المحتوى الرئيسى

المأمون الهضيبى مرشداً عاماً

12/22 22:03

(١) فى منتصف الأسبوع الأول من نوفمبر عام ٢٠٠٢، وقبل شهر رمضان بيوم واحد، كنا جالسين بمفردنا، مصطفى مشهور وأنا، فى دار المركز العام للإخوان بالروضة.. كان يأخذ رأيى فى تحديد الوقت الذى يحضر فيه الموظفون والعاملون فى صبيحة رمضان إلى دار المركز العام.. هكذا كان الرجل، يستشير فى كل شىء، الصغيرة قبل الكبيرة.. ساعتها أحسست أنه يعانى ضيقاً، فسألته عما به.. رد بعد تنهيدة طويلة: كنت أريد أن أرى شيئاً يبعث على الأمل.. قلت: وما ذلك على الله بعزيز.. ثم قام يستعد للانصراف قبل زحام المواصلات، حيث كانت الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر.. وبعد أدائه لصلاة عصر ذلك اليوم فى المسجد القريب من بيته، وقع مغشياً عليه بسبب نزيف فى المخ.. نقل إلى المستشفى وظل به حتى وافته المنية.. صلينا عليه صلاة الجنازة التى حضرها خلق كثير.. وسار خلف جثمانه إلى مثواه الأخير مئات الألوف من البشر، جاءوا من كل حدب وصوب، كان معظمهم من الشباب.. أتذكر جيداً ونحن عائدان، المأمون الهضيبى وأنا فى عربة واحدة، ولم نكن قد غادرنا بعد منطقة المقابر، أن اعترض السيارة صحفى إنجليزى، الذى سألنا: كم فى تصوركما عدد من حضروا الجنازة؟ رد عليه «الهضيبى» قائلاً: كم تتصور أنت فى تقديرك؟ أجاب الصحفى: لا يقل عن ٣٠٠ ألف.. صدق الإمام أحمد بن حنبل حين قال لأحد رجال السلطة آنذاك: بيننا وبينكم الجنائز.. وهذه حقيقة، فقد آثر عن أحد رجال نظام حكم مبارك عقب وفاة «مشهور» أن قال: إن سياسة النظام تجاه الإخوان بعد وفاة «مشهور» غيرها قبل الوفاة!

(٢) بعد إجراءات العزاء، وفى صبيحة اليوم التالى اجتمع مكتب الإرشاد فى دار المركز العام برئاسة أحمد حسانين، لاختيار المرشد الجديد.. وقد حرص المستشار الهضيبى، نائب المرشد، على عدم الحضور، حيث كان مرشحاً لخلافة «مشهور».. والحقيقة أن الرجل لم يشأ أن يحرج أحداً من الأعضاء، وأراد أن يتخذ المكتب قراره فى حرية كاملة.. حاول أحمد حسانين استطلاع رأى أعضاء المكتب فى «الهضيبى»، ولم يجد أحداً معترضاً عليه.. وللتاريخ، أبدى كل من جمعة أمين ومحمد بشر فكرة استطلاع رأى ولو بعض أعضاء مجلس الشورى ترضية لهم.. التفت إلىَّ أحمد حسانين وقال: وأنت يا أخ محمد، ماذا ترى؟ قلت: إن فكرة الشورى جيدة، لكن يجب استطلاع رأى المجلس كله، وليس بعضه أو أفراداً منه، ولما كان اجتماع المجلس بكامل أعضائه من الصعوبة بمكان، فأخشى أن يطول الوقت، وقد تدهم الأجهزة المعنية المكان، بل قد تدهم اجتماعنا هذا وتلقى القبض علينا جميعاً.. إن شبح المحاكم العسكرية ما زال قائماً، وآخر الأحكام التى صدرت (فيما عرف بقضية الأساتذة) كانت منذ أشهر قليلة، فى أواخر يونيو ٢٠٠٢.. ثم قلت بحسم: يجب أن ننتهى من هذا الأمر الآن، وفوراً.. نظر أحمد حسانين فى وجوه القوم فلم يجد اعتراضاً، فقال: إذاً، على بركة الله.. مضينا فى بقية الإجراءات وهى استطلاع رأى أعضاء مجلس الشورى الدولى، الذى تطلب وقتاً بسبب ظروف الإخوان فى الدول الأخرى.. وجاء الرد بالموافقة، ومن ثم أصبح المستشار المأمون الهضيبى المرشد العام السادس للإخوان فى يناير ٢٠٠٣.

(٣) كان من عادة مصطفى مشهور، المرشد العام، أن يجلس طول الوقت فى الصالة الخارجية لدار المركز العام، وعلى يمينه «الهضيبى»، وحولهما بقية الإخوان.. ولا بأس أن تدور حوارات ومناقشات عامة فى هذا المكان.. وكان هذا الجو يضفى نوعاً من الحميمية بين الإخوان، ولم يكن يشعر أحد من الموجودين أو المقبلين بأى حرج فى أن يطرح سؤالاً أو يقترح موضوعاً أو يعلق على رأى.. لكن، إذا كان هناك أمر له خصوصيته، كاجتماع مكتب الإرشاد أو لقاء مع ضيف له حيثية معينة أو يريد أن يتحدث مع أحد أعضاء المكتب حديثاً خاصاً، انتقل «مشهور» إلى غرفة مكتبه.. ولم أره يوماً جالساً إلى مكتبه، بل كان دائماً ما يجلس إلى جوار محدثه أو محدثيه.. عندما تولى المستشار المأمون الهضيبى منصب المرشد، انتقل إلى غرفة المكتب وجلس إلى مكتبه، سواء كان بمفرده أو كان معه أحد.. وكان يترك باب غرفة المكتب مفتوحاً، إلا إذا كان فى لقاء أو اجتماع.. وقد دخل عليه مسعود السبحى، سكرتيره والمشرف على الموظفين والعاملين بالدار، ليعرض عليه اقتراحاً، كما كان يفعل مع «مشهور»، فإذا بالهضيبى يشير إليه بالسكوت.. خرج «مسعود» من الغرفة وسمعته يردد بينه وبين نفسه: قال له اسكت، فسكت! كان واضحاً أن «الهضيبى» يريد ضبط إيقاع حركة الأفراد داخل دار المركز العام وخارجه، فما كان يسمح لأى فرد بأن يتجاوز حدوده، غير أنه بدا أكثر ليناً وصبراً على إخوانه عن ذى قبل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل