المحتوى الرئيسى

ضحية السياسات الغلط

12/23 21:11

فى زمن الشدة الذى تمر به مصر، دأب المسئولون على تذكير الناس بين الحين والآخر بالدعم الذى تتحمله الحكومة لتوفير بعض السلع لهم بأسعارها الحالية. ولا يخلو الأمر من تلميح إلى جحود المجتمع ونفاد صبره وعدم تقديره لذلك العطاء، ذلك إلى جانب اللوم الصريح والمبطن الذى أخذ على الناس التراخى والتقاعس عن الإنتاج، مع الإصرار على الاستمرار فى الإنجاب الذى يثقل كاهل الحكومة بمزيد من الأعباء. وهو خطاب يحاول رسم معالم المظلومية التى تعانى منها السلطة ويصور المجتمع باعتباره همَّا تورطت فيه وهى تستحق التعاطف والصبر بأكثر مما تحتاج من الغضب والاحتجاج. إلا أن للمسألة جانبا آخر مسكوتا عليه. ذلك إن السلطة وهى تقوم بما عليها وتمارس واجباتها ومسئولياتها الطبيعية تتجاهل أن المجتمع يتحمل منها أضعاف ما تتحمله هى. والحاصل أنها من خلال أبواقها ومنابرها تستطيع أن ترفع صوتها وتتحدث عما تتحمله من أعباء وهموم. فى حين أن المجتمع لا يستطيع أن ينافسها فى الشكوى أو علو الصوت ــ ولسوء حظه فإن الناس حين انتخبوا برلمانا يرفع صوتهم فى مواجهة الحكومة، خاب ظنهم عندما اكتشفوا أنه خاضع لائتلاف دعم الدولة، الذى هو فى حقيقة الأمر اصطفاف إلى جانب السلطة فى مواجهة المجتمع.

لا أريد أن أقلل من جهد الحكومة، لكننى أدعو إلى إنصاف المجتمع والتنبيه إلى مظلوميته، لكى يعطى لكل ذى حق حقه. ذلك أننى لاحظت أن تململ المجتمع بعد الزيادات الموجعة فى الأسعار قوبل باستياء واستخفاف من جانب الأبواق المعبرة عن السلطة إلى حد كيل الاتهامات للمجتمع واعتباره ناكرا للجميل حتى قيل أنه «الشعب الغلط» فى حين أنه كان الشعب العظيم حين رحب بالحكومة وصفق لها.

إن الحكومة هى المسئولة عن شقاء المواطن المصرى الذى يعانى منه بصفة يومية، لا أتحدث عن حكومة بذاتها ولكننى أعنى السياسات التى تتبعها الحكومات المصرية المتعاقبة، فى مجالات الإنتاج والخدمات والأمن، ذلك أن الوزارات التى تعمل فى تلك المجالات اتبعت سياسات هى المسئولة عما يعانى منه المجتمع المصرى فى مأكله ومشربه ومسكنه ومواصلاته وتعليم أبنائه أو علاج مرضاه. بكلام آخر فإن الشعب ليس مسئولا عن فساد المحليات أو فشل التعليم والصحة أو تعثر الإنتاج أو ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج، لكنه ضحية لقصور السياسات التى اتبعت فى تلك المجالات أو تخبطها.

ربما كان لنا أن نتحدث عن مسئولية الشعب إذا كان هو من يراقب ويقرر وبمقدوره أن يحاسب. ولكن إذا كان الشعب لا يعرف كيف يصدر القرار، فى حين أن السلطة مطلقة اليد فى رسم السياسات وتحديد الأولويات دون مراقبة سابقة أو لاحقة، فإن الشعب فى هذه الحالة يصبح ضحية خطأ السياسات أو قصورها. بل يغدو تقريعه تجنبا وهروبا من المسئولية. وجنون الأسعار الحاصل فى مصر الآن، الذى أدى إلى إفقار ٨٠٪ على الأقل من الشعب المصرى الصابر والحمول، يدفعنا إلى التساؤل: هل نحن إزاء الشعب الغلط أم السياسات الغلط؟

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل