.

لقاءاتي تتكرّر بالنازحين أولادنا الأحبّاء لاسيّما في ألمانيا والسويد وهولندا وسويسرا وبولندا. من جهةٍ أفهم أسباب النزوح. ومن جهة ثانية أصلّي لكي تُقصَّر أيّام الحرب لكي يعودوا إلى أرضهم وترابهم. ومن جهة ثالثة أسعى لكي أؤمِّن لهم الرعاية الروحيّة، وهي متوفّرة في السويد.  

نريد من خلال ذلك أن نساعد أولادنا النازحين لكي يحافظوا على شعلة الإيمان، إيمان الآباء والأجداد مشعشعةً في قلوبهم وفي حياتهم وتصرفاتهم ومسلكهم.

 ونشكر إخوتنا الأساقفة في ألمانيا والسويد وهولندا وسواها... الذين يتجاوبون مع مختلف حاجات أولادنا لاسيّما الروحيّة.

سنبقى هنا ! في أرض الميلاد

كم مسؤوليتنا جسيمة كبيرة خطيرة عالميّة تاريخيّة أن نبقى هنا، ليس المطلوب أن نضحّي بأسرتنا، ولكن أن نجاهد لنبقىٰ هنا بالرغم من الأخطار والصعوبات والتضحيات.

أصلّي لكلّ من يقرّر أن يذهب، وأدعو بحرارة إلى البقاء هنا !

ومع من يبقى سأبقى وسنبقى، وستبقى المسيحيّة...

بسبب فرادة وجود المسيحيّ في الشرق، وميلاد المسيح في الشرق، يختلف موقف الكنيسة ورعاتها من هجرة المسيحيّين من الشرق، الهجرة حقّ طبيعيّ للإنسان، كلّ إنسان، وفي كلّ مكان.

لكنّ الهجرة من بلاد الشرق أمر آخر، ذلك أنّ الشرق هو مهد المسيحيّة، والمسيحيّ هو تجسّد هذا الوجود المسيحيّ في مهد المسيحيّة، بحيث أنّ غياب المسيحيّ من الشرق، يعني غياب المسيحيّة، لا بل غياب المسيح، فالمسيح تجسّد في أرض وجغرافية ووطن، فهو مواطن مشرقيّ. إنّه مواطني أنا الشرقيّ. وإذا هاجر المسيحيّ، كأنّ المسيح يهاجر من أرضه ووطنه.  

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل