المحتوى الرئيسى

مشهد "لوعة الفراق" من داخل الكنيسة البطرسية

12/22 20:17

فتح الباب أمامها وكأنه الجحيم تساق للدخول إليه.. عصفت بأنفها رائحة الفورمولا، فدار رأسها وكادت تسقط، تشبثت بمقبض الباب، ساعدها الطبيب فى إشفاق وهو يتمتم بكلمات تشجيعية مقتضبة.

دلفت بينما أحست بقدميها ترفضان الدخول، شىء ما بداخلها يلح عليها أن ارجعى.. لا تدخلى.. لا تطيعيهم.

لكن نظرات الطبيب المتحمسة دبت بأعماقها بعض التماسك، وقفت مشدوهة تنظر إلى تلك الأدراج الضخمة المتجاورة والممتدة بطول الحجرة الواسعة.

همس الطبيب بأذنها فى لهجة حانية:

- سوف ترين خمس جثث وعليك التعرف على...

صمتت وقد أمسكت قلبها بقبضتها كأنها تعصره عصراً عله يكف عن الانتفاض، وأردفت:

- لن تكون ابنتاى بينهم.. بإذن الله.

هز الطبيب رأسه فى حرج وغمغم:

قالها وهو يدرك جيداً أن ما تنتظره مستحيل، لكنه أبى أن يخنق الأمل الساكن بعينى أم مكلومة لا تملك غير الدعاء.

أمسك بأول الأدراج يجذبه وكأنه يجذب روحها بقبضتيه، انتفضت وأشاحت بوجهها، فقال لها:

أدارت وجهها ببطء نحو الجثة وقد كشف وجهها الملوث بالدماء، ثم زفرت بارتياح وهمست:

أعاد الدرج مكانه، وأمسك بمقبض آخر فازدردت لعابها بفزع وأخفت وجهها بين يديها، ثم فتحت عينيها نصف فتحة لتبصر وجهاً قد شوه نصفه، فصرخت فى ألم، ثم هتفت من بين دموعها:

توقف قليلاً، وهمس فى حنان:

- تمالكى نفسك.. وليكن أملك فى الله كبيرا.

أومأت برأسها وابتلعت دموعها وقد أشعرتها كلماته ببعض الهدوء، فجذب هو الدرج الثالث، لتزفر هى فى ارتياح وتتمتم:

- حمداً لله، ليست هى.

وقف الطبيب متردداً، وقد أدركت هى سبب تردده، فلم يعد متبقياً سوى جثتين فحسب، وربما...

صرخت به فى توسل وهى تعود إلى الخلف فى خطوات متخبطة مرتبكة، وقد سكنت عينيها نظرات زائغة وانتفض جسدها بعنف وهى تتجه نحو الباب وتكاد تتعثر.

هل يمكن أن تكون ابنتاى.. ابنتا عمرى كله.. وكل أحلامى وسعادتى وشقائى، عروستاى.. فرحة قلبى الوحيدة

هل يمكن أن تكونا ها هنا.. فى هذين الدرجين.. جثتين هامدتين؟

لا.. لا يا ربى.. أتوسل إليك ألا تفعل.. فلست بتلك القوة لتبتلينى هذا البلاء العظيم.. أرجوك أنا لست أهلا لذلك الاختبار.. ليس لى غيرهما فى تلك الحياة.. اتركهما لى.. أرجوك.

أسرع الطبيب يمسك بذراعها وقد كادت تسقط على الأرض، ساعدها حتى الوصول إلى الدرجين وهو يحاول تهدئتها قدر الإمكان بينما لم تكن هى تسمع من كلامه شيئاً، فقد ذاب عقلها وكل حواسها بين مقبضى الدرجين وتحجرت عيناها عليهما.

تمالك الطبيب نفسه وأمسك بأول درج وفتحه بيد مرتبكة و...

انتفض على صراخها وهى تردد:

أمسكت بالدرج وكادت ترتمى فوق الجثة وقد اختزل الكون كله بعينيها فى تلك الدماء التى تملأ وجهاً ملائكياً لم ترتكب سنواته السادسة عشرة ذنباً يستحق تلك الميتة البشعة.

بصعوبة خلص الدرج من بين أصابعها وأعاده.

رفعت وجهاً أغرقه القهر وارتسم الموت على ملامحه، اتسعت عيناها فى فزع وهى تراه يمسك بآخر درج.

مسحت دموعها وانتصبت فى اعتدال، حاولت أن تتماسك بعض الشىء، وهمست:

- فبرينا.. لن تكون هى.. ربى لن يحرمنى منها أيضاً.

ثم نظرت إلى الطبيب تطمئنه، ففتح الدرج ببطء.

لم تصرخ باسمها، بل رددته فى غير تصديق وألم يائس.

أهم أخبار حوادث

Comments

عاجل