المحتوى الرئيسى

قيادة الإخوان تراهن على انهيار مصر

12/23 03:23

ألقى الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان سابقًا، الضوء على شخصية الدكتور المستشار المأمون الهضيبى مرشد الإخوان سابقًا، واصفًا إياه بأنه كان أخر الرجال المحترمين في الجماعة.

وقارن حبيب في مقال له على صحيفة "الوطن" بين القيادات في عصر الهضيبي للجماعة واصفًا إياها بأنها كانت ترجمة حية لما قاله «البنا»: "كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا" وبين القيادات الحالية التي اتهمها بأنها أصبحت -بعد فقدانها للسلطة- جسماً غريباً مشوهاً يراهن على تصدع وانهيار مصر.

هذا هو المقال رقم (٨) من سلسلة مقالات «الإخوان والحق المر» التى تمثل فى الواقع أهم المحطات البارزة فى حياة جماعة الإخوان فى الفترة بين عامى ١٩٨٥ و٢٠١١.. وقد ابتدأنا السلسلة بإلقاء الضوء على المستشار المأمون الهضيبى، «آخر الرجال المحترمين»، الذى تم تعيينه عضواً بمكتب الإرشاد فى ١٩٨٥، ثم متحدثاً رسمياً باسم الجماعة فى ١٩٨٦، فنائباً للمرشد فى ١٩٩٦، ومرشداً فى يناير ٢٠٠٣.. والحقيقة أن هذا لا يعنى تجاهلاً منى لشخصيات أخرى لها مكانتها ومنزلتها، كعمر التلمسانى، ومحمد حامد أبوالنصر، ومصطفى مشهور، فهؤلاء تناولت جزءاً من سيرة حياتهم فى مقالات كثيرة، سواء فى صحيفة «المصرى اليوم» أو فى صحيفة «الوطن»، أو فى كتابى (ذكريات فى الحياة والدعوة والفكر والسياسة، دار الشروق، ط١، ٢٠١٢).. فى هذه السلسلة سوف نتناول الفترة التى عاصرها المستشار المأمون الهضيبى، ثم الفترة التى أعقبت وفاته فى يناير ٢٠٠٤، والتى بدأت بتولى الأستاذ محمد مهدى عاكف منصب المرشد العام للإخوان.. وغنى عن البيان أن استدعاء التاريخ أمر مهم، حيث يتم استلهام الدروس والعظات والعبر، وقديماً قالوا: إن الأمة التى ليس لها ماض، لا حاضر لها ولا مستقبل.

(٢) شهدت الفترة التى عاصرها «الهضيبى» أحداثاً كبيرة للجماعة ساهم فيها الرجل بنصيب وافر.. اتفقنا واختلفنا معه، لكنه ترك علامة وأثراً فى تاريخ الجماعة، ولا أتصور أن تتم عملية التأريخ لتلك الفترة وما حدث فيها من انتصار أو انكسار دون أن نتناول الدور الذى قام به.. من نافلة القول أن نذكر القارئ الكريم بأن «الهضيبى» لم ينس يوماً أنه رجل قانون، وقد ظهر ذلك فى معظم -إن لم يكن كل- مواقفه، ولا أنسى قوله لعمر التلمسانى يوم اختياره عضواً بمكتب الإرشاد: لا أريد أن يأتى اليوم الذى أقف فيه أمام المحكمة وأقول: لم أكن أعرف.. بهذه الروح وهذه النظرة كانت قيادة الجماعة فى تلك الفترة، حريصة -بكل الصدق والشفافية- على أن تكون جزءاً من المجتمع المصرى، وترى فى المحافظة على أمنه وأمانه واستقراره هدفاً يجب أن تسعى ويسعى إليه الجميع.. وكان هذا ما عايشناه وتعلمناه وتربينا عليه.. لم نشعر يوماً أننا منفصلون عن المجتمع، أو أننا متميزون عنه فى قليل أو فى كثير.. كنا ترجمة حية لما قاله «البنا» نفسه يوماً: «كم منا وليس فينا، وكم فينا وليس منا».. لكن للأسف، اختلف الوضع الآن اختلافاً بيناً، حقاً «فارق بين الثرى والثريا».. أصبحت الجماعة -بعد فقدانها للسلطة- جسماً غريباً مشوهاً يراهن على تصدع وانهيار مصر التى أحببناها وعشقناها، فى السراء والضراء على السواء.

(٣) أبدأ فأقول إنى أنهيت مدة المحكومية، وهى ٥ سنوات، فى ١٩ يوليو من عام ٢٠٠٠.. وفى بداية أغسطس ٢٠٠٠، التقيت مصطفى مشهور، المرشد العام، الذى سألنى عن المجال الذى أود أن أعمل فيه داخل الجماعة، فقلت: التربية.. قال: أريدك أن تشرف على قسم المهنيين (الأطباء، الصيادلة، المهندسين، العلميين، المعلمين، التجاريين.. إلخ)، وأن يكون للتربية نصيب فى الارتقاء بهم.. قلت: لا توجد مشكلة، وقد كان.. وقد أخبرنى أيامها مسعود السبحى -سكرتير المرشد- أنه سمع إبراهيم شرف، عضو مكتب الإرشاد وأمين عام الجماعة آنذاك، يقول للمرشد ناصحاً له: لقد خرج الأخوان محمد حبيب وخيرت الشاطر، وأراها فرصة جيدة أن يكون أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك، لتتكئ عليهما ويكونا ساعديك.

(٤) فى أواخر عام ٢٠٠٠، حدثت حلحلة فى الحياة السياسية المصرية، كان من نتيجتها خوض الإخوان للانتخابات البرلمانية بـ٧٦ مرشحاً، فاز منهم ١٧ نائباً فقط، كان منهم الرئيس الأسبق محمد مرسى.. وقد اكتفت قيادة الجماعة بترشيح هذا العدد حرصاً منها على عدم استفزاز السلطة.. وعندما اجتمع مكتب الإرشاد فى ديسمبر ٢٠٠٠، كى يختار أحد أعضائه مشرفاً على الكتلة البرلمانية، اقترح عبدالمنعم أبوالفتوح أن يكون كاتب هذه السطور هو المشرف، على اعتبار أن النواب يعتمدون فى عملهم على قسم المهنيين الذى أشرف عليه.. كان هناك رأى آخر يقول إن الإشراف يجب أن يكون من نصيب المشرف على القسم السياسى بالجماعة، أى المستشار المأمون الهضيبى.. وقد جرت مناقشات مستفيضة حول هذا الأمر وتم التوصل فى النهاية إلى أن يشرف على الكتلة البرلمانية لجنة يرأسها مشرف قسم المهنيين، وعضوية أخوة من الأمانة وقسمى السياسى والتنمية الإدارية.

(٥) وكان لا بد أن نختار من النواب مسئولاً عنهم داخل المجلس، حتى تنتظم أمورهم وتتوحد مواقفهم إزاء القضايا المختلفة.. والمعتاد فى مثل هذه الحالة أن يقوم المشرف على الكتلة البرلمانية بترشيح أحدهم أو بعضهم وعرض المرشحين على مكتب الإرشاد لاختيار واعتماد أكثرهم ملاءمة للقيام بهذا الدور.. وقد قمت باختيار وتعيين الدكتور محمد مرسى مسئولاً عن الكتلة البرلمانية، بناء على تزكية الدكتور محمد على بشر، ودون الرجوع إلى مكتب الإرشاد.. وكان ذلك خطأ اعترفت به أمام المكتب وذلك لمخالفته للإجراءات المتبعة.. وقد قبل المكتب اعتذارى عن هذا الخطأ وأقر التعيين.. وقد بذلت جهداً طيباً مع الكتلة البرلمانية، من حيث الإعداد والتأهيل، فضلاً عن المساعدة فى كافة أنشطة النواب، داخل المجلس وخارجه.. كنت حريصاً على أن تكون هناك جلسات منتظمة تجمع الكتلة البرلمانية مع مصطفى مشهور، المرشد العام، والمستشار المأمون الهضيبى نائبه، حتى يكونا على بينة مما يجرى من ناحية، وحتى لا يحرم النواب من نصائحهما وتوجيهاتهما من ناحية أخرى.. وقد ظللت مشرفاً على قسم المهنيين والكتلة البرلمانية حتى أُلقى القبض علىَّ فى ١٥ مايو ٢٠٠١.. ثم استأنفت عملية الإشراف مرة ثانية عقب الإفراج عنى فى ٢١ أغسطس ٢٠٠٢.

(٦) كنت فى سجن مزرعة طرة عندما وقعت تلك الحادثة المروعة؛ حادثة تفجير البرجين بمدينة نيويورك فى ٩ سبتمبر ٢٠٠١.. وبغض النظر عن المتسبب الحقيقى لها، إلا أن الإدارة الأمريكية بقيادة بوش الابن روجت بقوة أن من قام بها مجموعة من شباب تنظيم «القاعدة» التابعين لأسامة بن لادن الذى كان موجوداً بأفغانستان.. ومن هنا بدأت قصة غزو أفغانستان.. ثم افتعال وجود مفاعل نووى بالعراق، لكى يتم غزوه هو الآخر واحتلاله فى أوائل أبريل من عام ٢٠٠٣.. بعدها، كان التحضير «للفوضى الخلاقة» فى المنطقة العربية مع بدايات عام ٢٠٠٥.. (وللحديث بقية إن شاء الله).

Comments

عاجل