المحتوى الرئيسى

أطفالها يأكلون العشب وجرحاها يتعرضون لعمليات دون تخدير.. بلدة بريف دمشق يحاصرها النظام تلفظ أنفاسها الأخيرة

12/23 21:19

كان محمد المالح يلعب فوق سطح أحد المباني في بلدة مضايا السورية (بريف دمشق) عندما أطلق قناص النار عليه. سقط الولد ذي الـ12 عاماً من عمره على الأرض مصاباً بجراح بالغة في رأسه، وفقاً لوالده.

هرع موسى الملاح لعلاج ابنه، "كان طفلاً سعيداً رغم أنه لم يعِش حياة طفل عادية ومستقرة" هكذا قال والده مسترجعاً روتين حياة محمد تحت الحصار الذي تفرضه قوات النظام السوري.

ويتابع بقوله: "في أيام القصف، كان يذهب للاختباء في القبو معنا ويقضي أياماً دون أن يجد شيئاً ليأكله. لم يكن هناك أية تسلية. كان يعيش حياة لا يوجد بها سوى 1% من مظاهر الحياة الطبيعية لأي طفل آخر".

كانت العيادة التي أُرسل محمد إليها، في واقع الأمر، مجرد غرفة في قبو أحد المنازل ويديرها طالب في كلية طب الأسنان، يدعى محمد درويش ويبلغ من العمر 26 عاماً، بالإضافة إلى طبيب بيطري. كانت هذه المنشأة الطبية الوحيدة المتاحة في بلدة مضايا، وفقاً لما جاء بموقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

يقول درويش: "نسعى لفعل أقصى ما بوسعنا، لكننا لا نستطيع علاج المرضى بشكل كامل. لسنا أطباء متخصصين. لكن علينا إبقاء المنشأة قائمة ومفتوحة. ليس أمامنا خيار آخر. إنها نعمة من الله لنا كي نعالج المرضى".

كان يتعيَّن عليهم نقل الولد إلى مكان آخر لإنقاذه. يقول درويش: "كان شعوراً صعباً وصادماً. ماذا سنفعل الآن؟ كان يحتاج إلى إجراء عملية جراحية ومشفى؛ إذ كان ينزف. توقفنا عن فعل أي شيء وبتنا نُشاهده".

وتخضع بلدة مضايا، التي يبلغ تعداد سكانها 40 ألف نسمة والواقعة في الجبال على بعد 25 كيلومتراً (15 ميلاً) شمال غربي العاصمة دمشق، للحصار منذ يونيو/حزيران 2015 من قِبل الجيش النظامي السوري ومسلحي حزب الله الموالين للنظام والمدعومين من إيران.

إن الحركة إلى داخل وخارج البلدة مقيدة بشدة. كان مصير كل دعوات إخراج الولد من المدينة وإيصاله إلى المشفى التجاهل. وبعد مرور 18 ساعة، مات الطفل. يقول والده: "تُركنا هنا كالحيوانات".

يروي درويش قصة أخرى لشخص يدعى محمد المعيل، والذي كان خارجاً من منزله عندما ضرب قناص النار على بطنه. يقول سكان البلدة إن القناصة باتوا نشطين ويطلقون النار على كل من يتجرأ ويخرج من منزله، ليقتلوا العديد من الناس في التَّوّ. حتى المُشيعين في الجنازات كانوا عرضة للاستهداف.

حاول أفراد الطاقم الطبي في العيادة إخراج المريض من البلدة أيضاً، لكن المسلحين الموالين للحكومة لم يسمحوا لهم بالمغادرة، وفقاً لدرويش.

لم يكن أمامهم خيار آخر سوى إجراء العملية له في العيادة. يقول درويش: "لم يكن لدينا أطباء متخصصون أو مواد تخدير. كان يتعين علينا إجراء العملية، لكننا لم نكن نعرف كيف سنُجريها. لذا، سألنا أطباء آخرين عبر تطبيق المحادثة واتساب".

أنشأ أطباء متخصصون ومنظمات مجتمع مدني مجموعات محادثة عبر تطبيق واتساب وشبكات اتصال عبر تطبيق سكايب داخل وخارج سوريا؛ في محاولة منهم لمساعدة أفراد الطواقم الطبية بالعيادات المؤقتة مثل العيادة الموجودة في بلدة مضايا.

كان الطبيب الذي يساعد درويش عبر تطبيق واتساب يعيش في إدلب، وهي مدينة تقع في شمال سوريا وواحدة من المناطق القليلة المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة. يُنقل إلى هذه المدينة آلاف المدنيين والمقاتلين بعد إجلائهم من حلب الشرقية.

لكن إدلب نفسها تتعرض حالياً لضغوط هائلة؛ إذ تقول جماعات الإغاثة إن المدينة باتت غير قادرة على علاج الأشخاص الذين يعانون أمراضاً مزمنة وإصابات حروب، منها الأطراف المبتورة وجراح الرأس.

قضى درويش وزملاؤه 8 ساعات خلال إجراء عملية "المعيل". يقول: "كنّا نلتقط صوراً لبطنه في أثناء العملية، ثم نغادر الغرفة لسؤال الأطباء عما يتوجَّب فعله. أحدثت الرصاصة أضراراً بالغة بداخل جسده. فعلنا أقصى ما بوسعنا. أغلقنا بطنه وراقبنا حالته".

عندما حلّ الصباح، كان "المعيل" قد فارق الحياة.

توالى مجيء المرضى إلى العيادة، لكن في أغلب الحالات، لم يكن في وسع درويش وفريقه فعل الكثير.

حرم الحصار بلدة مضايا من الوصول إلى الدواء والوقود والغذاء.

لم يعد أمام السكان مكان يستطيعون الذهاب إليه؛ إذ أُغلقت الطرق وطوّقت المدينة بالألغام. ووفقاً لـSiege Watch، وهي مجموعة تراقب الأوضاع في المناطق المحاصرة، لا يدخل المدينة سوى القليل من المساعدات ويعتمد السكان المحليون على قوافل المساعدات الإنسانية النادر وجودها.

وفي وقت سابق من العام الحالي، قالت الأمم المتحدة إن تقارير موثوق بها أفادت بأن الناس في مضايا يموتون جوعاً. ووردت معلومات لفريق الأمم المتحدة بأن الأطفال يجمعون العشب لصنع الحساء. تبع هذا موجة غضب وسُمح للمنظمات الإنسانية بالدخول إلى البلدة في الفترة من يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان. لم يعودوا مرة أخرى إلا في سبتمبر/أيلول، وقالت المنظمات الإنسانية إن سوء التغذية ما زال يشكل مشكلة خطيرة بالبلدة.

في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مات 4 أطفال بسبب أمراض متعلقة بسوء التغذية، وفقاً لمؤسسة Siege Watch. وفي نهاية الشهر نفسه، سُمح أخيراً بدخول المساعدات الإنسانية مرة أخرى.

تسبب نقص الفيتامينات في ارتفاع حالات الإجهاض، وفقاً لما قالته ميرنا يعقوب، نائب مندوبة منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسيف بسوريا، في حديثها مع شبكة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وباتت عمليات الولادة القيصرية أمراً شائعاً في البلدة بسبب سوء الحالة الصحية للنساء؛ إذ باتت صحة بعضهن ضعيفة للدرجة التي تمنعهن من الولادة بشكل طبيعي.

كان موسى ما زال في حداد على ابنه عندما عاد إلى عيادة محمد درويش بعد مرور 7 أيام على وفاته، لكنه كان هذه المرة برفقة زوجته الحامل في ابنهما الثاني. يقول درويش: "كان ضغطها مرتفعاً وكانت ضعيفة للغاية. لذا، أعددنا لإجراء عملية جراحية لتوليدها. خرج الطفل ميتاً. لقد أصبنا بصدمة!".

دمَّرت الأنباء العائلة. يقول موسى: "تعاني زوجتي مرض السكري. وفقدت جزءاً من بصرها. تستطيع الآن أن تبكي فقط وتقول: لماذا يريدون قتل أطفالنا؟! تشعر كأنها فقدت أحد أعضاء جسدها".

عندما زارت يعقوب العيادة، فوجئت بوجود قسم للولادة القيصرية. لقد باتوا محبَطين للدرجة التي جعلتهم يستخدمون النار لتعقيم الأدوات الطبية بدلاً من استخدام الكحول غير المتوافر. وفي ظل نقص الجيل الطبي المستخدم للكشف بأجهزة السونار، لجأ الفريق الطبي لاستخدام جيل الشعر كبديل.

وفي واحدة من بين أحاديثه الصحفية العديدة منذ أكتوبر الماضي، يقول درويش: "لقد بتنا منهَكين للغاية. يأتي المرضى غالباً إلى هنا ولا ندري ما الذي يتعين علينا فعله. لا يوجد أطباء متخصصون، لا أدوية، لا بديل! الشيء الوحيد الذي نستطيع فعله هو الاستماع إليهم. أكره عجزي عن مساعدتهم!".

كان هناك حالة أخرى لشخص يدعى علي، ويعاني الفشل الكلوي. يقول درويش إنه لم يتلق الغسل الكلوي الذي يحتاجه لعدم وجود أجهزة.

ويقول عمال الإغاثة إن عدد حالات الفشل الكلوي ارتفعت بسبب سوء التغذية وسوء الامتصاص الغذائي. وأعلنت مؤسسة Siege Watch وفاة حالتين الشهر الماضي بسبب الفشل الكلوي ووجود 27 شخصاً آخرين يعانون مشكلات مشابهة ومحاصرين في البلدة.

ويُحاصر داخل بلدة مضايا أيضاً مرضى بالسرطان، وبالتهابات المسالك البولية، والأمراض المعوية، وغيرها، وفقاً لدرويش.

يتذكر درويش مجيء طفل إلى العيادة، يدعى حسن ويبلغ من العمر 13 عاماً ويعاني آلاماً في قدمه، التي توجد بها بعض البقع داكنة اللون. فيقول: "لم نستطع إعطاءه أي شيء؛ لأنه لم يكن لدينا أدوية له. لم يكن لدي أية فكرة عن المشكلة التي يعانيها. لقد كان يحتاج إلى طبيب متخصص. أعطيناه مسكناً للآلام، لكنها لن تعالجه. لقد كان يتألم ويبكي. كان لا يستطيع المشي من شدة ألمه. فصرت أبكي معه".

لقد بلغوا أقصى قدر يمكنهم تحمله. وفي نوفمبر الماضي، أغلقوا العيادة.

يقول درويش: "لقد حاولنا فعل أقصى ما بوسعنا". لكن من دون الإمدادات الطبية، لم يتمكنوا من الاستمرار في العمل.

إن الطقس بارد في مضايا؛ لذا لجأ الناس إلى حرق الأحذية والأثاث للتدفئة في ظل عدم وجود كهرباء أو وقود لتشغيل أجهزة التدفئة. حذرت اليونيسيف من ظروف الطقس القارس والخطر الشديد الذي يشكله على حياة الأطفال في المنطقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل