المحتوى الرئيسى

هنا منزل أم المؤمنين «مارية القبطية»

12/23 19:56

هل هناك منزلة أفضل من منزلة زوجة رسول الأمة محمد «صلى الله عليه وسلم»، هى أم إبراهيم ابن الرسول «صلى الله على وعليه وسلم»، وهى من نزلت فيها آيات من القرآن الكريم، وذكرتها السيرة النبوية الشريفة بعظيم مكانتها لدى نبى الرحمة وشفيع المسلمين يوم القيامة، السيدة «مارية» القبطية، التى كان شرفاً أن تكون ولدت وترعرت على أرض محافظة المنيا بمركز ملوى، قرية «حفن»، التى أطلق عليها حالياً قرية الشيخ عبادة وتقع على بعد 8 كيلومترات شرق مدينة ملوى، جنوب محافظة المنيا، بناها الإمبراطور هادريان عام 130 ق. م.

وكانت قرية حفن تعد مدينة استراتيجية فى العصر الفرعونى، حيث وجد بها بقايا معبد ضخم لرمسيس الثانى، وفى العصر الإسلامى اختارها الشيخ عبادة بن الصامت ليقيم بها مسجداً يحمل اسمه، كما أن هذه المدينة هى التى أنجبت السيدة مارية القبطية زوجة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، فهى القرية التى تربت على أرضها وعاشت السيدة «مارية» القبطية حيناً من الدهر، وهى أرض خطاها الأنبياء والصحابة. وقرية «حفن» المعروفة حالياً بالشيخ عبادة، تعانى حاليًا من إهمال المسئولين الذين لم يدركوا أهميتها التاريخية فباتت خربة غارقة فى الإهمال.

وقرية «حفن» أو الشيخ عبادة هى إحدى قرى شرق النيل، عاشت فيها السيدة «مارية بنت شمعون» لأب قبطى وأم مسيحية رومية، وظلت بها حتى انتقلت هى واختها سيرين لقصر المقوقس عظيم القبط، ووالى مصر الرومانى كانت عبارة عن شريط طويل من الأرض محصورة بين الهضبة الشرقية والنيل، ويبلغ عرضه أكثر من ثلاثة أميال ونصف وتمتد لنحو 20 كيلومتراً وكانت تسمى فى العصر الفرعونى «أنتينو»، وعندما تم لجيش عمرو بن العاص فتح مصر، وصل إلى قرية حفن مسقط رأس السيدة «مارية» القبطية وعرف أنها المنطقة التى جاءت منها السيدة مارية، أم إبراهيم، ومحل أخواله فأعفى أهل أنصنا وحفن من دفع الجزية وآثر البقاء هناك وقرر بناء مسجد مكان منزلها، ليكون أول مسجد فى ملوى وجعله مقر إقامته بعد الفتح.

ولا يدرك المسئولون أن إهمال أثر مقدس لمنزل من منازل زوجة من زوجات الرسول يعد وصمة عار فى جبين مسئولى الآثار والسياحة، يحاسب عليه القانون، لأنه يضيع أثراً تاريخياً، كان من الممكن أن يكون محط أنظار العالم العربى وليس مصر وحدها، ولكن دائماً فاقد الشيء لا يعطيه، فليس هناك فى مصر صناعة سياحية ذات خطط ثابتة تسير وفق دراسات ترويجية للمناطق الأثرية، أو تطويرها وتنميتها، والحفاظ عليها وتأمينها.

وتحول منزل السيدة «مارية» من مزار إلى مقبرة لدفن الموتى وتعديات الأهالى، فلا طرق ممهدة أو خدمات.

ويشير يحيى زكريا، مدير عام آثار مصر الوسطى السابق إلى أن مبنى السيدة «مارية» القبطية يرجع للعصر الرومانى، ويندرج تحت مبنى البيوت الجنائزية، ويقع فى منطقة غير مفتوحة -سياحياً- لأنها منطقة حفائر، لذا وزارة الآثار غير مهتمة بها، مؤكداً أن عدم توافد الزائرين إلى بيت السيدة «مارية» سببه ليس قبرها، بل هو بقايا منزل عاشت فيه فترة من الزمان.

وقال مسعود عبدالله، أحد أبناء قرية الشيخ عبادة: نحن نتبارك بوجود بقايا منزل السيدة «مارية» القبطية فى قريتنا، مشيراً إلى أن قرية الشيخ عبادة تضم آثار 4 عصور تاريخية، وهى الفرعونى والروماني، والإسلامى والقبطى، وأنه رغم بركة منزل السيدة «مارية» إلا أنه لا يوجد زائرون للمكان، بسبب بعدها عن المدينة، بالإضافة إلى أنها إحدى قرى شرق النيل، هذا إلى جانب افتقادها الإعلان السياحى عن المكان، بالرغم من قداسة ومكانة السيدة «مارية» القبطية.

وأضاف أن المتبقى من منزل السيدة مارية هى غرفة صغيرة، وتوجد بالجبل بعيداً عن الكتلة السكنية، وأغلب الزائرين من أهل القرية لأجل التبرك بالمنزل، مشيراً إلى أن هناك موقعاً ملاصقاً للمنزل يسمى «الكحروتة» كان تتبارك بها النساء غير القادرات على الإنجاب، ويذهبن إليه رغبة فى إنجاب أطفال، موضحاً أن بقايا منزل «مارية» القبطية يحتوى على صورة لها، وموضوع عليها بوابة حديدية كبيرة، مفتاحها مع البعثة الإيطالية، المسئولة عن التنقيب بالقرية، ويمنعون أهالى القرية من الدخول.

ويروى كامل محروس أحد أبناء القرية، عن معجزات وبركات منزل السيدة «مارية» القبطية قائلاً: «كان هناك فتاة فى سن الزواج، ورفضت كل الشباب المتقدمين لخطبتها دون سبب، ومر على ذلك عدة أعوام، وأنها كانت لا تطيق كلمة الزواج، فاصطحبها والدها إلى الحجرة المتبقية من منزل السيدة مارية القبطية، وهناك قرأ الفاتحة للنبى صلى الله وعليه وسلم، ومن وقتها عادت الفتاة لطبيعتها، ولم تمر 10 أيام إلا وأعلنوا خطبتها وتم زفافها».

أحد مسئولى الآثار بمنطقة ملوى، قال إن المنزل تم إهماله بطريقة غير مبررة من المسئولين، رغم رفعنا العديد من التقارير والمذكرات التى طالبت بضرورة الاهتمام به، والحفاظ عليه من الإهمال، وتجار الآثار، وأضاف أن المنزل يرجع للعصر الروماني، ويندرج تحت مبنى البيوت الجنائزية، وأنه مكون من ساحتين، الأولى الخارجية، وبدأ الأهالى يستولون عليها بتحويلها إلى مقابر عشوائية وبه آثار التنقيب الذى قام به تجار الآثار، وهدم العديد من الأعمدة والتيجان الأثرية.

ويقول محمود سلطان، باحث أثرى، بسبب إهمال الدولة للمنزل، تعدى عدد من الأهالى على الساحة الخارجية له، وتم هدمها بالكامل، وبنوا بعض المقابر لسكان الشيخ عبادة، كما تتم عملية نهب وسرقة وتنقيب بشكل مستمر من جميع الجهلاء بالحفر خلسة وإزالة الآثر.

وبحسب السيرة النبوية، قدمت «مارية» إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية فى سنة سبع من الهجرة، وذكر المفسرون أن اسمها مارية بنت شمعون القبطية، بعد أن تم صلح الحديبية بين الرسول صلى الله عليه وسلم والمشركين فى مكة. بدأ الرسول «صلى الله وعليه وسلم» فى الدعوة إلى الإسلام، وكتب كتباً إلى ملوك العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام.

ولما أرسل الرسول كتابًا إلى المقوقس حاكم الإسكندرية والنائب العام للدولة البيزنطية فى مصر، أرسله مع حاطب بن أبى بلتعة، وكان معروفًا بحكمته وبلاغته وفصاحته. فأخذ «حاطب» كتاب الرسول «صلى الله عليه وسلم» إلى مصر وبعد أن دخل على المقوقس الذى رحب به وأخذ يستمع إلى كلمات حاطب، قال له «يا هذا، إن لنا دينًا لن ندعه إلا لما هو خير منه»، وأعجب المقوقس بمقالة «حاطب»، فقال له: «إنى قد نظرت فى أمر هذا النبى فوجدته لا يأمر بمزهودٍ فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آية النبوة بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى وسأنظر»، أخذ المقوقس كتاب النبى صلى الله عليه وسلم وختم عليه، وكتب إلى النبى صلى الله عليه وسلم:

«بسم الله الرحمن الرحيم... لمحمد بن عبدالله، من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد، فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيًا بقي، وكنت أظن أنه سيخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم، وبكسوة، وأهديتُ إليك بغلة لتركبها والسلام عليك».

وكانت الهدية جاريتين هما «مارية» بنت شمعون القبطية وشقيقتها سيرين، وفى طريق عودة حاطب إلى المدينة، عرض على مارية وأختها الإسلام ورغبهما فيه، فأكرمهما الله بالإسلام، وفى المدينة اختار الرسول صلى الله عليه وسلم «مارية» لنفسه، ووهب أختها سيرين لشاعره الكبير حسان بن ثابت الأنصارى رضى الله عنه. كانت «مارية» رضى الله عنها بيضاء جميلة الطلعة، وقد أثار قدومها الغيرة فى نفس عائشة رضى الله عنها.

وبعد مرور عام على قدوم «مارية» إلى المدينة، حملت «مارية»، وفرح النبى لسماع هذا الخبر فقد كان قارب الستين من عمره وفقد أولاده ما عدا فاطمة الزهراء رضوان الله عليها. ولدت «مارية» فى شهر ذى الحجة من السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة، طفلًا جميلًا يشبه الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وقد سماه إبراهيم، تيمنًا بأبيه إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام وبهذه الولادة أصبحت «مارية» حرة.

Comments

عاجل